الدكتور : رشيد عبّاس - يبدوا أن الادارة الامريكية لديها رغبة جامحة في تطبيق نظرية الثعبان على الجماعات الأيدولوجية المنتشرة في العالم العربي, وهذه النظرية تفترض أن سم الثعبان السام كما هو معروف يقع في رأسه فقط, ويبقى باقي جسده غير سام على الإطلاق, ومما يؤكد هذه النظرية أن كثير من شعوب الأرض قطعت رأس الثعبان السام وتخلصت منه وتعاملت مع باقي جسده بطريقة أو بأخرى بكل أمن وأمانان, والسؤال هنا هل تستطيع أمريكا فصل رؤوس الجماعات الأيدولوجية عن أجسادها في العالم العربي؟
قبل أن ندخل بظروف التفكير الأمريكي الجدي بهذه النظرية في هذه المرحلة, علينا أن نعترف بحقيقة مفادها أن الجماعات الأيدولوجية في عالمنا العربي في غالبها هي أذرع تنفيذية قامت بتشكيلها قوى كبرى وعظمى تدعمها وتحركها وتوجهها متى وكيف ما تشاء على طريقة إلقاء عصى الطاعة, وللجماعات الأيدولوجية قيادات (رؤوس) تديرها, وأجساد (تنظيمات) تنفذ كل ما يطلب منها دون سؤال أو جواب.
الإدارة الأمريكية والمتمثلة برئيسها الجديد جو بايدن طرحت هذه الأيام مسألة في غاية الخطورة تتعلق بإعادة تصنيف الإرهاب والتعامل معه من جديد, حيث اعتبرت هذه الإدارة مؤخراً أن القيادة الحوثية إرهابية والتنظيم التابع لها غير إرهابي! والمدقق في هذا الازدواجية يجد أن الإدارة الأمريكية تنوي شق صفوف الجماعات الأيدولوجية في عالمنا العربي من خلال تقسيم نفس الجماعة الأيدولوجية أية جماعة كانت إلى نصفين: رأس الجماعة على اعتبار انه إرهابي, وجسد الجماعة على اعتبار انه غير إرهابي, وهنا يمكن لنا طرح السؤال الاتي: ما الاعتبارات التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية في هذا السياسة الجديدة؟
سياسة أمريكا والتي اقتنعت أن الرؤوس هي التي تفكر, والأجساد هي التي تعمل.. هذه السياسة تتقاطع مع سياسات بعض الدول الكبرى والعظمى وبالذات بريطانيا وروسيا والتي زرعتا بذور بعض الجماعات الأيدولوجية في رحم الوطن العربي منذُ عدة عقود ماضية, كما زرعت أمريكا هي الأخرى بذور (محسنة) لبعض الجماعات الأيدولوجية في رحم الوطن العربي, هي سياسة مزدوجة ترمي إلى التخلص تماماً من الجماعات الأيدولوجية التي لا تحمل جيناتها الفكرية, وأقصد هنا جينات أمريكا, والبقاء على الجماعات الأيدولوجية التي تحمل جيناتها الفكرية.
وحتى تنجح أمريكا في نظرية الثعبان وهناك هامش كبير في ذلك, لا بد لها من أجماع وتوافق دولي على تعريف قانوني للإرهاب, وتحديد من جديد من هي الجماعات المنخرطة في الأنشطة الإرهابية, ومن هي الجماعات التي تشكل أنشطتها تهديداً للأمن والامان العالميين, فكثير من الجماعات الأيدولوجية في هذا العالم ما زات (مختبئة) في جحورها وتطل برؤوسها بين الفينة والأخرى ولها أذرع إرهابيه نشطة على امتداد عالمنا العربي.
نعم, عالمنا العربي للأسف الشديد بيئة خصبة ملاءمة وحاضنة جيدة لبناء جماعات أيدولوجية ذات أبعاد سياسية مختلفة لرعاية أهداف بعض الدول الكبرى كبريطانيا, وأمريكا, وروسيا.. في المنطقة, والمفارقة الغريبة أن مثل هذه الدول تبني جماعات أيدولوجية في مكان ما, وبنفس الوقت تقوم على هدم جماعات أيدولوجية أخرى في مكان آخر, ويبدوا أن معادلة البناء والهدم هذه تعتمد على مدى تنفيذ وتحقق الجماعات الأيدولوجية للأهداف المرسومة لها بكل دقة وأمانة.
طريقة أمريكا في الهدم هذه المرة ستقوم على نظرية الثعبان: فصل الرأس عن الجسد, على اعتبار أن قيادة (رأس) الجماعة اية جماعة إرهابية, وجسده (التنظيم) التابع لها غير إرهابي, وربما وفي هذا المجال يخالفهم في ذلك كل من بريطانيا, وروسيا ومن لفّ لفّهم, فاعتبار القيادة الحوثية إرهابية والتنظيم التابع لها غير إرهابي, ستوافق على ذلك جهات معينة وسترفضه جهات أخرى عديدة, وسيترتب على ذلك شيء من الانقسامات الاقليمية.
وبعد,
هل تستطيع أمريكا سحب (نظرية الثعبان) على جميع الجماعات الأيدولوجية في عالمنا العربي؟
الجواب يعتمد على لباقة وحنكة الثعابين.
ولا اعتقد ذلك..