عدنا للمربع الأول في الأردن، وعادت الحكومة لفرض الحظر الشامل يوم الجمعة، وتمديد ساعات منع التجول ليلا بعد أن توقفت عن هذا مع بداية العام الحالي.
ستقول الحكومة -وهي محقة- إن حياة الناس وحماية الصحة العامة تتقدمان على ما عداهما إثر تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا، وعودة معدلات الوفيات للارتفاع في الأسابيع الماضية، ولا جدال في صحة الأرقام، وعودة التفشي المجتمعي للوباء بسبب السلالة المتحورة.
جرّب الأردن سياسة الحظر الشامل والإغلاقات الجزئية والكلية لأشهر في العام الماضي، وحين فتحنا قطاعات العمل، وعدنا تدريجيا للحياة الطبيعية، عادت الإصابات للتزايد، ونحن كما كل دول العالم نعاني ولكن لا نستطيع الإغلاق إلى الأبد، أو الانتظار حتى نهاية الجائحة، أو حتى بلوغ مرحلة مناعة القطيع.
إذن على الحكومة البحث عن حلول أخرى غير استسهال الحظر والإغلاق، وإن كانت مضطرة ولا تملك غير ذلك، فعليها أن تعوض المتضررين بشكل مباشر، وهذا ما لا تفعله، وتعلن أنها لا تستطيع القيام به، والاتكاء على مبادرات الضمان الاجتماعي لا تكفي.
وحتى حظر يوم الجمعة أو تقليص ساعات التجول ليلا لا يوجد ما يثبت جدواه وصحته، والمسؤولون نفسهم في الصحة يخرجون علينا في التلفزيونات الرسمية ليختلفوا حول وجاهته وصوابيته، وبعضهم يقسم أغلظ الأيمان أن هناك دراسات تثبت نجاعته، وآخرون يجاهرون علنا وهم في مطبخ القرار أنهم لم يسمعوا بدراسات تؤكد ذلك.
بالتأكيد، استمعت الحكومة لوجهة نظر غرفة تجارة الأردن التي أعلنت بفصيح الكلام رفضها بشكل قاطع الحظر الشامل يوم الجمعة، والصعوبات التي تواجهها القطاعات التجارية والخدمية، وقبل ذلك تقول إن الحكومة لم تشاورها بهذه القرارات، مطالبة إياها بالبحث عن بدائل أخرى.
وحتما، قرأت الحكومة ما قاله رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، عندما اشتكى مر الشكوى في منشور كتبه على فيسبوك، واصفا بعد قرار حظر الجمعة «إن الزجاج الذي ينكسر صعب إصلاحه، والتاجر الذي ينكسر صعب إنقاذه، والثقة التي تموت صعب إحياؤها»، ملمحا أن هناك فئة قليلة تستغل أوامر الدفاع للاستقواء واستباحة المؤسسات التجارية، وأن الجولات التفتيشية تحولت من الحماية للجباية.
في التفاصيل كثير مما لا يُقال، وعلى الحكومة أن تدرك أن الفقر حين يستشري بين الناس فإنهم لن يخافوا من الإصابة بفيروس كورونا، فرغيف الخبز لأطفالهم يساوي الحياة، وحين لا يتوفر «بتبطل تفرق معهم».
مؤشر الباروميتير العربي الذي نشرت نتائجه مؤخرا مقلق جدا، فهو يشير إلى أن 42 % فقدوا وظائفهم بشكل مؤقت أو دائم، وأن 74 % لا تغطي دخولهم نفقاتهم الشهرية بعد مرور عام على الجائحة.
آخر الأرقام لوزارة الصحة عن الوضع الوبائي تكشف أن نسبة إشغال المستشفيات 24 %، وأسرة العناية الحثيثة مشغولة بنسبة 28 %، والفحوصات الإيجابية 12 %، وهذه المعدلات ليست مريحة، وأعتقد أنها ليست خطيرة بعد أن شيدنا 4 مستشفيات ميدانية قلصت مخاطر تداعي القطاع الصحي في البلاد.
«آخر العلاج الكي» كما يُقال بالأمثال الشعبية، وقبل اللجوء إلى الحظر الشامل والإغلاقات من المهم أن تتذكر الحكومة أن تزايد الإصابات لا يتحمل الناس وزره وحدهم؛ فالمستشفيات مكتظة وتعد بؤرا لنقل العدوى، والصور شواهد على ذلك، وإذا راجعت وزارة أو مؤسسة حكومية لإنجاز معاملة مضطرا، فأنت أمام خطر مُحدق للإصابة بسبب الفوضى والازدحام، والتلاصق الجسدي وليس التباعد.
وقبل ذلك، الحكومة مطالبة بالاعتراف بإخفاقها في برنامج التطعيم الوطني، فاللقاحات لم تصل وفق جدول التعاقدات الذي أبرمته، وهي تتحمل المسؤولية بغض النظر عن الأسباب، وخطة الأولويات التي أعلنتها لإعطاء المطاعيم خُرقت بشكل فاضح بالواسطات، وحتى الآن الحكومة لم تعلن بشكل شفاف عن عدد اللقاحات التي وصلت للأردن.
لا نريد الدخول في بازار المزاودات، فالحكومة تعرف الخسارة التي يتكبدها الاقتصاد بسبب كل يوم وساعة إغلاق وحظر، وعليها أن تجيبنا اليوم، ماذا في جعبتها غير قرارات الحظر؟
قرار الحظر ليوم الجمعة سيستمر على الأقل لمدة شهر، وسنكون بعدها على أبواب شهر رمضان، ويتبعه العيد، فهل ستختار الطريق الأسهل في الاستمرار بالحظر إلى أبواب الصيف؟
يا حكومة الناس «طفرت»، ومر عام على كورونا ولا نلمح بارقة أمل تنقذنا، فماذا أنتم فاعلون، أجيبونا؟