موسى حوامدة - نقصُ الأوكسجين الذي وقع في مسشتفى الحسين بالسلط، جرى من قبل في العَديد من المؤسسات والدوائر والشركات المساهمة العامة وفي القطاعين العام والخاص، ولكن لم ينتج عن ذلك غضب واسع كما حدث مؤخرًا ..
هنا وهناك ارتكبت أفعالٌ أدَّت إلى نقص أوكسجين، ونقص تنفس ونقص قيِّم، ونقص مناعة أخلاقية وإنسانية، وأرتكبت أفعال شبيهة بالطرد الجماعي، بحق عمال وموظفين ومواطنين ومهنيين أكْفاء (التسكين على الكاف) وتم الحكم عليهم بالإعدام الاقتصادي، دون أن تراق لهم قطرة دم واحدة وبطريقة ممنهجة .. أعني قطع أرزاقهم وفصلهم من عملهم، وقطع الرزق أصعب من قطع العنق) كما يقول المثل الشعبي عندنا (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) فأنت حين تقطع رزق موظف أو عامل تقطع رزق أسرته كلها.
وسوف أضرب مثلًا واحدًا، وهناك أمثلة كثيرة في عدة قطاعات يعرفها أولئك الذين تضرروا منها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حين تم فصل العديد من العمال والموظفين والصحفيين والمحررين والكتاب عام 2015 في إحدى الصحف اليومية الكبرى، لإعادة هيكلة الجريدة لمساعدتها في النهوض بخسائرها المالية، تم تنفيذ الشق السهل والمتعلق بفصل العمال والموظفين ولم تتم المكافأة الموعودة، أقصد لم يتم إنقاذ الصحيفة، بل أُغْرقت في المزيد من الديون والخسائر، ولم يكن الفصل المجاني والعشوائي هو الحل، بل كان السبب في المزيد من الخسائر المعنوية، وضياع العديد من الكفاءات، وإضعاف المستوى المهني، وتهديد حتى الزملاء الذين لم ينفصلوا، وهم يرون شبح الفصل ماثلًا أمامهم، وتكررت العملية دون أن توقف الحكومات ذلك، ودون أن تتدخل، ودون أن تتحمل وزارة العمل المسؤولية، رغم أن صندوق الإستثمار في الضمان الإجتماعي هو الذي يدير مجالس الإدارة في العديد من هذه الشركات التي يساهم فيها مساهمة تزيد على النصف، وهو يقوم بالتعيينات واختيار مجالس الإدارة والوظائف العليا، ولهذا حديث آخر، في وقت آخر.
موتى مستشفى السلط رحمهم الله، وجدوا من يهب لهم، ويبكي عليهم، ويترحَّم على أرواحهم،
(ليس من مات واستراح بميت إنما الميْت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيبًا كاسفًا باله قليل الرجاء)*
لكن الكثير من الموتى الآخرين، لم يبك عليهم أحد، ولم يدفنوا حتى دفنًا، يليق بإنهاء خدماتهم وحياتهم، ولم يتم حتى اليوم أعطاؤهم حقوقَوهم حتى التي كسبوها في القضاء الأردني، لا بل يتم تهديدهم بأن المطالبة بهذه الحقوق أو الكتابة عن ذلك يعتبر تشهيرًا وابتزازًا ...
وكما يقول المثل العربي (أحشفًا وسوء كيلة) يريد القائمون اليوم على الصحيفة التي لن نذكر اسمها، أعني الإدارة تحديدًا (وليس مجلس الإدارة فليس بيني وبينهم خصومة أو عداوة) تكميم أفواه المحكوم عليهم بالإعدام، ومنعهم من التعبير والكتابة والمطالبة بحقوقهم، لا وعليك أن تشتري الكفن من حسابك، وتدفع تكلفة المستشفى، بل ربما عليك أن تضع تهنئة مدفوعة الأجر في وسائل الإعلام، للذين قطعوا عنك الأوكسجين، وتشكرهم على نبلهم وطيبتهم، يكفي أنهم لم يفرضوا عليك أتاوة إزعاج، لأنك ما زلت تتنفس من هواء يمرُّ من مناطقهم، فربما يأتي يوم ونجد أنفسنا نحن المخنوقين (المفصولين) من نتحمل جرم الخنق وجنايته..
