أعاد الملك الاهتمام بالإصلاح السياسي في الأردن بعد حديثه لوكالة الانباء الأردنية “بترا” بمناسبة عيد ميلاده التاسع والخمسين، مطالبا بتكريس معايير واضحة للأداء، والتصدي للواسطة التي اعتبرها ظلما وفسادا، وتعزيز الأدوات الرقابية.
الملك دعا إلى خطوات جادة في التنمية الشاملة لاسيما مشاركة جميع أطراف المجتمع في عملية صنع القرار، والتأكيد على ضرورة النظر في القوانين الناظمة للحياة السياسية كقانون الانتخاب، والأحزاب، والإدارة المحلية.
على الفور بدأت “ماكينة” الحكومة بالحديث عن آليات التقدم بمسار الإصلاح السياسي، وهذا أمر جيد وسندعمه ولن نتشاءم، والمشكلة الواضحة هي الثقة بجدية توجهات الإصلاح عند الحكومات، فمنذ عقود نبرع بالحديث عن الديمقراطية والحالة السياسية تتراجع، ونشرع بتعديل القوانين الناظمة للحياة السياسية والنتائج هشة ولا تحدث أثرا.
واقع الحال إن القوى الحاكمة والمتنفذة في السلطة السياسية لا مصلحة لديها في إحداث تغيير جذري، وبناء إصلاح سياسي يغير قواعد اللعبة السياسية في إدارة البلاد، وكل ما تفعله مرة تلو الأخرى التحايل و”اللف والدوران” لتعطيل المسار، والتذرع ان المجتمع الأردني ليس جاهزا لبناء نموذج جديد في الحكم.
الشعب الأردني ليس قاصرا، ويملك الرغبة الحقيقية ببناء مؤسسات ديمقراطية قوية، ففي خمسينيات القرن الماضي كان لديه حكومة أغلبية حزبية، ولينظروا لتجربة تونس التي أنجزت في عقد من الزمان تحولا سياسيا حقيقيا بعد أن حكمت لعقود بقبضة أمنية.
جوهر الإصلاح في الأردن تغيير جذري في قانون الانتخاب يربط جل الأمر بالحياة الحزبية، ولهذا أدعو لإنجاز تعديل دستوري يقصر الترشح للانتخابات على قوائم حزبية مغلقة تعتمد نظام النسبية.
بالتفصيل؛ وهذا نظام معروف ومتبع في كثير من الدول لا يجوز خوض الانتخابات إلا بقوائم حزبية، ولحل مشكلة تمثيل النساء يشترط في كل قائمة المناصفة بين الذكور والاناث، فان كان الأول في القائمة رجلا كان الثاني امرأة، وهكذا نستغني عن الحاجة لكوتا نسائية ونضمن العدالة الجندرية.
ولإدماج الشباب في الحياة الحزبية نلزم القوائم بان يكون 30 % من اعضائها شبابا وشابات لا تزيد أعمارهم عن 35 عاما، وبهذا نضمن حضورا فاعلا للشباب تحت قبة البرلمان.
الأهم أن يدرك الجميع أن المقعد للحزب وليس للشخص، فإن ترك عضو البرلمان حزبه فقد عضويته ويؤول المقعد لمن يليه في قائمة الحزب لنضمن استقرارا في بنية الأحزاب وحتى لا تصبح مطية للمكاسب.
تبقى قضية الأقليات المجتمعية ان -جازت التسمية- وهذه يمكن معالجتها بتحديد التزامات تمثيلية على القوائم الحزبية بضمهم، وباعتقادي ان هذه المرحلة يجب ان تكون انتقالية ثم تلغى كل الكوتات.
هذا النظام الانتخابي لم نجربه وتعرفه الحكومة جيدا، وهناك خبراء أفضل مني بكثير لديهم المام بالتفاصيل وبأفضل التجارب العربية والدولية، فلماذا لا نذهب اليه لنعيد بناء الأحزاب البرامجية، ونزج بالشباب في اتون العمل السياسي كما يدعو الملك بدلا من تفصيل القوائم وانتاجها في الانتخابات على مقاس الحكومات.
على الدولة أن تتوقف عن نشر المخاوف من الإسلاميين وغيرهم، ففي العام 1989 وبذروة قوة الاخوان المسلمين وامتلاكهم ما يقارب 25 % من مقاعد البرلمان، واليسار والقوميين كان لديهم أكثر من 15 % ظلت الأمور مستقرة، ولم تخرج عن ثوابت النظام والعرش، وكانت الحياة السياسية أكثر حيوية.
ما لم يقتنعوا أن التغيير ضرورة لتجديد أدوات الدولة في الحكم وتجاوز الصعاب، فان كل كلامنا عن الإصلاح السياسي سيذهب ادراج الرياح، ولا يكفي أن تكون الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة بايدن مهتمة بالديمقراطية والإصلاح، وإنما الأهم أن تكون هناك قوة مجتمعية وازنة مستعدة للدفاع عن الحقوق والحريات والقيم الديمقراطية، وبالتوازي إرادة سياسية ناجزة تدرك ان هذا هو خيارنا الوحيد لننجو ونبني الدولة الأردنية المعاصرة.