ونحن على أعتاب نهاية عامٍ ليس كأي عام، ايام قليلة تفصلنا عن انتهاء العام الأصعب، أيام قليلة وينتهي العام 2020 تاركاً خلفه الكثير من الذكريات ولعلها ستبقى راسخة في ذهن كل من عاشها، بالرغم من أن العالم لم يتعافى بعد من حالة الشلل الكلي والجزئي التي أصابته طوال هذا العام وبالتحديد أشهره التسعة الأخيرة، إلا أنه بات أكثر ترقباً للعام الجديد لعله يجد ضالته من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. عام أثبت أن البشرية مهما تقدمت ومهما حققت من إنجازات وفي مختلف الميادين ستبقى ضعيفة وهنة أمام قدرة الله سبحان وتعالى، فيروس صغير استطاع أن يصيب العالم باسره بحالة من الشلل والركود لم تسلم منها عظمى الدول كحال النامية منها. بروتوكلات علاجية واحترازية صارمة شهدها العالم بأسره، انعكست على طبيعة الحياة وامتدت لمختلف قطاعاته الحيوية.
أزمة إقتصادية لن يفق العالم من آثارها لسنوات، الأصعب كما وصفها الكثيرون منذ الحرب العالمية الثانية، شلل تام لمختلف محركات الصناعة والتجارة، ركود في حركة الطيران وسماء بلا طائرات ولأول مرة منذ العام 1903. بات الكثير منا لا يصدق أن العام 2020 سينتهي حقاً، وأنه من الممكن أن يكون هناك بدايات جديدة لعام جديد يحمل أحداثاً جديدة بها شيئاً من التفاؤل أو الإيجابية .
لم تكن كورنا هي المتصدر الوحيد للمشهد عالمياً، فقد عاش العالم وعلى مدى شهوره الماضية حالة من الفزع من حاضر (غريب) ومستقبل (مشوه)، أشبه ما يكون بنظام عالمي جديد، أحداث وأحداث فاقت حدود الزمن والتوقعات.
محطات عديده شهدها هذا العام، ستبقى خالدة في الأذهان، أحداث غير مسبوقة، اغتيالات لعدد من الشخصيات السياسية والأمنية والعسكرية شهدها هذا العام ولعل الأبرز منها كان إغتيال القيادي الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس والقيادي العراقي ابوالمهدي المهندس في الثالث من يناير والذي شكل منحنى خطير للحرب الباردة ما بين الولايات المتحدة الامريكية وايران لتفتح من خلالها صفحة جديدة من التصعيد العسكري وتأجيج واضح لحالة الإحتقان فيما بين البلدين وحلفاؤهما في المنطقة لا زالت حتى اليوم تنذر بتدخل عسكري مباشر لا تحمد نتائجه.
الرئيس الأمريكي يعلن في يناير خطته للشرق الأوسط، والتي اعتبرها الكثيرون خطة (مشوهة) سعى من خلالها إرضاء إسرائيل على حساب الحقوق العربية، اسماها صهره (صفقة القرن)، مشروع انتزاع الأراضي الفلسطينية والذي اعتبر مخالفاً لكل القوانين والأعراف الدولية، خطة وقفت ضدها جميع الفصائل الفلسطينية بإعتبارها تبدد حلمهم بإقامة دولة ذات سيادة عصامتها مدينة القدس .
الولايات المتحدة الأمريكية ذات السمعة السيئة في حقوق الإنسان باتت محط الأنظار في هذا العام، وباتت جرائمها العديدة امام المحكمة الدولية، لحظة تاريخية شهدها شهر آذار عندما أذنت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها الجنود الأمريكيين في أفغانستان .
في هذا العام كان المشهد الأكثر إيلاماً، ضج العالم الإسلامي، من تبعات أزمة جائحة كورونا، لأول مرة في التاريخ يُقفل الحرم المكي وتمنع ممارسة الطقوس الدينية فيه، كما تم تقنيين مناسك الحج على المواطنيين السعوديين فقط وبأعداد محدودة كخطوة احترازية لمنع تفشي الوباء، كما حرم المسلمون من أداء صلاة الجمعة في المساجد وأغلقت الكنائس ودور العبادة.
في هذا العام وفي خطوة غير متوقعة، أقدمت عدد من الدول العربية على توقيع اتفاق سلام وتطبيع مع الكيان الصهيوني، اعتبره الكثيرون خطوة غير مسبوقة وغير مبررة، فيما أكدت هذه الدول أن هذه الخطوة جزءًا من ضمان حقوق الشعب الفلسطيني.
الإنتخابات الأمريكية في تشرين الثاني من هذا العام صابها العديد من الاختراقات التاريخية، سواء من حيث حجم المشاركة والتي كانت الأكبر منذ قرن ، أو من حيث أعمار المتنافسين على الرئاسة فبايدن يبلغ من العمر 78 عاماً وأما ترامب فيبلغ 74 عاما. لكن أكبر حدث سجلته هذه الانتخابات كان فوز “كامالا هاريس” بمنصب نائبة الرئيس، لتصبح أول سيدة تنتزع المنصب ، وأول أمريكية ملونة . ومن الأبرز في هذه الإنتخابات كذلك رفض ترامب المتواصل الاعتراف بالهزيمة، وهو ما لم يحدث له مثيل منذ عقود ليشكل سابقة في تاريخ الديموقراطية الأمريكية .
أحداث كثيرة شهدها العام 2020 ، شكلت مفترقاً رسم خريطة العالم لأعوام قادمة، أزمات عديدة تلوح في الأفق خلال السنوات القادمة، إقتصادية سياسية أمنية عسكرية وحتى اجتماعية . ويبقى حالنا يقول هل سيمضي هذا العام .