.ألم نسمع عن "قراقوش" وزير صلاح الدين، الذي كان يصدر أحكامًا غريبة ومضحكة، هل عدنا إلى زمن قراقوش هل صار أخذ الحق أو المطالبة به ...جريمة، قد يحاسب عليها القانون، كما قال مدير عام إحدى هذه الصحف لي، واتهمنى بأنني أهدَّد، بالكتابة، وأن هذا يعتبر ابتزازًا، يعرضني للقضاء.
طبعًا لا يقبل القضاء بقطع الأرزاق أو الأعناق، ثم إخماد الأنفاس ومنع الضحية من الشكوى ..ومن المستحيل أن تجد قاضيًا واحدًا في البلد يقبل هذا المنطق الغريب، ولو كان هناك مثل هذا القاضي، لما كسبتُ وغيري العديد من القضايا العمالية والحقوقية، وحصلت على أحكام قطعية عادلة بعد الإستئنتاف والتمييز على يد محامي مرموق.
لا نريد ذهبَكم، ولا عدلَكم، فقط دعونا نتألم، أم أنَّ الألم مُحرمٌ علينا ومرفوض في شرعكم، ام على رأي أحمد شوقي:
أحرامُ على بلابله الدوح حلالٌ للطير من كل جنس
سبحان من ولَاكم رقاب العباد، فحين كنتم مثلنا، لو كنتم مثلنا، ولو ظُلمتم ربعَ ربعَ ما ظلمنا، لهيَّجتم القبائل، وجمعتم العشائر، وملأتم المدى صراخًا، ولضاقت عليكم الأرض بما رحبت، وضاق عليكم الفضاء، حتى تكيلوا بالكيل الجائر، وتنالوا حقوقكم كاملة وافية بلا نقص، ولا تبخيس كما يعرض على أصحاب الحقوق القضائية المكتسبة، أما غيركم فهو الجاني والحاقد والكاره، لا لشيء إلا لأنه تجرأ وتنفس بعد ست سنوات فقط وطالب بحقه في الأوكسجين.
كنت كتبت مرتين سابقًا عن هذه القضية، وحذفت ما كتبت من أجل خاطر الصداقة التي كنت أظنها أهم من المال والسلطة، لكني تناسيت قول نيشته (إذا أردت أن تعرف رجلًا ضعْ في يده سلطة).
وتدخلت في المرة الثانية السيدة خلود السقاف مديرة صندوق الاستثمار في الضمان الاجتماعي، ووعدت بحل القضية، ولكن يبدو أنه تم إقناعها بأن المفصولين هم أخوان الشياطين، وأن حقوقهم ليست أكثر من فتات يلقى لهم، بل ليست أولوية.
على كلٍ لا أُكنُّ إلا الاحترام لكلِّ الناس، وليس بيني وبين أحد خصومة شخصية، حتى الذي وقَّع على كتاب فصلي، لا أكنُّ له البغضاء ولا الكراهية، فقد وقع دون علم ودراية حتى بمن وقع على فصلهم، مع أنه يمثل نقابة مهنية محترمة، وجماعة لها تأثر سياسي واجتماعي في البلد، ولكن لم يسبق لي أن شوهت سمعة أحد، وهذه المؤسسة المقصودة هي مؤسسة أعلامية عريقة، عملتُ فيها سنواتٍ طوالأ، في ثلاث مراحل من حياتي، ولو قمت بانتقاد الوضع الإداري أو المهني لأي مؤسسة إعلامية أو ثقافية أو خدمية، فهذا شأن عام وحق التعبير مكفول ومصان، رغم أني نأيت بنفسي عن ذلك، وليست لي مصلحة في إغلاق أي مؤسسة أعلامية أو صحفية، بل أتمنى لها الدوام ..لكني اقتداءً بما قاله السيد المسيح مع بعض التعديل (ما جئت أرفع سيفًا بل أطلب عدلًا).
*مختلف على قائلهما فهناك رواية تذكرهما باسم عَدي بن رَعْلاء الغسَّاني وثانية باسم صالح بن عبد القدوس.