زاد الاردن الاخباري -
كتب أ.د إياد النسور - بنك الفقراء ذلك النموذج الاقتصادي الذي تبناه الاقتصادي البنغالي أحمد يونس بدأ بـ 27 دولار وانتهى الامر به بـ4 مليار دولار، نموذج قديم في محارية الفقر وتشجيع الأعمال الريادية بين الفقراء، وتأهيلهم من الناحية الاجتماعية ليكونوا رواد أعمال وأصحاب رؤوس أموال منتجين . بنك الفقراء مفهوم متجدد تم تطويعه لخدمة الفقراء في أكثر من دولة في بوليفيا ومصر رغم اختلاف مسماه. وهو أداة فاعلة في الوصول إلى العملاء المستهدفين على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية وأماكن سكناهم. فطلاب المدارس، والأطفال الفقراء ما دون 6 سنوات ، وذوي الاحتياجات الخاصة ، والنساء الأقل حظاً في المناطق النائية ، والمزارعين الأكثر فقراً، والباحثين الشباب عن عمل ، وأصحاب المهن ممن لا يملكون رؤوس الأموال أو ليس لديهم ضمانات مالية أو مادية للحصول على تمويل، فجميعهم عملاء مستهدفين لبنك الفقراء .
قد يقول البعض بوجود مؤسسات حكومية في الأردن للإقراض الصغير، فالجواب نعم بكل تأكيد لدينا مؤسسات تعمل وفقاً للأسس التجارية الربحية على غرار البنوك التجارية والإسلامية ، بل وتنافس بعضها البعض في كسب العميل القادر على السداد . فصندوق التنمية والتشغيل قام عام 2018 بتمويل 3268 مشروع وفرت 5896 فرصة من خلال 27.9 مليون دينار ، وبلغت تكلفة فرصة العمل 4732 دينار ، واستطاع كل المشروع تشغيل 1.8 شخص بالمتوسط، تركز معظمها بنسبة 67.2% في القطاع التجاري، وحازت مدن عمان واربد على 36.8% من ذلك التمويل . في عام 2019 قدمت مؤسسة الإقراض الزراعي 46.8 مليون دينار لغايات تطوير واستصلاح 8031 مشروع زاعي استفاد منها 8311 ، وقد وجد أن كل مشروع يوفر 1.03 فرصة عمل بتكلفة 5342 دينار. مع العلم بان أصغر مشروع زراعي في التطوير والاستصلاح أو تسمين الأبقار... الخ يحتاج إلى عشرات الأيدي العاملة وبتكلفة أقل بكثير مما سجلته المؤسسة . عدا عن ذلك تستند مؤسسات الإقراض الصغير إلى استخدام نسبة 5% للمرابحة، وعلى نفس المنوال تخصص البنوك الإسلامية والتجارية مبالغ بملايين الدنانير سنوياً يفترض أن توجه للإقراض الصغير، وفي كثير من الأحيان يصل معدل القرض الواحد لكل مشروع صغير إلى 100 ألف دينار ، وهذا يبعد تلك المشروعات من كونها صغيرة أو موفرة لفرص العمل ، ولكنها مشاريع تستحوذ وتستفيد من مبالغ مالية لا تستحقها .
الظروف الاقتصادية السلبية التي مر بها الاقتصاد الأردني سابقاً والتي تعاظمت أثناء جائحة كورونا، تجعلنا نقف كثيراً عند معدل البطالة المتوقع نشره من الحكومة ، والذي اعتقد انه سيصل إلى حيطان الـ 30% ، وهو في ازدياد مستمر يتزامن مع ارتفاع مؤلم في معدلات الفقر ، والانخفاض المستمر في القوة الشرائية للمواطن ، وحتى لو عادت العلاوات للقطاع العام وللعسكريين مضاعفة ، ولكن يبقى القطاع الخاص هو المشغل الرئيسي في الأردن ، وبحسب الإحصاءات غير المنشورة فإن ما يقارب من 700 ألف شخص يعمل في شبه مشروع حر ، وبالتالي فإنه لا يمكن الركون إلى هذه المشاريع واعتبارها مستدامة في اقتصاد صغير محدود الموارد والإمكانات وعرضة مستمرة للتراجع في أي وقت.
