كتب الدكتور سمير محمد ايوب - حفيدان لي، أحدهما مُشاغبٌ بإمتياز، والثاني دَهقونٌ بإمتيازٍ هوالآخر، كانا يجلسان قُبالَتي عصرَ الأمس، الأوّل عابِسَ الوجه مزمومَ الشفتين، والثاني عابِسَ الوجهِ عاقِدَ الحاجبين.
كُنّا ثلاثتنا نُنناقِشُ معا بأريحيةٍ مُحْتارَةٍ، شيئا من القضايا الاجتماعية، وما يُرافِقها مِنْ عُنفٍ مُجتَمعيَّ مُتنقلٍ ومُتحوِّلٍ، وتدويرٍ للنفايات الاجتماعية، حين قاطعني الدهقونُ منهم، في تعقيبٍ عاصفٍ مُشبعٍ بالعتاب: أفهمُ منْ كلِّ ما قُلنا: أنَّ الوظائف المدنية العامة، هي تكليفٌ للقائمين بها، لخدمة الناس بإخلاص مُتقن. فأستنتج على أنها حقٌ لكل مُواطنٍ مُؤهلٍ لها. أتلفتُ حوليَ، فأجدُ بعضَهم مُغتَصِباً لِمَنصبه. ومِنْ خلال ما أعرفه عنكَ، أودُّ أنْ أسألك: لِمَ أنتَ لستَ رئيساً للوزراء يا جدّي؟!!!
قلتُ: سؤالك يا ولدي، يوحي بأنك لا تُدرِك حتى الان، معنى أن يكون والدك نجاراً بسيطا، وأمك أَّميةٌ، وجدك لأبيك حرّاثا ، وجدك لأمك راعيا، لتَجِدَ الجواب.
إنتفضَ المُشاغبُ وقال: ولكنَّك مُواطنٌ صالحٌ مؤهل وقادرٌ عليها. ولستَ فاسداً أو مُفسِداً. ولستَ ماسونياً أو صهيونياً أو مُتَصهينا متخفيا في أخد نوادي الاسود والنمور والفهود والضباع والذئاب، وما شابهها. ولستَ صاحبَ أجنداتٍ خارجية مُعاديةٍ لشيء في بلدك. يليق بك الموقع يا جدي.
قلتُ بشيء من المرارة : البراري السياسية المُتجاهَلَةُ ، هي مستودع القلوب الذهبية، والعقول الوطنية المستنيرة، والإيمان اللامذهبي يا شباب.
إقترَبا مني، المُشاغب والدهقون معا، وأمسَكا بيديَّ ، وأدْنَيا وجهيهما من وجهي، وقاطعاني وفي عيونهما رجاءٌ مُتسائِلٌ: أتقبلُ تكليفَنا لكَ بتشكيلِ الوزارة ؟ طبعا بعد إستئذان صاحبِ الولايةِ المُحترَم.
إبتسمتُ موجوعاً وقلت لهما: من خلال ما أعرف عن نفسيَ ، فأنا بالفعل أستحق أن أكون رئيساً للوزراء. مِشْ مِنَ الضروري هنا، بل في أيِّ مَوطِنٍ عربي آخر. فكلُّ بلادِ العُرْبِ أوطاني. ولكنَّ يا شباب، فإن الأماني والرَّغباتُ والقدرات الفرديَّةُ في جُلِّ بلاد العرب، لا ترفعُ الكثيرين إلى الصفوف الأمامية في المسؤولية العامة. إنها الروافع أوالأسانسيرات ما تفعل ذلك، وفي بعض الأحايين طائرة أو دبابه. ولكنّ ، ثِقوا بأنَّ كلَّ هؤلاء وهؤلاء وهناك، يرحلون في النهاية، إلى جحيم المتاحف على شيءٍ يُشبه جناح ذبابة.
آهٍ يا أحفادي لو تعلَمون، ما أعدَّه الله للظالم، وما أعدَّه للمظلوم، لأعْفيَتُم جَدَّكُم من هذا التكليفِ النقيِّ التَّقيِّ الطَّاهرِ الورِع. سامِحوني يا شباب، إنَ خِدمَةَ الناس أمانةٌ ثقيلة وقويَةٌ ، يأبى عقليَ حملَها.
إشفاقاً على نفسيَ لا انتقاصا من قدراتها، أو تهرّبا، أردُّها لكم بإحترامٍ ، مُشبَعٍ بالشكر والامتنان.
عاش الوطن .