زاد الاردن الاخباري -
رصد ومتابعة - عيسى محارب العجارمه - اطلالتنا الليلة ستكون من فناء مجلة روز اليوسف المصرية العريقة، فالحكمة ضالة المؤمن انى وجدها أخذها، فقد جاء نابليون إلى مصر ومعه المدفع والمطبعة والسكين والحبر، لنشر رسائل التقرب من قبل القائد الفرنسى إلى الشعب المصرى، والهجوم الشديد على «المماليك» الحكام الفعليين للبلاد».. كانت هذه إحدى العبارات التى استخدمها الكاتب الصحفى والمؤرخ محمد توفيق فى ثلاثية «الملك.. والكتابة» الصادرة عن دار ريشة للنشر والتوزيع، والتى ألقى فيها الضوء على تاريخ الصحافة المصرية على مدار 200 عام (1798 – 1999).
ورغم ضخامة الحقبة الزمنية وما بها من أحداث ومتغيرات مرت على التاريخ المصرى، فإن الثلاثية بأجزائها الثلاثة (جورنال الباشا، حب وحرب وحبر، قصة الصحافة والسلطة فى مصر) استطاعت أن تعكس قوة القلم الصحفى فى تغير التاريخ، ومساهمته فى قيام الثورات والوقوف أمام سلطة حاكمة ومحاربتها بالكلمة.
وعن تاريخ «صاحبة الجلالة» وعلاقتها بالصراعات السياسية فى مصر كان لصالون «إحسان عبدالقدوس» هذا اللقاء.
ما سبب اختيارك لاسم «الملك والكتابة»؟
- أثناء رحلة البحث وجدت أن هذا الاسم الأكثر تعبيرًا عن واقع العلاقة بين الصحافة والسلطة، فعلى مدار تاريخ الصحافة المصرية نرى فترات تكون السلطة هى المؤثرة وأحيانًا أخرى نرى الصحافة هى التى تقود المجتمع، ففى العهد الملكى كان هناك اعتقاد أن الملك هو الذى يتحكم فى الصحافة ولكن العكس كان هو الصحيح، فشعرت أن العملة (الملك والكتابة) اسم يعبر عن طرفى هذه المعادلة وأيهما المؤثر على الآخر.
وكيف جاءتك فكرة كتابة الثلاثية «الملك والكتابة»؟
- كنت أرغب فى كتابة عمل يقدم تاريخ الصحافة فى مصر وعلاقته بالسلطة، وكنت أتساءل دائمًا هل أستطيع أن أقدم كتابًا يتناول هذا التاريخ الطويل 200 عام صحافة؟ وكان الأمر صعبًا جدًا فى البداية خاصة مع عدم وجود منهج ثابت أو وثائق مؤكدة لعدد من الفترات منها فترة «الجبرتى»، حتى رسائل الماجستير والدكتوراه التى تناولت تاريخ الصحافة لم تعكس علاقتها بالسلطة أو تأثيرها فى تغيير تاريخ مصر فى أزمنة مختلفة.
وخلال عرضك لتاريخ علامات الصحافة المصرية ما هى أكثر شخصية تأثرت بها؟
- هناك شخصيات عديدة ولكن أكثر شخصية أعجبت بها كانت شخصية «فاطمة اليوسف» هذه الفنانة التى ذهبت إلى بلاط صاحبة الجلالة فى فترة زمنية صعبة 1925، واستطاعت أن تناضل لتفرض نفسها أمام عمداء الصحافة المصرية والعربية، وواجهت خلال هذا المشوار العديد من الأزمات من السلطات بدءًا من الاحتلال الإنجليزى والملك وحتى جمال عبدالناصر، فمقالاتها ضد الحكام فى فترة العشرينيات والثلاثينيات، والفترة التى عاشتها فاطمة اليوسف نفسها، تجعلك تفزع من قوة هذه السيدة التي إذا أردنا أن نقارنها بإحدى مناضلات مصر من السيدات، لا نستطيع ولكننا يمكن أن نضعها فى مقارنة مع سعد زغلول مثلًا فى السياسة، لأن لكليهما قضبان حركة تغيير التاريخ فى تلك الفترة.
د. فاطمة سيد أحمد: أتفق معك فى الرأى، فالسيدة هدى شعراوى مثلًا كانت قضيتها هى تحرير المرأة فى عصرها، لكن سعد زغلول كانت قضيته هى الاحتلال الإنجليزى واستقلال الوطن، وهذا ما أقدمت عليه فاطمة اليوسف فى صحيفتها حاربت الإنجليز بقلمها حتى نجحت.
