تينا المومني … في زمن كورونا أدركنا أن الليل ترف، وجهاز التنفس رصاصة رحمة، وعلى الشمس أن تشرق وتغرب عبر ثقوب صفارات الإنذار، أدركنا بمعية العالم أن اجتياحنا بألف داهية ثم نحتويها هو بمثابة ” عمت مساء” على لسان دودين و السابقين .. السابقون أولئك المجبورون على إقناعنا ” إحنا اللي فاهمين غلط” بأنه لن يشفع لنا الآن من كورونا إلا ممارسة الهرب بين غرف منازلنا، وإيجاد لغة تفاهم بين شفاهنا وكماماتنا حتى وإن كانت – اللغة- فرنسية.
منذ أسابيع دخل الأردن مداراً جديداً مقلقاً وخطراً في مستويات انتشار الوباء، مرحلياً، أصبح لا بد من نسيان التسويات السابقة في التعامل مع الأزمة التي أثبتت أنها لم تكن سوى تنازلات عن مراحل منطقية حتى وصلنا إلى ما نحن فيه، فالمشهد مختلف كلياً فيه تزايد كبير بأعداد الوفيات والإصابات ونسب الفحوصات الإيجابية أيضاً.
في زمن كورونا أدركنا أن الصراع على الاقتصاد العالمي وعلى اللقاحات يستعر، والمشهدان الأخيران للقطاع الطبي والقطاع الاقتصادي في الأردن يأتيان في هذا السياق، فعدد الداخلين إلى المستشفيات يومياً أكبر من الخارجين منها، ما أرهق قطاعنا الطبي، والحظر الشامل والجزئي وإغلاق بعض القطاعات الذي أرهق التجار، هذا الصراع – يا رعاك الله – حشر الحكومة في زاوية أن العلاج قد يكون أسوأ من المشكلة، ولكن لا علاج دونما أعراض جانبية، الأمر الذي يفسره التجار بأنه فشل النهوض بالقطاع الصحي وتدمير للاقتصاد.
صحيح أننا مهددون بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، واقتصاد يهوي، لكن هذا لا يعني أن نفلت المكابح كي نسقط سريعاً، وهذا ما فعلته الحكومة – عظم الله أجرها- وهي تسعى دوماً لأشياء جديدة تقولها وحلول تبتكرها تتناسب مع حياة تغيرت بالضربة الاقتصادية القاضية بسبب صدمة جائحة كورونا وتداعياتها، أشياء تحمل أمل تحويل الانتكاسة إلى فرصة الخروج بأقل الخسائر والأهم سلامة المواطنين وحمايتهم.
صدمة كورونا فوق كل الصدمات المالية، كورونا الذي غير الكثير من المفاهيم في العالم، وعلى سبيل المثال ليس حصراً، قبل كورونا كانت حماية الأوطان فكرة تختصرها الجيوش التي تستشهد بسبيلها، وبعد كورونا أصبحت الأجسام التمريضية والطبية جيوشنا وأبطالنا الرابضين على خطوط التماس مع الموت، فحين يشترون لنا حياتنا ثم يدفعون قلوبهم وأرواحهم، هل سيعيد لهم التاجر ” الباقي”؟
قالوا:” الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية” .. قيل لهم “طيب” ، ولكن يجب أن يكون لدينا بالأساس قضية، قضيتنا الآن إذاً ليست مناكفة القرارت الحكومية على جدلية افتراض أن الحكومة و كورونا رصاصتان في ” بومب أكشن واحد” أو أياً كان المثل، قضيتنا هي هبوط المنحنى الوبائي، وارتفاع أعداد من تلقوا اللقاح .
قضيتنا، أن الحكومة وهي ترسم علاقتنا مع كورونا لنحو شهرين لم يلسعها عقرب الساعة في مضيعة الوقت، بل حولت الانتكاسة إلى فرص، فانظر بعين العقل يا رعاك الله ثم انظر ماذا ترى؟ أمر دفاع علق بموجبه حبس المدين حتى نهاية العام مع منعه من السفر، لمثل هذه الخطوة، ترفع القبعات للحكومة التي حولت الانتكاسة إلى فرصة، فالقرار جاء للمساهمة بالحد من انتشار الوباء وتحقيقاً لمقتضيات المصلحة العامة، بالوقت ذاته هو فرصة انتصرت فيها المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث ” لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي”.
و بين مسارات التوريد والنقص في كمية المطاعيم و تعقيدات العزوف عن التسجيل لتلقي اللقاح، استطاعت الحكومة أيضاً تحويل الانتكاسة إلى فرصة عبر تخصيص فرق لتقديم اللقاح لمن يصعب عليه الوصول لمراكز التطعيم، و حملات التوعية والتشجيع إلى ضمان التوزيع العادل مروراً بشمول أغلب الفئات انتهاء برفع نسب التوريد والتخزين والإقبال.