ونحن نودع العام 2020 الذي بدأ يلملم أيامه ويحزم حقائبه لمغادرتنا قريباً، العام الذي حمل بين طياته الكثير من التغيرات والتقلبات في حياتنا، كان بلا شك أكثرها تأثيراً في أيامنا وظروفنا ذلك المرض الغريب "الكورونا" الذي بدأ غريباً بيننا ويبدو أنه سينتهي بغرابة بدايته، والذي قلب حياتنا رأساً على عقب وترك الأثر العميق في قلوب الكثير بيننا، فهذا فارق غالياً أصابه المرض فمنع من زيارته في آخر أيامه، وآخر فارق حبيباً لم يستطع حتى الحضور للمشاركة في وداعه، وغيره أصابه المرض حتى أنهكه وأتعب روحه وينتظر الشفاء ربما حتى كتابة هذه السطور، وآخر أصاب المرض عزيزاً عليه فانقلبت حياته بين نارين، نار تمني الشفاء العاجل له ونار أمنية أن لا يتسبب المرض بالمزيد من ألم الفقد والوجع للمزيد من أحبابه، واليوم ونحن نقترب من نهاية هذا العام وربما نهاية هذا الوباء مع انتشار أخبار اللقاحات هنا وهناك، نعود برأسنا للوراء قليلاً لنسأل أنفسنا ترى كيف نودع هذا العام ونستقبل العام الجديد؟
كغيرها من الحروب كانت حربنا مع الكورونا، حرباً نمني أنفسنا بأن تختفي قريباً بأقل الخسائر الممكنة بعد أن كانت زاخرة بتجار الحروب والمستغلين لها أسوأ استغلال، تماماً كما كان فيها الكثير من المسالمين من ضحايا الحروب ممن لا ناقة لهم فيها ولا جمل، واليوم نكاد نجزم بأن الكثير ممن كان لا يعرف قيمة النعم وأهمها نعمة الصحة والعافية أصبح يعرف جيداً قيمة مرور دقيقة واحدة عليه وهو يتنفس بشكل طبيعي دون أن يشعر بألم في جسده، أو قيمة أن يمسك وردة للاستمتاع برائحتها الجميلة، أو حتى تناول طعامه متلذذاً بمذاقه كما يحب ويشتهي.
إضافة لقيمة نعمة ربما تكون من أهم النعم التي لا نلقي لها بالاً في كثير من الأحيان، فقد سئل حكيم يوماً: لماذا تحسن إلى من أساء إليك، وتصل من يقاطعك؟ فقال: لأني بالإحسان أجعل حياتهم أفضل، ويومي أجمل، ومبادئي أقوى، وروحي أنقى، ونفسي أصفى، وأترك أثراً طيباً لمن بعدي، وهنا تكمن واحدة من أجمل النعم، عندما نزرع شجراً لغيرنا من الأثر الجميل لينتج لهم ثمراً طيباً يأكلونه من بعدنا ويمنحهم ظلاً يأوون إليه، فإنك حينها لن تخرج من الحياة إلا وقد تركت من بعدك ما يبقي روحك حية حتى بعد مغادرة جسدك لهذه الحياة، فيكون لك إرثاً ممتداً عبر الأزمان والقلوب والحياة.
فما أجمل ألا نغادر طريقاً نمر به وإلا وقد تركنا ورائنا من العطر والشذى ما يتذكرنا به الحجر قبل البشر، فكلنا سيكون خبراً يوماً ما، وهنيئاً لمن عمل لصياغة ذلك الخبر بأجمل الحروف والعبارات، ومن عمل على حفر أثره الطيب خلفه في الصخور ليبقى ويستمر من بعده بدلاً من كتابته على رمال تذروها الرياح وتنسى مع مرور الزمن.
ذلك الأثر الذي أظهر هذا العام العصيب قيمته بشكل أكبر من أي وقت مضى والذي يبقى غاية الأمل للباحثين عن جنان الدنيا والآخرة، من قال فيهم النبي محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما صححه الألباني: ((أهل الجنة من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيراً وهو يسمع، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شراً وهو يسمع)).