زاد الاردن الاخباري -
منذ أسبوعين مضيا والسوريون منشغلون بالحديث عن أبناء مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري في عهد حافظ الأسد، بعد تحركين ارتبطا باسمهما، فبينما أعلن الابن الأول فراس طلاس عن نيته تأسيس حزب جديد انتشرت معلومات متزامنة لم يحدد مصدرها عن "مجلس عسكري" يتم التجهيز له من قبل الابن الثاني العميد مناف طلاس، والذي يقيم في الوقت الحالي بالعاصمة الفرنسية باريس.
ونشر فراس طلاس وهو رجل أعمال كان قد غادر سوريا مع بداية أحداث الثورة السورية عبر حسابه الشخصي في "فيسبوك" تفاصيل الحزب الجديد الذي يعتزم إطلاقه، وقال إن الانطلاقة ستكون من الشمال السوري، على أن يتواجد في عدة مناطق أخرى بسوريا، وسيكون لديه مكاتب تمثيل في الخارج.
وأضاف فراس: "الحزب سوري، ومقره في الداخل، وسيتم تمويله من الأعضاء فقط، سواءً عبر الاشتراكات، أو التبرعات، ولن نقبل بأي تمويل خارجي".
ولم يحدد ابن وزير الدفاع السابق الأهداف التي يقوم عليها حزبه الجديد، لكنه أوضح أن باب الانتساب سيتم فتحه خلال شهرين من الآن، سواء في الداخل السوري أو في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، على أن تكون لها ترتيبات خاصة.
ما سبق من تحركٍ طرحه فراس تزامنت معه معلومات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، مفادها أن أخيه مناف وهو من أرفع الرتب العسكرية التي انشقت عن نظام الأسد يسير بخطوات وترتيبات لتشكيل "مجلس عسكري" من شأنه أن يقود البلاد إلى مرحلة انتقالية، لم تحدد تفاصيلها.
معلومات "المجلس العسكري" كانت قد تداولتها عدة تقارير إعلامية في الأيام الثلاثة الماضية، لكنها لم تستند لأي مصدرٍ صريح وواضح، سواء من جانب مناف الذي يغيب عن الأضواء الإعلامية منذ سنوات، أو من طرف أحد المقربين له من الضباط المنشقين.
تحركات "غامضة"
في السنوات الماضية التي مرّت من عمر الحرب في سوريا اكتنف شيء من الغموض شخصية هذين الرجلين (مناف، فراس)، واللذان ينحدران من مدينة الرستن في ريف مدينة حمص السورية. المدينة التي تعتبر خزان الرتب العسكرية في سوريا، ويمثل المنشقون فيها نسبة الربع من كامل أعداد المنشقين عن "الجيش السوري"، منذ عام 2011.
وبينما خرجت عدة تصريحات ومقابلات صحفية لفراس طلاس غاب أخيه مناف عن دائرة الضوء الإعلامية، ليقتصر ظهوره على مقابلتين مطولتين فقط، الأولى مع مؤسسة دبي للإعلام، أواخر عام 2012، والثانية على شاشة هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في عام 2013.
وحسب ما رصد موقع "الحرة" عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقد شهدت أوساط السوريين في الأسبوعين الماضيين جدلا واسعا وفي ذات الوقت ريبة وتشكيك في رواية "المجلس العسكري"، والذي سبق وأن دار الحديث عنه، وخاصة في عام 2013، لكنه لم يتحقق بفعل التغيرات العسكرية على الأرض من جهة، وأخرى طرأت على المشهد السياسي من جهة أخرى.
وحاول موقع "الحرة" التواصل مع العميد مناف طلاس للتأكد من صحة تشكيل "المجلس العسكري" لكنه لم يتمكن من ذلك، بينما قال أحد الضباط المقربين منه إنه يمتنع عن الظهور الإعلامي منذ سنوات، ويصر على هذا الأمر.
ويقول الضابط المقرب من طلاس إن المعلومات التي يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي "لسنا مسؤولين عنها أو عن نشرها"، لكنه وبنفس الوقت لم ينف ترتيبات "المجلس العسكري"، معتبرا أن "المجلس أصبح خيارا مقبولا ومتوازنا في الوقت الراهن. لدينا فرصة جيدة ومتاحة لتحقيقه الآن".
ويشير الضابط في سياق حديثه: "الأمر لم يتبلور بالشكل الكافي ليتم الإعلان عنه. لحظة الإعلان يجب أن يكون معها كل شيء محسوم"، ويتابع: "التجارب السابقة كانت مكلفة وعبثية، وبالنسبة لنا الصورة واضحة والبوصلة سليمة، ولا يمكن أن نكون في جزء فاشل أو خيالي".
