زاد الاردن الاخباري -
د. جواد العناني - بعد اكتشاف النفط الخام في عبدان في إيران عام 1909، بدأ التنافس يدب في منطقة الخليج بحثاً عن النفط. فمدينة عبدان تقع جنوب غرب إيران، ولا تبتعد سوى حوالي خمسين كيلومتراً عن الخليج. وفي ذلك العام نفسه، أُنشئ في وزارة الخارجية الأميركية مكتب شؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا، وبقي اسمه كذلك حتى عام 1997، حين فُصِلَ مكتب الشرق الأدنى، وأصبح مستقلاً.
قبل اكتشاف النفط
وقبل اكتشاف النفط في عبدان بحوالي 56 عاماً، اكتشف النفط في أميركا بولاية بنسلفانيا عام 1853، وبدئ البحث عن النفط في الولايات المتحدة في ولايات تكساس وكاليفورنيا وأوكلاهما، وفي المناطق المحاذية لخليج المكسيك، خصوصا ولاية لويزيانا. وأُنشئت شركات نفط صغيرة وعملاقة، كانت أهمها شركة “ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا”، والتي امتلكها جون روكفلر الأب.
وفِي الأعوام 1913 – 1916، وقعت بريطانيا اتفاقيات مع نجد والأحساء وعسير، وإمارة قطر، وإمارة الكويت، وإمارة البحرين، وسلطنة عُمان، والواقعة كلها آنذاك تحت النفوذ البريطاني. وقد وَضَعَت تلك الاتفاقيات شروطاً قاسية على هذه الكيانات السياسية، تمنعها من أن تؤجر أو تستأجر أرضاً، أو تبيع أو تشتري أرضاً، وتحول دون استقبال أي وفد أجنبي أو إرسال أي وفد محلي إلى الخارج إلا بموافقة المندوب السامي البريطاني. والدوافع وراء ذلك كانت الحيلولة دون دخول المنافسين على النفط لأراضي هذه الدول.
وفي عام 1914، تقدّمت الحركة الصهيونية من الحكومة الفرنسية بطلب إقامة دولة لليهود في عسير، ولكن الطلب رُفض، وبعدها بحوالي ثلاث سنوات، صدر وعد بلفور الذي “منح اليهود وطناً قومياً في فلسطين”، وهو ما قيل فيه إنه وعد أُعطي ممن لا يملك إلى من ليس له أي حق.
مفاوضات سايكس/ بيكو
وفِي عام 1916، ظهرت نتائج مفاوضات سايكس/ بيكو إلى العلن، وتبين أن منطقة المشرق العربي قد قسمت بين أكبر دولتين مستعمرتين في ذلك الوقت، وهما المملكة المتحدة وفرنسا. وقد كانت روسيا القيصرية شريكاً، ولكنها لم تحصل على شيءٍ بسبب قيام الثورة البلشفية عام 1917. وبموجب الاتفاق الذي بدئ بتنفيذه خلال السنوات 1918 – 1920، أصبحت العراق وفلسطين والأردن تحت حكم الانتداب البريطاني، بينما أضحت سورية ولبنان مستعمرتين إنكليزيتين.
وفِي نهاية عام 1919، انتهى الحكم الفيصلي الهاشمي في سورية، وأصبح الملك فيصل الأول ملكاً على العراق، وصار الأمير عبد الله بن الحسين أميراً على إمارة شرق الأردن، وصارت فلسطين منطقة تحت الانتداب البريطاني، الذي يسهل هجرة اليهود إليها.
وفِي عام 1924، وبعد فشل مراسلات الشريف الحسين بن علي مع مكماهون في الاتفاق على إنشاء كيان يهودي في فلسطين، بسبب رفض الشريف الحسين بن علي لذلك، آلت مملكة الحجاز إلى آل سعود، وسميت نجد وعسير والأحساء والحجاز بالمملكة العربية السعودية، ورسمت الحدود مع الأردن، حيث أبقت محافظة معان ومدينتها آنذاك جزءاً لا يتجزأ من إمارة الشرق العربي برئاسة الأمير عبد الله بن الحسين.
اتفاقية الخط الأحمر
وفِي 1926، وبعد مناورات طويلة، كان بطلاها بيرسي كوكس، الإنكليزي يهودي الديانة، وعبد الله فيلبي، المستشرق الذي اعتنق الإسلام، قد تفاهما مع جون روكفلر، وأقنعا البرلمان الإنكليزي بعدم وجود نفط في السعودية. ووعد بيرسي كوكس بشرب كل النفط في السعودية، إذا عثر على شيء منه. ووافق البرلمان البريطاني على توقيع اتفاقية الخط الأحمر، والتي منحت بموجبه شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا امتيازاً في الأحساء، شرق السعودية، مقابل 4000 جنيه ذهباً تدفع فوراً، وخمسة آلاف جنيه ذهباً تدفع سنوياً، وخمسة سنتات أميركية عن كل برميل نفط يستخرج من الأرض هناك.
وهكذا ترى العلاقة الوثيقة بين ظهور النفط وجغرافية المنطقة. وقد بدت واضحة من سلوكيات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رغبته في الاستغناء عن استيراد النفط، فتوسع في استثمار الرمل والصخر الزيتيين، وجعل الولايات المتحدة أكبر منافس، ولكن عودة الرئيس جو بايدن إلى اتفاق باريس حول نظافة البيئة، والذي تركه ترامب، يعني أن العالم قد أدرك بعد قمة البيئة التي ترأسها جو بايدن قبل شهر، أن النفط لأسباب بيئية وتكنولوجية، ولأسباب توفر البدائل، سيفقد قيمته.
فهل لتراجع أهمية الذهب الأسود إلى قار أسود تأثير على شكل المنطقة وجغرافيتها في المستقبل؟ هل سنرى العالم يرى في إسرائيل مشروعاً مكلفاً، ولم تعد للغرب حاجة ماسة إليه؟ وهل سنرى نفوذ إسرائيل يتقلص، أم أنها ستقفز من فوق بلاد الشام والعراق لتتحالف مع دول النفط؟
خريطة جديدة لخمس دول عربية
وفِي شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2013، نشرت “نيويورك تايمز” خريطة جديدة لخمس دول عربية قُسِّمت إلى أربع عشرة دولة، هي السعودية (5 دول)، العراق (3 دول)، سورية (دولتان)، ليبيا (دولتان)، واليمن (دولتان). وبالطبع، تناول الموضوع منذ ذلك الوقت عدد من مراكز البحوث الهامة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، وروسيا. والآن تعيد الولايات المتحدة موَضعة نفسها في المنطقة، بحيث يكون لها وجود في قطر، والسعودية، والأردن. أما المملكة المتحدة فتسعى بدورها إلى أن تكون شريكة للولايات المتحدة بعدما خرجت من الاتحاد الأوروبي، وروسيا حققت حلم القياصرة بوصولها للمياه الدافئة في البحر المتوسط.
هل سمع أحد بوجود قوات لدول عظمى في دولة ما من دون أن تتقسم تلك الدولة؟ أليس هذا ما حدث يوماً في فيتنام، وكوريا، ويوغسلافيا؟ أوليس التقسيم حاصلاً في بعض الدول العربية بحكم الأمر الواقع؟
الوطن العربي بحاجةٍ لأن يتماسك حكاماً وشعوباً. والأمور بحاجةٍ إلى حنكة لا تعطينا إياها دراسات الشركات الاستشارية، فنحن إما أن نكون أو لا نكون، كما قال شكسبير.