كتب الدكتور سمير محمد ايوب
في ظِلالِ يومِ الأرض،
لِفلسطينَ أكْتُبْ،
بالعربي الفصيح الجريح ، للرصاص الذي كان، وللرصاص المعتقل أكتب: بِشرفِ نوايا رصاصة الفاتحِ من عام أل 65، إستبشرنا بتحريرفلسطين، لتكون الوطن العادل، نعيش فيها أسيادا أحرارا. مع فِعْلَةِ اوسلو، صار جُلُّ هَمِّ لُصوصِ النضال المعاصر، التنافس الآثم على فتاتِ ما يُعطيهم إيّاهُ رصاصُهم الحارس لأمن مُحتلِّهِمْ، وأولياءُ نعمتهم. بعد أن كان رصاصهم ملء سمع العالم وبصره، تأمْرَكوا، تَصهينوا، تأسْرَلوا وتَخَلجنوا حتى اتَّسع لهم بُسطارُ دايتون المُوارَبْ. وبَقِيَت أرضهم وأعراضهم، تُسدِّد يوميا فواتيرَ الدَّم والوجَع والحُلم.
مِما توحي به وقائعُ الانقسام والتَّشظِّي، أنَّ نَصّ الانحراف الرسمي المُتلاطم في فلسطينَ، لَمْ يَكتمل بعد، ولَمْ يَنفَذْ مَخزونُه مِنْ أصنامٍ فِعليَّةٍ من العملاء وأصحاب الوهم، والمُفرِّطينَ والمُتخاذلين. فما يجول في بالِ المُحتلِّ مِنْ استراتيجياتٍ بِلا صُدَفٍ وبلا احتمالات، ما زال كثيرا ومعقدا. وفي هذا المَساق والسِّياق، تكاثر السابقون والحاليون ويتكاثر اللاحقون، من المتخاذلين المتجددين كفيروس الكورونا اللعين.
عجيبةٌ هي فلسطين، آفاتها مركبة، حتى وهي تتعرض لأكبر مؤامرة في تاريخها، ما زالت تتَّسِعُ للشيء ونقيض الشيء معا. ليس مِنَ الضروري في معارجها، أن تكون عميلا لتخدُمَ عدوَّك. يكفي أنْ تكون غبيا، مُتقاعسا، صامتا، عاجزا، مُفرِّطا، مُساوما، مُمَوِّها، لتُصبِح رغمَ أنفكَ أوسلَويَّا، يتواطئُ مع عدوه، ويتآمر على أهله، وبأبخس الأثمان يبيع.
ولكن مهلا، فأرض الجبارين المبسوسة بسواقيَ من دم الشهداء، ووجع الآلاف من عيون البنادق، المكبَّلةِ خلفَ قضبانِ الأسر، محروسةٌ بطيور الرعد، فوق الأرض وفي أرحام الأنفاق، همُ الوصلُ في زمان الفصل، يُرَممون العزمَ، ويُعيدونُ ضَبْطَ البوصلة، على الجمر قابضون، أصابعهم على الزناد بأمل، وكثير رصاصهم بانتظار مواقيت، آتية لا ريب فيها.
وكما يتخلَّق في ثنايا فلسطين، في هذا الزمن شديد الرداءة متخاذلون، بلا لُبس أو تأويلِ، يُعلِّمُنا التاريخُ المُعاصر لفلسطين، أن أرحامها ما زالت ولاّدةٌ كريمةٌ. وعَبْرَ مقاعدِ النضال بالقوة، يَعرُجُ شهداءٌ وأسرى من كلِّ الأعمار. ليسوا أسقُفاً مُستعارةً مِنْ أحدٍ أولأحد. هم مخزونُ المُستقبل وقناطرُ العبورِ إليه. أبناءٌ برَرَة. لا يُمثِّلُهم إلا المُصرّون على التحرير الكامل والعودة الكريمة.
رغم رمزيتهم الفردية كأيقوناتٍ نِضالية، فإنهم بالقطع، رؤيةٌ متوهجةٌ هاديةٌ لا أصناما تُعبد. فهم أقوى من أوهام المختبئين في سرادق العدو. ما تخلَّفوا وما خذلوا شيئا من توقعات الرصاصة الأولى.
يا أحرار العرب في كلِّ مَواطِنِ العرب الصغرى، ستبقى فلسطيننا عربية مهما مَوَّه المُتأتون والأشباه. وستبقى غيوم بسمتها الحزينة تُظلِّلُ شرفَ الأمة المصلوب. فلسطينُ قريبةٌ جدا. وإنْ كانت الطرقُ إليها ليست كثيرة، فإنَّ أقصرها وأسرعها وأسلمها وأوضحها، هي القوة العاقلة. وأن أطولها وأوحشها وأبطأها واضَلَّها تلك التي تمرُّ عبرَ وهمِ وضلالِ الحارثينَ في البحر، ومغامرات المُتناحرين.
نعم لأمّة العرب، نعم لفلسطين وجباريها، ونعم لحماة مقدساتها. الغارُ للراحلين بصدق من أجلها، وللقابعين بالصبر الجميل كالاسود، خلف قضبان العدو، وللقابضين على جمر معاناة الاحتلال. والشكر لكل من لم يَخُنْ بعدُ من أمَةِ العرب.
العارُ كلُّ العارِ، لكلِّ منْ يرمي فلسطينَ ولَوْ بكلمةٍ لا تليقُ بِها. وعهدُ الله لنْ نرحَل، وأنْ نُكملَ المِشوار، حتى التحريرِ الكاملِ لوطنِ عطا الزير ومحمد جَمجوم وفؤاد حجازي، وطنُ إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود، وطنُ القسام والحسيني، وطنُ المطران كبوجي والأب إيمانويل مُسلم . وعهد الله أن نبقى عاشقين، للد والرملة وعكا وصفد وحيفا ويافا والناصرة والطيبه، تماما كما نحب القدس وغزة العزة.
الاردن – 30/3/2021