بعد أن تحدث الملك عن الإصلاح السياسي، وضرورة تعديل التشريعات وعلى رأسها قانون الانتخاب ساد شعور بأن قانون الانتخاب أصبح بلا أب، وصار هدفاً سهلاً للقصف والنقد، وربما مهد ذلك إلى زيادة منسوب التشكيك بشرعية الانتخابات التي جرت مؤخراً، وتعالت أصوات تطالب بإجراء انتخابات مبكرة بعد تعديل القانون.
الاشتباك الذي حدث بين الهيئة المستقلة للانتخاب والمركز الوطني لحقوق الانسان يأتي في ظلال هذا المشهد، فالهيئة المستقلة للانتخاب تعتقد أن هذه الاجواء زادت من استهدافها، وأن سياق الانتقاد لنتائج الانتخابات ليس معزولاً عن سياق سياسي.
في تقريري مركز الحياة / راصد والمركز الوطني لحقوق الانسان نقطة متفق عليها وتشكل لب الملاحظات وتركز على تنامي ظاهرة شراء الأصوات، وهو ما أضر العملية الانتخابية، وشكل نقطة سوداء لا يمكن تجاوزها، أو القفز عنها.
لو كنت مسؤولاً في الهيئة المستقلة لما كتبت رداً على تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان يتسم باللغة الحادة والتشكيك والغضب، فهذه ليست ممارسة مهنية حصيفة، وإن كانت لهم تحفظات وملاحظات على تقرير المركز يمكن وضعها بمنتهى الوضوح والهدوء، وقد بدا واضحا في السجال والحوار بعد ذلك أن خلافات لا يحكمها التقرير وجدت تجلياتها علناً في وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي.
الهيئة المستقلة للانتخاب مكتسب دستوري جاء تلبية لرغبة شعبية بعد الربيع العربي العام 2011، والواقع يشير حتى وإن كانت هناك نقاط ضعف واخفاقات في أدائها فإنها – اي الهيئة- ساهمت بتجويد العملية الانتخابية وشفافيتها بعد أن كانت خاضعة بالمطلق لسيطرة وإدارة الحكومة والأجهزة الأمنية.
وبالمقابل فإن المركز الوطني لحقوق الانسان هيئة حقوقية رقابية مستقلة لها مكانتها الوطنية والدولية، وأثبت المركز في كثير من الأحداث قدرته على التحرك بين حقول الألغام، ورسّخ استقلالية نسبية معقولة رغم الضغوط والتدخلات.
ليس هناك من منزهٍ عن الخطأ، ولكننا لسنا بحاجة لإضعاف مؤسسات تشكل رافعة ديمقراطية، فلا أحد مستفيد من التراشق والمكاسرة، فمن حق المركز الوطني لحقوق الانسان أن يبسط رقابته، ومن حق الهيئة المستقلة أن تدافع عن عملها وإجراءاتها، وهذا تكريس لآليات عمل ديمقراطية.
كل من يتابع العملية الانتخابية يعلم يقينا أن الهيئة المستقلة لا تستطيع أن تبسط رقابتها الكاملة وتتحمل المسؤولية عن كل ما يحدث، فمثلا شراء الاصوات علنا وسراً، على الحكومة والأجهزة الأمنية والسلطة القضائية مسؤولية الملاحقة، ومساءلة من يقوم بذلك بلا هوادة، ولا يجوز أن نلقي المسؤولية على الهيئة المستقلة إن كانت تقوم بواجبها بالمتابعة والتحقيق والإحالة للجهات القضائية.
الحديث عن الضغوط والتدخلات في تشكيل القوائم، وإجبار مترشحين على الانسحاب، وحتى صناعة قوائم من العدم ليس أيضا مسؤولية الهيئة المستقلة للانتخاب، وعلى التقارير الرقابية أن تشير بأصابع الاتهام مباشرة حتى لا تضيع الحقيقة.
الهيئة المستقلة للانتخاب ليست مؤسسة مقدسة عصية على النقد، ولكنني على قناعة أن التلاعب وتزوير الانتخابات لم يعد يتطلب عبثاً فاضحاً في صناديق الاقتراع، ومن يملك دليلاً على ذلك فليبلغنا بعد أن رد القضاء الطعون.
لدينا انتخابات بلدية، ومجالس محلية قادمة على الطريق، وعلى الجميع أن يستعد لعلنا نتجاوز عثرات الانتخابات النيابية، وإذا ما أقر قانون جديد للانتخاب هذا العام، ارفعوا اصواتكم مطالبين بانتخابات مبكرة العام القادم، فقد يتحقق حلمنا ببرلمان يمثل إرادة الشعب، ويسهم في تحقيق تنمية سياسية فعلية.