هل ترى أن التاريخ الصحفى يكرر نفسه؟
- إلى حد كبير نعم، ففى بدايات القرن العشرين، نجد أن الصحافة المصرية انتقلت من اتجاه الخبر إلى اتجاه آخر وهو النضال، مع مصطفى كامل ثم على يوسف، وكانت أداة قوية لتحريك الرأى العام وتوعية الشعب ضد الاحتلال الإنجليزى حتى قيام ثورة 1919، وكانت الصحافة تعبر عن الشعب وليس السلطة، ونتاجًا لذلك كان دستور 1923، ثم جاءت فترة على أمين ومصطفى أمين وغيرهما من عمداء الصحافة المصرية واتجاه الصحافة مرة أخرى لتقف مع ثورة 1923 والجيش المصرى لبناء الدولة من جديد وهذا يشبه حاضرنا إلى حد كبير.
د. فاطمة سيد أحمد: ولكنك أسقطت فى كتبك أسباب ابتعاد الشعب عن جريدة الأهرام قبل ثورة 1919، فهى لم تكن تعبر عن الشعب وقتها، وبالتالى عندما وجدوا فكرًا جديدًا وصحافة تعبر عنهم انجذبوا لها مرة أخرى.
محمد توفيق: قصدت أن أقدم فى ثلاثية «الملك والكتابة» تسلسلًا تاريخيًا ودراميًا لما حدث فى تاريخ الصحافة وخاصة المؤسسات الصحفية، ولم أرد وضع رؤية أو تحليل معين خلال فترات الـ200 عام، وقصدت ذلك لأعطى للقارئ فرصة للتحليل والفهم من وجهة نظره لأسباب بُعد الشعب عن بعض الصحف فى فترات معينة وانجذابها لصحف أخرى فى تلك الفترات، وكان من الغريب أن مثلًا مجلة روزاليوسف كان أحد أسباب انجذاب القراء لها فى بداية إصدارها هو اهتمامها برسومات الكاريكاتير، فكانت توصل رسائلها السياسية العنيفة والصادمة للسلطات من خلال رسمة تصل إلى رجل الشارع الأمى الفقير الذى لا يستطيع القراءة أو فهم المصطلحات السياسية ولذلك كانت الناس يتهافتون على شراء روزاليوسف حتى فى فترات منع إصدارها أو توقفها وإصدارها تحت مسمى آخر هروبًا من يد الرقيب.
ولماذا لم تقدم تحليلك ورؤيتك الخاصة وقمت بتقديم سرد تاريخى فقط؟
- كان غرضى ألا أؤثر على القارئ بوجهة نظرى فى التاريخ، وقصدت ذلك حتى يكوّن القارئ فكرته الشخصية من خلال سرد الأحداث التاريخية، وكان أكثر ما يهمنى فى كتابة هذا العمل هو قراءة ما بين السطور، وفهم وإدراك معطيات كل مرحلة، فكل واحد منا سيكون تحليله الخاص به عن فاطمة اليوسف مثلًا أو عن محمد حسنين هيكل.
إذًن نستطيع أن نقول إنك قدمت ثلاثية «الملك والكتابة» بروح المؤرخ وليس الباحث؟
- قدمته بروح الصحفى فى الأساس، فأنا صحفى أردت أن أحقق فى التاريخ وأعرضه على القارئ ليُكَوّن وجهة نظر شخصية له دون التدخل منى فى إعطاء رأى معين عن فترة زمنية محددة.
د.فاطمة سيد أحمد: من وجهة نظرى أنك قدمت بحثًا جادًا وشيقًا عن تاريخ الصحافة المصرية، وقد أعجبت بأسلوب سردك للأحداث، رغم عدم اتفاقى معك فى بعض العناوين مثل «جرنال الباشا».
أحمد الطاهرى: أعتقد أنك «مصحّف التاريخ» فأنا قرأت كتابك ورأيت أنه يحمل روح التحقيق الصحفى من خلال أسلوب الكتابة وطريقة سرد الأحداث، وهذا ساعد على استمرار حالة الشغف عند القارئ على مدار الثلاثة كتب، هذا بجانب منهجك البحثى فى جمع الوثائق والحقائق.. كل هذا عكس على الكتاب روح العمل الصحفى.