اعتقد أن تجربة الإقراض الصغير مازالت ناشئة في الأردن رغم مرور 40 سنة على بعض المؤسسات التي تعمل في القطاع ، وبالرغم من الملايين التي تصرف هنا وهناك ، وبالرغم مما تحصل على مؤسساتنا الإقراضية المعنية من الحكومة ومن الدول الأجنبية ، لكنها مازالت تركز على العميل القادر على السداد أو من يحقق شروط الحصول على التمويل ، وبالنهاية فإننا نعرف أن المساهمة الاقتصادية لمعظم المشروعات المممولة تنهتي بالفشل أو الإغلاق وبيع موجوداته ببضع مئات من الدنانير ، كما أنها مشاريع متدنية القيمة المضافة كونها لا تستند إلى دراسات حقيقية عن حاجة الاقتصاد لها ، وذلك بالنسبة لاقتصاد يواجه تحدي استيعاب ما يقرب من نصف مليون عاطل عن العمل ، ويواجه زيادة سكانية كبيرة، وعودة محتملة في أي وقت للكثير من المغتربين إلى سوق العمل المحلي.
ضمن ذلك الإطار ، قد تكون تجربة بنك الفقراء الإطار القانوني والمالي والمظلة الواسعة التي تخضع لها جميع مؤسسات التمويل الصغير في الأردن ومؤسسات الحماية الاجتماعية مثل صندوق المعونة الوطنية، حيث من المفترض أن يكون تقديم المساعدات التنموية للفقراء ولرواد الأعمال الصغار ولجميع الفئات المستهدفة دون شروط لضمانات أو رهن عقارية. الأصل أن المبلغ الصغير الذي قد لا يتجاوز بضع مئات من الدنانير ، يجب منحه للفقراء والأكثر احتياجاً ضمن خطة حكومية لتطوير مستوى معيشتهم وتجاوز حلقة الفقر ، وهنا تأتي قيمة هذا المبلغ الصغير وكيفية تخصيصه للبدء بعمل تجاري أو مهني أو منزلي بشكل مبتكر غير تقليدي يناسب حاجة الاقتصاد ومهارات الأفراد المستهدفين وقدراتهم ، وكما نعلم فإن تجربة بنك جرامين لا يمتلك أي مكان جغرافي ولا حتى مستندات أو أوراق أو ضمانات عقارية أثناء بحثه عن عملائه المستهدفين.
المبالغ التي تمنح للأشخاص الأشد فقراً والأكثر حاجة أو فاقة في المجتمع ، قد تضمن لهم بناء أصول إنتاجية صغيرة القيمة مستدامة ولتحقيق الازدهار لهم ولعائلاتهم، يقلل من مستوى المتاعب التي تواجه المحتاجين وطالبي القروض، أثناء البحث عن العميل المستهدف في مكان وجوده ، إذ ان الأهداف الاجتماعية تعتبر الموجه الرئيسي لأعمال البنك وأهدافه في المجتمعات الفقيرة ، وهنا نشير أنه قد يتم منح شخص متسول قرضاً للبدء بمشروع صغير، أو شخص لديه "بسطة" في منطقة عشوائية فقيرة ، أو امرأة تبيع منتجات منزلية وهي في بيتها ، كما يمكن توجيهه نحو مشاكل التعليم والصحة واحتياجات الصرف الصحي وتنقية مياه الشرب ، والكهرباء وتوليد الطاقة ، والزراعة المنزلية ، وسداد تكاليف الزواج الصغيرة ، وتقديم وجبات غذائية مدعمة للأطفال الفقراء في المدارس... الخ .
في الأردن ، يمكن أن يكون للحكومة دور مباشر ورئيسي في توجيه القروض الاجتماعية نحو مستحقيها ، ومحاولة البحث عنهم بعيداً عن أروقة الروتين الحكومي ، ومؤسسات الاقراض المتخصص ، وتعقيدات صندوق المعونة الوطنية، فهذه المشروعات تمثل عبء إضافي على إنتاجية الاقتصاد، كما يمكن إشراك المانحين الدوليين في توجيه القروض الاجتماعية نحو البوادي والمخيمات ، وليس باتجاه عيادات الأطباء التي تستحوذ على حصة كبيرة من المبالغ المخصصة لهذا النوع من الإقراض .