لو كنت محظوظا فسأكون اول من يقف امام المركز الصحي لأتلقى المطعوم ضد فيروس كورونا حين تبدأ الحملة الوطنية، فهو باعتقادي الجازم اللحظة الأخيرة التي انتظرناها لهزيمة هذا الوباء، والعودة لحياتنا الطبيعية.
هذا الحماس ليس انفعالا عابرا، وانما لثقتي بالعلم في وجه الخزعبلات، فلقد وثق آباؤنا وأمهاتنا من قبل بالمطاعيم لحماية صحتنا وتجنيبنا كل الأمراض الوبائية التي فتكت بالبشرية من قبل، مثل شلل الاطفال، الحصبة، الجدري، السل، التوفوئيد، التهاب الكبد الوبائي واخرى، وفعلنا نحن ما فعله اهلنا لأبنائنا وبناتنا دون تردد او وجل، وهو نفعله ايضا لأحفادنا، وهو ما يجب ان نقوم به الآن لأحبتنا في مواجهة هذا الفيروس الذي حول حياتنا خوفا وجحيما.
أثق ان لقاح فيروس كورونا مهما كان مصدره أفضل من الاستكانة والاستهانة بالفيروس، وأثق انه آمن وفعال، وعلينا ان نتذكر أننا نتناول في كل يوم أدوية لها أعراض جانبية، ولو توقفنا عند قراءة النشرات الطبية عن تناول الأدوية بسبب المخاوف من الآثار الجانبية النادرة الحدوث لبقينا أسرى المرض.
لنبتعد عن كل الإشاعات التي تبعث على السخرية ويتحدث بعضها عن تغييرات جينية قد تلحق بنا، أو أي تصريحات وكلام غير علمي وغير موثوق، والأحرى أن ننظر لهذا العالم الذي يتقدم علينا علمياً كيف يتسابق لإعطاء اللقاحات للجميع في بلاده دون التفات لمن يقبعون في شرك الخرافات، ولنبدأ اليوم قبل الغد في التسجيل في منصة اعطاء اللقاحات التي انشأتها الدولة، فهذا هو الطريق لنحمي أنفسنا وأحبتنا ووطننا، هذا إضافة للاستمرار في كل الاحترازات التي تعودنا عليها منذ أشهر مثل ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي حتى يكون الصيف القادم في الأردن آخر ايامنا مع الخوف من جائحة كورونا.
أطلقت الحكومة البرنامج الوطني للتطعيم ضد فيروس كورونا، واعتبارا من هذا الاسبوع ستصل اول شحنة من لقاحات فايزر/ بونتيك، وستبدأ حملة التطعيم في ما يقارب 74 مركزا صحياً رئيساً وفرعياً مزوداً بكل الخدمات الطبية واللوجستية التي تجعل تجربة تلقي اللقاح آمنة.
استمعت لشرح مكثف من وزير الصحة د. نذير عبيدات ومسؤول ملف كورونا د. وائل الهياجنة حول الاستعدادات والاجراءات التي اتخذتها الدولة لإنجاز هذه المهمة بنجاح، واطلعنا على التفاصيل المتعلقة برحلة المطعوم حتى يصل الى البلاد ومنها الى المراكز الصحية لتكون جاهزة لإعطائها لكل الناس بالمجان في المدن والقرى والمخيمات.
تأمل الدولة الاردنية تطعيم 20 % من السكان كخطوة أولى، وقد تعاقدت مع غالبية شركات الادوية التي انتجت المطاعيم، بالإضافة لانضمامها لتحالف «كوفاكس» الذي تشرف عليه منظمة الصحة العالمية لهذه الغاية.
تتعاون وزارة الصحة في انفاذ برنامج التطعيم الوطني مع المركز الوطني للأمن وإدارة الازمات، ووزارة الاقتصاد الرقمي، والخدمات الطبية الملكية، ومنظمة الصحة العالمية، وأول اللقاحات التي ستصل من شركة فايزر ويتوقع أن يتبعها اللقاحات الأخرى.
وضعت الحكومة خطة أولويات لإعطاء اللقاح تستند الى معايير قررتها منظمة الصحة العالمية والأردن يلتزم بها، وهي تعطي الاولوية لكبار السن فوق 60 عاماً، يتقدمهم من يعانون من أمراض مزمنة، وهذا التوجه لا يغفل اعطاء المطعوم للكادر الطبي والتمريضي خاصة ممن يعالجون مرضى كورونا ويقفون في خط الدفاع الأول في غرف العناية الحثيثة والطوارئ، وايضا لا يغيب عن الأولويات العمال والعاملات الذين تفرض عليهم وظائفهم الاحتكاك المباشر بالناس بشكل يومي مما يعرضهم لخطر العدوى مثل عمال الوطن، ورجال الأمن والدفاع المدني وعمال شركات الكهرباء وآخرين نعرفهم ونجل عملهم وسهرهم على راحتنا.
قد يواجه برنامج التطعيم الوطني تحديات علينا ان نتكاتف لتذليلها، أولها أن نساعد من نحبهم من كبار السن بالتسجيل لأخذ المطعوم، فأرقام من سجلوا على المنصة تزيد بقليل على 150 ألفاً، وهذا ليس نهاية المطاف إن توقفنا عن التشكيك بفعالية ومأمونية اللقاح، وربما نواجه تباطؤا في وصول شحنات اللقاحات بسبب الطلب العالمي الكبير مما قد يؤخر انجاز مهمة تطعيم أكبر عدد من السكان بأقصر وقت، لكن هذه أزمة تواجه كل دول العالم.
قطعنا مشوارا طويلا ومؤلما في مواجهة الوباء، وفقدنا احبة لنا خلال هذا الصراع، ومهمتنا ان نعجل بالانتصار على الوباء، وهذا لا يتحقق الا بالمناعة التي يصنعها اللقاح لنعود جميعا الى حياتنا، فعلى هذه الارض ما يستحق الحياة.