زاد الاردن الاخباري -
انتقدت هيومن رايتس ووتش حبس المدين في الأردن، مشيرة الى انه يعتبر انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان بوضوح، ولا تفرضه سوى قلة من الدول.
فيما يلي النص الكامل للتقرير كما ورد من المنظمة :
قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم إن عددا كبيرا من الأردنيين يُسجَنون سنويا لمجرد عدم سداد قروضهم. الحبس بسبب الديون ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان بوضوح، ولا تفرضه سوى قلة من الدول.
في التقرير الصادر في 47 صفحة، "́خسرنا كل شي́: حبس المدين في الأردن"، توثق هيومن رايتس ووتش المعاملة القاسية لغير القادرين على سداد ديونهم. في غياب شبكة ضمان اجتماعي مناسبة، يجد عشرات آلاف الأردنيين أنفسهم مجبرين على الاقتراض لتغطية تكاليف الخدمات، والبقالة، والرسوم المدرسية، والفواتير الطبية. غالبا ما يلجؤون إلى مقرضين غير رسميين وغير منظمين. ينبغي للسلطات الأردنية أن تستبدل فورا القوانين التي تسمح بالسجن بسبب الديون بتشريعات فعالة بشأن الإفلاس الشخصي، وتسن تدابير حماية في الضمان الاجتماعي لدعم المعوزين.
قالت سارة الكيالي، باحثة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "بموجب القانون الأردني، إذا حصلتِ على قرض ولم تسدديه، ستُسجَنين. كثيرا ما يقترض الأفراد لدفع الإيجار، وثمن البقالة، والفواتير الطبية. لكن بدلا من أن تساعد السلطات المحتاجين، تسجنهم".
عدم سداد الديون، ولو كانت ضئيلة، يعاقب عليه بالحبس لمدة تصل إلى 90 يوما لكل دين، وما يصل إلى عام واحد للشيك المرتجع. أكثر من ربع مليون أردني يواجهون حاليا شكاوى لعدم سداد ديونهم. وفقا للإحصاءات الحكومية، في مواجهة تدهور الاقتصاد في البلاد، زاد عدد الأفراد المطلوبين بسبب عدم تسديد ديونهم عشرة أضعاف في أربع سنين فقط، من 4,352 في 2015 إلى 43,624 في 2019. وتم حبس 2,630 شخص تقريبا، أي حوالي 16% من نزلاء السجون في الأردن، بسبب عدم سداد القروض أو شيكات مرتجعة في 2019. تنفيذ أحكام الحبس هذه لا يسدد الديون.
يستند التقرير إلى القوانين والسياسات الأردنية، ومقابلات مع 21 امرأة ورجلا أردنيين، وثلاثة محامين أردنيين، وثلاثة خبراء في المديونية والتمويل الأصغر، وعضو في منظمة إنسانية تدعم الأردنيين المدينين، وخبيرين ماليين عالميين.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن غياب اللوائح والرقابة سمح بانتشار أدوات الدين غير الرسمية والتي يسهل إساءة استخدامها. غالبا ما يأمر القضاة بحبس المقترض بناء فقط على وجود السند )المعروف بـ "الكمبيالة"(، دون حتى رؤية المقترض أو منحه عمليا فرصة للطعن في الدين أو تقديم بيّنة دفاع، رغم أن القانون يتطلب ذلك.
تتفاقم المشكلة، خاصة بالنسبة للنساء، بسبب الفوائد المرتفعة للغاية التي تفرضها بعض مؤسسات التمويل الأصغر. حتى منتصف 2020، كان لدى قرابة 25 مؤسسة تقريبا للتمويل الأصغر 466,394 مقترضا نشطا، 68% منهم من النساء. رغم أن بعض المؤسسات الأكبر حجما التي تقدم التمويل الأصغر قد تعهدت بحماية المستفيدين، فإن معظمها لا يفعل شيئا يُذكر للتأكد من وضع المقترضين ومشاريعهم قبل منحهم القروض.
غالبية النساء اللواتي تمت مقابلتهن أشرن إلى أنهن أخذن القرض لسداد احتياجاتهن. في بعض الحالات، ضغط عليهن أفراد الأسرة لتقديم طلب لاستخدام الأموال لتغطية نفقاتهم. غالبا ما تُوقّع النساء كضامن لقروض أولادهن أو أزواجهن، ما يجعلهن عرضة للسجن لعدم السداد.
