أحمد عدوية صاحب الصوت الشعبي المميز بحضوره وجماهيريته الكبيرة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي ، كان أحمد عدوية المطرب الشعبي الأول بلا منازع ، وكانت أغانيه تتداول في الشارع وعلى ألسنة الجمهور ــ رغم تحفظي على كلمات أغانيه ــ إلا أنها لاقت رواجا كما حدث لاحقا مع المرحوم ( شعبولا) شعبان عبد الرحيم ، ومن أغاني أحمد عدوية أغنية ( السح الدح مبو ) وقد أكتسحت سوق الفن العربي . طبعا لا يوجد في القاموس العربي معاني لهذه الكلمات ولغاية اللحظة لم يستطع علماء اللغة العربية فك طلاسم ورموز هذه الكلمات ، فقالوا أخيرا انها كلمات ليست ذات معنى وقد جاءت في سياق الأغنية لتحقيق التناغم والانسجام مع اللحن والموسيقي ، ورغم عدم فهم المعاني إلا أنها بقيت أغنية لها حضورها وشعبيتها .
نعود إلى الوضع السياسي ونطابق كلمات ( السح الدح مبو ) مع ما يجري من حراك . من وجهة نظر الحكومة ... استمعت الحكومة مطولا إلى كلمات ( السح الدح مبو ) ودعت الى عقد اجتماعات ومؤتمرات وشكلت لجان للحوار والتشاور كما رصدت موازنة كبيرة ، ووجهت الدعوة لوسائل الاعلام المعنية ( بالسح الدح مبو ) وأخيرا خلصت الحكومة إلى أن ( السح الدح مبو ) كلمات يعود أصلها إلى ما يلي . كلمة ( السح ) أصلها ( الصح ) ومع كثرة استعمال كلمة الصح من قبل الشعب تحول حرف الصاد الى حرف السين وقد أفتى خبراء الحكومة أن هناك قاعدة تقول أن كثرة الاستعمال لشيء يؤدي وبالضرورة إلى استهلاكه وتلاشيه أو تحوله إلى حرف أخر أقل سهولة في النطق من الحرف الأصلي ، والحكومة تعودت أن تسمع الشعب يقول لها صح صح صح وأصبح النهج المتبع ومن كثرة استعمال كلمة الصح اصبح لفظها السح . أما كلمة ( الدح ) فيرجع أصلها إلى كلمة ( المدح ) ، وأيضا طبقا للقاعدة الحكومية السابقة تم استهلاك حرف الميم أكثر من اللازم مما أدى إلى ذوبانه واختفائه من كلمة المدح لتتحول الكلمة إلى ( الدح ) . أما كلمة ( مبو ) فهي تحتمل معنيين الاول بمعنى القبلة ، عندما ترسل لأحدهم قبلة من بعيد تلفظ كلمة ( مبو ) مع التشديد على حرف الميم ، والاحتمال الثاني معنى ( الماء ) عند الاطفال ، حيث تشعر الام بحاجة طفلها إلى الماء عندما تسمع لفظ ( مبو ) يخرج من بين شفاهه، والحكومة بهذا الرأي موافقة على أن نرسل لها قبلاتنا ونقول لها مبو أو أن تعاملنا كالأطفال ونطلب منها مبو ، وهي في كلا الاحتمالين راضية ، إذن عند تركيب الكلمات مرة ثانية ( الصح ، المدح ، مبو ) بمعنى أن علينا أن نقول أن كل ما تفعله الحكومة هو الصح ويجب علينا أن نمدحها دائما ونرسل لها قبلاتنا الحارة وأن نكون كالأطفال أمامها ... أما المعارضة فلها شأن أخر حيث دعت بعض الأحزاب إلى عقد مؤتمر طارئ ودعت إليه وسائل الإعلام وجمع غفير من المعارضة ، وتم تناول جدول الأعمال وعلى رأسه الرد على الحكومة وخبرائها في ما توصلوا له من تفسير ل ( السح الدح مبو ) ومحاولة إيجاد تفسير أخر يناقض توجهات الحكومة وتفسيراتها ، وبعد نقاش وحراك وحوار تم إصدار البيان الختامي للمؤتمر والذي ينص ما يلي (( نظرا لما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والفنية ، ونظرا لتعنت الحكومة وعدم جديتها وعدم استمزاج رأي الأحزاب والمعارضة في تفسير ( السح الدح مبو ) ومحاولة الحكومة المستمرة لإسقاط ما توصلت إليه على عقول الشعب فإن البيان الختامي للمؤتمر يحذر الحكومة من أي تفسير يضر بمصالح الشعب ، ومن هنا جاء التفسير الحقيقي لقوى الأحزاب والمعارضة ل( السح الدح مبو ) كما يلي . السح تعود إلى كلمة ( المسح ) ولكن الحكومة لا تريد أن تصرح بذلك وتستعمل بدل منها كلمة ( السح ) وكلمة ( الدح ) أصلها ( الذبح ) وأيضا الحكومة أزالت بقصد منها النقطة وحرف الباء ولغايات في نفسها والالتفاف على إرادة الشعب ،وكلمة ( مبو ) كلمة مبهمة وفي غاية الخطورة تستعملها الحكومة متى شاءت وتفسرها على هواها وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة من خلال هذه الكلمة ، وبناء عليه فإن الحكومة تستعمل ( المسح ، والذبح ، ومبو ) على أرض الواقع ولكنها أمام الأخرين وحتى تبرر أفعالها تستعمل كلمات ( السح الدح مبو ) . )) الحكومة لم يعجبها ذلك فطلبت عقد جلسة مشتركة للخروج بصيغة توافقية ولو بالحد الأدنى منعا للتصعيد ودرء للفتنة وتحجيما للمشاكل . الشعب وقف حائرا ما بين التفسيرين ، قسم انحاز للحكومة والأخر انحاز للمعارضة ، فلا الحكومة أوضحت للمناصرين لها معاني ( السح الدح مبو ) ولا المعارضة فعلت ، وبقيت ( السح الدح مبو ) مبهمة لا تفسير لها في الشارع مما حدا بالبعض الانفصال عن الحكومة والمعارضة وتكوين قوة ثالثة لها حضورها والبحث جديا عن تفسيرات مقنعة ل ( السح الدح مبو ) وربما ستبعث امريكيا وبعض الدول الغربية موفدين لتقريب وجهات النظر وايجاد مخرج يرضي الجميع والخروج بصيغة توافقية على ( السح الدح مبو ) ، وما زال الشعب ينتظر تفسير وتوضيح ، وما زالت كلمات ( السح الدح مبو ) عصية على الفهم والإدراك ...
عمر قاسم أسعد