أقبل علينا الضحى باكيا مستنكرا مستنفرا ومستنكرا ، أقبل علينا الضحى غريبا ملتحفا ثوبا ليس من نسج أردنية باتت في وادي موسى او تحت ظلال سنديانة في سهول اربد ولا من صنع نشمية تسكن وادي شعيب ولا يشبه جديلة عجلونية ، ولا هو من قطبة في ثوب كركية أو لحن في أهزوجة عقباوية .
أقبل علينا الضحى مسموما مدسوسا مغلفا بحقد دفين لم نألفه من قبل ولم نعتد عليه وإن شاخت منابتنا وجفت مراعي خرافنا وبات سيل ماءنا شحيحا في عمق وادينا وإن جعنا ولحق بنا عوزا عضنا على النواجذ ولم نأكل كما الحرة من ثديي ذاتها .
لم يكن يوما من ديدننا أن نشهر السيف أو نرمي بمقلاع من أجل رغيف خبز أو إرضاءا لعابث يتلهى في شوارع سكناه يرسل بنظريات تحشد النفوس نكاية بوطن رفضه بعد أن أشهر سكينه الصدئة لينحر رحم وطنه مدعيا أنه المرتجف على مصلحة شعبه ونحن منه براء .
نحن من ربتنا أمهاتنا على رؤوس الرماح وشرف الإنتماء وحب الأوطان ورفض كل ضيم يمسه ، نحن من لم نرضع حليب السواد ولا نخرت ضلوعنا أطياف مؤامرة مقابل مجد عفن وحشو في الأذهان زرع في ضعاف النفوس موهما إياهم بأن تلك هي طرق الإصلاح وتلك نوافذ المعارضة البذيئة فتبنوها صاغرين مستسلمين لأهداف ونظريات لم تغني بلادهم ولم تسمن شعوبها من جوع .
نحن من عشش في ذواتنا حب الأردن وثراه الطهور ، لم نقايضه يوما من أجل نيل مقعد أو بغية الوصول لمركز أو طمعا في تحقيق ثراء ، لم نغشه يوما ولم نقسو عليه ولم نرصده لنا مصدرا لملء الجيوب وانتفاخ لحساباتنا في بنوك البلاد ومحافظ المترفين .
كبرنا ونحن ننشد للوطن أهازيج عز وتراويد فخار ، غنينا للكوفية الحمراء والزنود السمر وبسطار العساكر ، كنا نترنم على صوت أغنية صادحة لعازف ربابة يأكل رغيف "شراك " خبزته أم طيبة المحيا ويشرب كأس "شنينة" خضته في الصباحات .
قد يقول البعض كل هذا نسج مثالي وكلام من دفاتر العاشقين الموهومين ، وأنا أقول نعم ولي الفخر أن أكون كذلك عندما يكون الوطن هو عقرب بوصلتي التي تتجه نحوه والأردن هو محراب صلاتي وعنوان السلام .
فحب الأوطان تعلمته من أب خدم في سلك الأمن العام وتعبت أقدامه من وظائف أداها في القدس وفي بيت لحم وفي السلط والغور وفي ضفاف كرامة كل الأردنيين ، ومن أم زرعت وتعبت وجاهدت من أجل أبناءها في ريف بلادي وصنعت لنا فرحا رغم صعوبة الأيام وصلف السنين .
أعلم أن الحياة أصبحت قاسية ورغد العيش بات شحيحا ، فأنا لست من كوكب آخر بل من جبلة هذا الوطن ، وكم أحزن عندما أطيل النظر في كل المعطيات وألمس انقساما في بعض المواقف لم تبنى إلا على وهم وتناست أن الوطن ليس بقرة حلوب أحبه فقط اذا منحني ولبى مطامعي وطموحاتي أو أرميه بحجارة النكران وأشبعه شتما وافتراءات وانتقادات فقط مثل الببغاوات .
مهما كانت الأسباب وتعقدت الظروف فذلك لا يعني أن أجعل من وطني ساحة لمبارزات وتصفيات شخصية أديرها من بعيد كي أحقق مآربا خائنة وأتغنى بأجندة سفسطائية المحتوى كي أفوز بتصفيق المأجورين المأخوذين ببريق الإصلاح ولو على حساب كل المباديء والقيم وكل المعطيات .
لا تنسوا أيها المارقون بأن خوض المعارك لنا ومن يومنا صلفين ، والهاشمي سيبقى ظلنا والروح فدوى لعيون الوطن وسينتصر بهمة عقباته فوق الهجن وأسوده الخيالة الموسومين بخوفهم على وطنهم وسلام أمتهم وأهل بلادهم الصابرين ،،،
السلام للأردن والنصر للمنتمين الصادقين والرفعة لعلم بلادي وكلنا من أجلك يا أردن سائرين .
رعى الله الحمى و قيادته وجيشه وقواه الأمنية وكل الساهرين على أمنه واستقراره وحيده كره الكارهين .