زاد الاردن الاخباري -
كتب : جواد الكساسبة - أكتب هذه الكلمات، في مثل هذا التوقيت و في مثل هذه الليلة بتاريخ 23122014، كان آخر اتصال لي بشقيقي البطل الشهيد معاذ الكساسبة وكان الاتصال لشأن خاص واعتيادي بين الإخوة، كنت حينها في منزل أحد الأقارب في عمان، ولم أكن أدرك بأن هذه آخر كلمات اسمعها منه، و لا أنكر بأنه أثناء هذه المكالمة تسلل إلى نفسي هاجس الخوف و الريبة من خلال صوته و كلماته و تعابيره التي كانت توحي بشيء غريب حيث أنه استعجل الحديث و أخبرني بأنه تكلف بمهمة في سوريا غريبة عليه رغم أنه الطيار الماهر و ليست بجديد عليه تكليفه بالمهمات الجسيمة و لكنه أضاف إضافة غريبة بالتشديد عليه و التعليمات من قائده في القاعدة الجوية وهو بحالة من الريبة و الاختلاج، و أنهى مكالمته بعبارة ( القايد بنادي علي، بشوفه و برجعلك ) و لكنه لم يعد، بل عاد و لكن ليس لي بل لإحدى أخواته التي كان يحدثها و يوصيها و كأنه يودع كلانا، نمنا ليلتنا، و لكن أظن أنه لم ينم و هو يحضر ليوم عرسه و إرتقائه.
صبيحة اليوم التالي، 24122014، صلى صلاته و دعا دعاؤه و إمتطى صهوة طائرته F16 و انطلق شمالاً، سوريا، الرقة، مؤمناً بالله و بوطنه و ممتثلاً لأمر قيادته بمهاجمة الدواعش الخوارج في عقرهم، كان قائداً لتشكيل من الطائرات من جنسيات مختلفة من التحالف الدولي، كان أحدهم زميله الطيار الاردني الذي يصغره بالرتبة العسكرية.
وكعادة الذئب القائد كان أول الطائرات في التشكيل، و كعادة الصقر الذي يهاجم وحده كان ينخفض إرتفاعا عنهم ليحظى بالشرف، و لكن يد الغدر و الخيانة طالته لتسقط طائرته بصاروخ غادر مجهول، و هو البطل الذي لا يرضى الهوان فقفز بمظلته رغم معرفته بما ينتظره و إجتمعت على الصقر الجريح غربان الظلام و الضلال و آذوه في نفسه و في جسده و في دينه، و لم يرقبوا فيه إلاً و ذمة، و لم يمهلوه الا خمسة أيام عجاف فقتلوه شر قِتلة و كلٌ شاهدٌ عليها ومثلوا به شر تمثيل لم يشهد البشر مثيله، و استغلوا عاطفتنا و حرصنا بالكذب الذي استمر 42 يوما من المفاوضات الكاذبة و نحن نرقبه كل لحظة حتى خرج المشهد المهول بالفيديو المشؤوم.
يا معاذ عشت عزيز النفس رافع الرأس و رفعنا رؤوسنا بك و أطلقنا شعار ارفع رأسك أنت أردني تيمناً برفع رأسك لحظة ارتقائك شهيدا في سماء الدنيا عند مليك مقتدر، رحمك الله يا غالي، و جعلك مقبولا في السماوات كما كنت في الأرض ورحم الله شهداء الوطن سائد وراشد ومعاذ ومعاذ والعم وابن أخيه حسونة، وجميع الشهداء الأبرار الذين لم يسعني ذكرهم جميعا، وحفظ الله الوطن آمنا مستقرا من كل سوء.