زاد الاردن الاخباري -
مع انطلاق حملة توزيع لقاحات برنامج «كوفاكس» على البلدان الفقيرة والنامية، بالقطّارة ودون الكميّات الموعودة، وبينما تعيد معظم الدول الأوروبية النظر في الجداول الزمنية لحملات التلقيح بعد التأخير الذي طرأ على المواعيد المتفق عليها مع شركات الأدوية لتسليم الجرعات، عادت منظمة الصحة العالمية لتحذّر من عواقب «احتكار» اللقاحات وتشدّد مرة أخرى على أهمية التضامن الدولي كسبيل وحيد للقضاء على الوباء بشكل نهائي وإرساء قواعد متينة للتعاون استعداداً لمواجهة الجائحات المقبلة.
وجاء التحذير هذه المرة على لسان المدير العام للمنظمة تادروس أدحانوم غيبريسوس الذي كتب في مجلة «السياسة الخارجية» يقول: رغم العدد المتزايد من اللقاحات التي تمّ تطويرها ويجري تصنيعها، ما زالت القدرة الإنتاجية غير كافية سوى لتغطية جزء من الاحتياجات العالمية. وإلى اليوم تبقى اللقاحات هي السبيل الأفضل لمكافحة هذه الجائحة، ما لم يخضع القادة لإغراءات نزعة القوميات اللقاحية. ويذكّر غيبريسوس بأن الإنجازات العلمية غير المسبوقة في تطوير اللقاحات وإنتاجها في أقل من سنة، ما كانت لتحصل من غير التعاون الدولي الواسع في مراحل تبادل المعلومات الأولية والتجارب المخبرية والسريرية، وبالتالي فإن اللقاحات لا تحمل هويّة بلد معيّن بل هي ثمرة التعاون العلمي الدولي، والعلوم تكون دولية أو لا تكون.
وتأتي هذه التحذيرات في الوقت الذي تفيد البيانات الأخيرة من منظمة الصحة العالمية بأن 60 في المائة من اللقاحات التي يجري تصنيعها حالياً قد اشترتها البلدان الغنيّة التي لا يزيد عدد سكانها على 16 في المائة من مجموع سكان العالم، فيما لا يطمح برنامج «كوفاكس» الذي تشرف عليه منظمة الصحة لأكثر من توزيع اللقاحات على 20 في المائة من سكان الكرة الأرضية.
وفي موازاة ذلك قال أندرو بولّارد مدير مجموعة اللقاحات في جامعة أكسفورد خلال ندوة افتراضية مع عدد من وسائل الإعلام الأوروبية، شاركت فيها «الشرق الأوسط»، إن التصدّي لمثل هذه الجائحة يستدعي تلقيح الجميع بأسرع وقت ممكن، وإن التأخير في التطعيم يعني المزيد من الإصابات والوفيات. وعن الجدل الذي أثير مؤخراً حول فاعلية اللقاح الذي طورته جامعة أكسفورد وتنتجه شركة أسترازينيكا على المسنّين، وقرار عدد من الدول الأوروبية منع استخدامه لمن تجاوزوا الخامسة والستين، قال بولّارد: «لدينا بيانات عن المسنّين أقل بكثير من البيانات حول الشباب في الدراسات التي أجريناها على اللقاح. ويعود ذلك إلى أننا تأخرنا عن غيرنا في التعاقد مع مسنّين لإجراء التجارب السريرية، وبالتالي كان عدد المصابين ضمن هذه الفئة أدنى من الفئات الأخر، فضلاً عن أن المسنّين عادة هم أكثر احتراساً من الشباب ويصابون بنسبة أقل. لكن الوكالة الأوروبية للأدوية، ومعها 25 من الهيئات الوطنية الناظمة، وافقت على استخدام اللقاح لكل الفئات العمرية، والسبب في ذلك أننا حققنا نتائج جيّدة على صعيد فاعلية اللقاح عند البالغين الشباب، وعلى استجابة مناعيّة مماثلة لدى جميع الفئات. والنتائج التي تصلنا من المتابعة تصبّ كلها في الاتجاه الصحيح، سوى أن الأرقام ليست مرتفعة كأرقام الشباب».
وبعد أن أكد بولّارد عدم وجود أي شكوك حول فاعلية اللقاح العالية لدى الشباب وأمانه على جميع الفئات، قال «ما نحتاج إليه الآن هو المزيد من البيانات عن المصابين الذين تلقّوا اللقاح، ونحن على ثقة كبيرة بأن النتائج ستبيّن قريباً فاعليته عند جميع الفئات استناداً إلى نتائج الاستجابة المناعية. هناك تجارب جارية في المملكة المتحدة والبرازيل، ودراسة أخرى في الولايات المتحدة على عدد كبير من المسنّين، من المنتظر أن تعطينا نتائج مشجعة قريباً».
وعن تشديد أسترازينيكا على أن اللقاح الذي تنتجه يتمتع بفاعلية كبيرة لمنع تفاقم الإصابة والعلاجات الخطرة في المستشفى قال كبير الباحثين في أكسفورد «ثمة هدفان أساسيان في مواجهة الجائحة: تطعيم أكبر عدد ممكن من السكان، وتطعيمهم بأسرع وقت ممكن. وقد أظهر بعض النماذج الحسابية التي اعتمدنا عليها أنه حتى في حال توفّر لقاح لا يتمتع بفاعلية عالية، تكون النتائج أفضل كلمّا أسرعنا في توزيعه، خاصة في البلدان التي تسجّل نسبة عالية من السكان المسنّين كما هي الحال في البلدان الأوروبية. وحتى إذا كانت فاعلية اللقاح 100 في المائة من الأفضل المباشرة بتوزيعها بأسرع وقت ممكن».
وعن وقوع ملفّ اللقاحات في دائرة التجاذبات السياسية بين الدول وداخلها قال بولّارد «أنا باحث علمي يقضي واجبي تقديم أفضل القرائن الممكنة، وقد حاولنا أن نتصرّف بشفافية ونشرنا كل البيانات التي كانت في حوزتنا. بعد ذلك يعود الأمر للوكالة الأوروبية للأدوية والهيئات الوطنية الناظمة التي تقرر بشأن الموافقة على استخدام اللقاحات. والعلماء المستقلون في البلدان هم الذين يبتّون بنزاهتهم حول ما هو الأفضل لمواطنيهم. أكنّ عميق الاحترام لقرار كل دولة، أما السياسيون فلهم أجندتهم الخاصة التي لا أريد الخوض فيها».