الحكومات في الأردن هي اجتماع لمجموعة من الشخصيات حول رئيس الوزراء، اختيارهم يخضع لاعتبارات الكفاءة من وجهة نظر الرئيس والتمثيل الجغرافي والفئوي، ولهذا يصعب النظر للتعديل الوزاري على أي حكومة بوصفه حدثا سياسيا ذا دلالة.
وما يقال دوما عن تشكيل الحكومات وتعديلها صحيح، فلا أحد يعرف من عامة الناس وحتى المعنيين مباشرة، لماذا خرج فلان من الحكومة ولماذا انضم علان. المسألة برمتها عائدة لتقدير وتقييم رئيس الوزراء الشخصي لفريقه. وبهذا المعنى فالعملية بمجملها شأن داخلي، حكومي، بل شأن شخصي للرئيس، لاعلاقة له بالعمل السياسي بمفهومه العام والمتعارف عليه في الدول الديمقراطية.
وفي غياب الأطر الحزبية عن الحياة السياسية، وانعدام التجارب البرلمانية الوازنة، لا يجد أي رئيس وزراء مكلف بديلا عن مبدأ التجربة والخطأ لقياس القدرات، ومدى نجاعة التشكيل في تحقيق الأهداف المطلوبة. حتى تلك الأهداف والبرامج عادة ما تغيب لصالح الأداء الفردي وحسابات التمثيل. ما من وزير باستثناء قلة قليلة يعرف مسبقا ما المطلوب منه، باستثناء ما يتردد من خطابات عابرة لكل الحكومات، عن أهداف عامة تصلح لكل زمان.
بعد التشكيل بفترة وجيزة، يكتشف رؤساء الحكومات، أن هناك ثغرات في الفريق، أحيانا تكون بحجم الحكومة، وأحيانا أخرى بهوية بعض الوزراء وطريقتهم في الإدارة، ومدى استجابتهم لأسلوبه في العمل، فكل حكومة تعمل على إيقاع الرئيس وأسلوبه في القيادة. ومع مرور الوقت تظهر مشكلات في التناغم والانسجام بين الفريق الوزاري، ولعل هذا الوصف “الفريق” للحكومات في بلدننا بعيد كثيرا عن الواقع.
فلسفة الفريق تفترض علاقة وطيدة بين مجموعة من الأشخاص يعملون معا لفترة طويلة، وفي عالم الرياضة حيث مصدر التعبير، يقضي أعضاء الفريق أشهرا وسنوات في التدريب معا واكتساب مهارت العمل بروح الجماعة. في الحكومات الوضع مختلف، يلتقي الوزراء لأول مرة عن أداء القسم، وتبدأ رحلة التعارف التي تستغرق أسابيع، وفي العادة تظهر التباينات قبل أن تتشكل القواسم المشتركة، فيتحول الفريق الوزاري إلى فرق وجماعات، وهكذا تمضي الأيام بحثا عن روح الفريق دون أي نتيجة. فيصبح التعديل أمرا لا مفر منه، لكن في غياب السياسة، يغدو التعديل مجرد عملية تبديل لأشخاص، تأخذ في الاعتبار الاشتراطات نفسها، فتعود الحكومة من جديد إلى نقطة البداية ومحاولة استيعاب الوزراء الجدد، للحاق بركب العمل.
تأخذ هذه العملية وقتا إضافيا قبل أن يتمكن القادمون الجدد من استيعاب الدرس وترتيب أوراقهم. عندها يكون موعد التعديل الثاني قد حان، مدفوعا هذه المرة بأزمات طارئة، أو اعتبارات على صلة باختلال التمثيل في المواقع القيادية للدولة، وربما خلافات بين الوزراء تطفو على سطح الإعلام، كما حصل كثيرا مع حكومات سابقة.
وهكذا تمضي الأشهر والسنوات من تعديل إلى تعديل، إلى أن يحين موعد الرحيل، ونعود من جديد لدوامة التكليف والتشكيل.
هذه بالمختصر قصة الحكومات في الأردن منذ الولادة.