"ترويج من الدوائر المقربة"
عند الحديث عن تشكيل "مجلس عسكري" في سوريا في الوقت الحالي فهو أمر من الصعب تحقيقه، وفق البعض من المراقبين، وترتبط هذه الفكرة بما تشهده الأرض السورية بعد عشر سنوات من الحرب، حيث تنقسم إلى ثلاثة أطراف نفوذ، تديرها قوى محلية متضاربة، ومن خلفها دول تتداخل مصالحها حينا وتتضارب حينا أخرى.
وفكرة "المجلس العسكري" ليست جديدة ضمن أوساط المعارضين السوريين، سواء العسكريين أو السياسيين، فقد تم طرحها عدة مرات في بدايات الانتقال من الحالة السلمية للثورة إلى الحالة المسلحة، ليعود الحديث عنها في الوقت الحالي، مع انسداد أي أفق للحل السياسي، بعد فشل الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية.
ويرى أحد الضباط المنشقين عن النظام السوري أن الحديث الذي يدور عن تشكيل "المجلس العسكري" بقيادة مناف طلاس ليس سوى "عمليات ترويج واستهلاك إعلامي"، ويقول في تصريحات لموقع "الحرة": "موضوع المجلس قديم، لكن الضباط المنشقين المقربين من طلاس يصدرونه إلى الواجهة بين الفترة والأخرى لغايات غير واضحة، لكن يبدو أنها ترتبط في محاولة منهم للحظي بدور ما".
ويضيف الضابط برتبة عميد (فضّل عدم ذكر اسمه): "يعتبر الضباط المقربون من مناف طلاس أن أيدهم لم تتلطخ بالدماء السورية، لذلك من المحتمل أن تنجح محاولاتهم في تشكيل مجلس عسكري قد يحظى بدعم من الدول الفاعلة بالملف السوري".
ويشير الضابط إلى أن تشكيل أي "مجلس عسكري" في سوريا حاليا لن يتم إلا بموافقة من جانب الولايات المتحدة الأميركية، وليس فقط روسيا التي يشاع أنها تدرس هذه الفكرة، بعد تسلمها التفاصيل، مؤخرا.
وعلى الرغم من غياب مناف طلاس عن الواجهة الإعلامية، إلا أن الكثير من الضباط المقربين له يتداولون اسمه منذ سنوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويرونه "خيارا وحيدا لخلاص سوريا"، حتى أن هناك مجموعات خاصة سميت باسمه، وتضم آلاف المتابعين عبر موقع التواصل "فيسبوك".
وينحدر غالبية الضباط المقربين من طلاس من مدينة الرستن بريف حمص، ووفق إحصائية غير رسمية يبلغ عدد الضباط المنشقين من هذه المدينة قرابة 1000 ضابط منشق، من أصل 4000 ضابط منشق من عموم المناطق في سوريا.
من دمشق إلى باريس
يعود انشقاق مناف طلاس عن النظام السوري إلى الرابع من يوليو 2012 وحينها اعتبرت هذه الحادثة أكبر عملية انشقاق لضابط رفيع المستوى، وأحد المقربين من بشار الأسد وأخيه ماهر الأسد، لكن لم تستثمر كغيرها من الانشقاقات، وهو أمرٌ لا يزال ضمن إطار الغموض حتى اليوم.
وكان مناف طلاس قائد اللواء 105 في الحرس الجمهوري، وحسب مصادر متقاطعة فإن العاصمة الفرنسية باريس التي يستقر بها الآن كانت المحطة الأولى له بعد خروجه من الأراضي السورية.
ما سبق كان قد أعلنه في يوليو 2012 وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، بالقول: "العميد المنشق طلاس في طريقه إلى باريس"، مع زوجته وشقيقته ناهد عجه أرملة الملياردير وتاجر السلاح السعودي أكرم عجه.
ويرى بعض المراقبين أنّ مكانة طلاس في النظام القديم وعلاقة أسرته بأسرة الأسد يجعلانه أكثر قبولا لحليفَي النظام الدوليَّين الرئيسَين وهما إيران وروسيا، لكنّ آخرين يرون في هذين الاعتبارين عوامل من شأنها أن تجعل طلاس غير مقبول في صفوف جماعات المعارضة إلى حد كبير.
وفي منتصف عام 2013، سرت شائعات مفادها أنّ طلاس كان مرشّحا لقيادة "الجيش الوطني" الجديد، لكن ذلك لم يتم أو يتحقق على خلاف ما أشيع، ليبقى طلاس ومنذ تلك الفترة بعيدا عن أية أعمال عسكرية.
وسبق وأن التقى عقب انشقاقه بمسؤولين أميركيين وآخرين أتراك في العاصمة التركية أنقرة، وهناك صور نشرتها وسائل إعلام تركية لتلك اللقاءات، أبرزها في أثناء تناوله وجبة الإفطار مع أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا الأسبق وحقان فيدان رئيس الاستخبارات.