قالت امرأة تمت مقابلتها: "أنا مهندسة. تخيلي ماذا سيحدث لوالديّ، كيف سينظر الناس إليّ؟ أنا لم أسرق. لم آكل حقوق الناس. كان لدي الكثير من الالتزامات المالية والوضع الاقتصادي في البلاد سيئ ".
الحبس أو التهديد به بسبب الديون قد يأتي بتأثير مدمر على دائرة واسعة من الناس إضافة للمدين. حبس رب الأسرة يمكن أن يتركها دون أي سبيل لتأمين احتياجاتها. قال معظم الذين تمت مقابلتهم إنهم فقدوا وظائفهم بسبب السجن أو المديونية، وشعر الكثير بأنهم مجبرون على الفرار من البلاد، تاركين عائلاتهم لتغطية نفقاتها.
إلغاء حبس المدين في الأردن مسألة مثيرة للجدل. يزعم الدائنون أن العقوبة ضرورية لضمان السداد. لكن أبحاث هيومن رايتس ووتش تظهر أن حبس المدين هو أحد أقل الطرق فعالية لاسترداد الديون. ألغت معظم الدول عقوبة السجن بسبب الديون، ليس لأنها قاسية للغاية وتنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل أيضا لأنها لا تؤدي إلى السداد، خاصة من الفقراء. بدلا من ذلك، يعاقِب حبس المدين العاجزين عن الدفع ويساعد في خلق دورات من الديون لا نهاية لها.
كما يزيد الحبس بسبب الديون من الضغط على السجون والمحاكم المكتظة والتي تنقصها الموارد. تدفع السلطات الأردنية 750 دينارا )1,057 دولار أمريكي(، شهريا عن كل محتجز، وتصبح أسرهم أكثر اعتمادا على المساعدات الاقتصادية الحكومية. لتجنب الازدحام خلال تفشي فيروس "كورونا"، أعلن "المجلس القضائي الأردني" في مارس/آذار 2020 تأجيل حبس الأفراد بسبب ديون تقل عن 100 ألف دينار (141 ألف دولار)، وإطلاق سراح المسجونين حتى يتحسن الوضع الصحي. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الخطوة الإيجابية لا تحل المشكلة.
"المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني"، وهو مركز سياسات له صلات بالحكومة، أوصى في 2020 بإنهاء السجن بسبب الديون تدريجيا. قال كل من المجلس ووزارة العدل لـ هيومن رايتس ووتش إن مجموعة عمل برعاية وزارة العدل تراجع التوصيات وستقدم توصياتها الخاصة إلى الحكومة والبرلمان.
ينبغي للحكومة والبرلمان استبدال المادة 22 من "قانون التنفيذ الأردني"، التي تسمح بسجن المقترضين المتخلفين عن سداد ديونهم، بتشريع يوجه القضاة لاستكشاف البدائل، وتقييم قدرة المدينين على السداد، وإعادة جدولة الدفعات على أساس القدرات المالية للمقترض. يجب أن يفرّق القانون بوضوح بين غير القادرين على الدفع وغير الراغبين به، وأن يعامل مرتكبي الاحتيال وفقا لذلك.
ينبغي للحكومة أيضا توسيع برامج الدعم الحالية وتسهيل الاستفادة منها حتى لا يضطر الناس إلى الاقتراض لتغطية الاحتياجات الأساسية. ينبغي للجهات المانحة والمؤسسات المالية الدولية، مثل "البنك الدولي" و"البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية"، ضمان الالتزام العلني من قبل مؤسسات التمويل الأصغر التي تمولها بعدم السعي إلى سجن غير القادرين على سداد قروضهم وتقييم ممارساتها لضمان الامتثال لهذا الالتزام.
قالت الكيالي: "حبس الأفراد لعجزهم عن دفع ديونهم ليس انتهاكا أساسيا لحقوق الإنسان فحسب، بل أيضا يفاقم المشكلة من خلال خلق دورات من الديون. ينبغي للأردن إلغاء حبس المدين واعتماد بدائل تحترم حقوق الأفراد وتساعد الاقتصاد".