عرضت فى كتابك أن إحسان عبدالقدوس كان مفجر ثورة 23 يوليو.. كيف؟
- هناك مغالطة تاريخية توضح أن هيكل كان من أسباب قيام ثورة يوليو، لكن هذه معلومة خاطئة، فهيكل ظهرت أهمية كتاباته فى عام 1957 تحديدًا بعد إصدار قانون الصحافة، ومنذ عام 1960 بدأت تأخذ كتابات هيكل شكلًا آخر مهمًا، وقبل هذه السنوات كانت هناك علامات صحفية بارزة أخرى فى مقدمتهم إحسان عبدالقدوس ثم حلمى سلام وآخرون، وكانت مقالات إحسان عبدالقدوس عن صفقة الأسلحة الفاسدة ومهاجمته المستمرة للملك وحاشيته أحد أسباب قيام ثورة يوليو، ولأكون صادقًا معك كنت أفكر بتقديم الكتاب عن طريق سرد لتاريخ روزاليوسف وإحسان عبدالقدوس منذ طفولتها، وتأثرها بالصحافة وحتى وقتنا هذا. وكانت هناك عائلة أخرى وهم أحمد حلمى وصلاح جاهين. فهم مثال يعكس تاريخ مصر وليس تاريخ الصحافة فقط.
د.فاطمة سيد أحمد: إحسان عبدالقدوس كان كاتبًا سياسيًا قويًا وساهمت كتاباته فى كشف حقائق صفقة الأسلحة الفاسدة والداعم الأول لثورة يوليو رغم اختلافه بعد ذلك مع الرئيس جمال عبدالناصر، كما قدم سلسلة من أهم السلاسل السياسية فى مصر وهى: «على المقهى فى الشارع السياسى».
هناك جزء فى الباب الثالث تتحدث فيه عن فترة اعتقال إحسان عبدالقدوس، من أين جئت بتفاصيل مكالمة الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بعبدالقدوس وقتها؟
- من أكثر من مصدر، أولها سلسلة حوارات نشرت على لسان إحسان نفسه.. وثانيها الكتاب الذى أصدره ابنه محمد عبدالقدوس والذى قام بتجميع مواقف من حياة إحسان عبدالقدوس بالإضافة إلى توثيق الأستاذ رشاد كامل.
وماذا عن واقعة تدبير الملك فاروق لاغتيال عبدالقدوس؟ قلت إن هذا تمت كتابته بقلم سكرتير الملك وقتذاك، ولم تذكر اسمه.. لماذا؟
- أغلب معلوماتى التى حصلت عليها فى الجزء الخاص بإحسان عبدالقدوس كانت على لسان إحسان نفسه، كى أقوم بنقل الوقائع بدقة، بالإضافة إلى مصادر أخرى أقوم بالتحقيق فيها بشكل دقيق لإعطاء معلومة مباشرة وأكيدة للقارئ.
أحمد الطاهرى: من المفارقات التى عرضها فى هذه الواقعة أنها تمت بعد نفى الملك فاروق خارج البلاد، مما يصحح معلومات البعض بأن الملك عندما تم نفيه لم يتواصل مع القاهرة ولكنه كان يحاول القضاء على أعدائه.
محمد توفيق: بالفعل، ويؤكد على قوة الصحفى وتأثيره الكبير حتى إن الملك فى المنفى يوصى باغتياله كأكبر أعدائه لأنه هو صاحب إثارة الرأى العام ضده وكان تأثيره أقوى من تأثير رجال الثورة وعبدالناصر على الشعب.
أى رئيس كان على غير وفاق مع الصحافة وكيف تعاملت الصحافة معه؟
- الصحافة كانت طول الوقت فى مراحل شد وجذب مع كل الرؤساء، فأنا أشبه هذا الصراع بمباريات «التنس»، فالصحافة تبحث دائمًا عن رفع سقف الحريات، وهذا يجعلها دائمًا فى مواجهة مع السلطات، ومن هنا يبدأ الشد والجذب بين الطرفين، فمثلًا بعد ثورة يوليو قامت فاطمة اليوسف بتوجيه خطاب تهاجم فيه جمال عبدالناصر شخصيًا.
وفيما يتعلق بفترة ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، كيف قدمت رؤية الصحافة فى محاربة الجماعات الإرهابية فى مصر؟
- قدمت رصدًا لمانشيتات الصحف القومية وقتها وكيف كانت الصحف تحارب الإرهاب بالكلمة من جهة والسلطات تحاربه بالسلاح من جهة أخرى، فكان الشعب والدولة يدًا واحدة فى مواجهة هذه القوة الغاشمة، وأتذكر «روزاليوسف» ومانشيتات العناوين القوية والمبهرة آنذاك، جعلتنى أقف أمامها متسائلًا عن مدى القوة التى يقوم بها أجيال هذه المؤسسة على مدار سنوات، فروح فاطمة اليوسف حاضرة دائمًا عبر الأجيال ونفس نهجها فى المحاربة لم يتغير.
أحمد الطاهرى: عام 1987 وقت خطة اغتيال وزير الداخلية خرجت روزاليوسف بغلاف لونه أحمر ومكتوب عليه «قوائم الإعدام: سياسيون وفنانون وأطباء تجميل ونسا».
من وجهة نظرك كيف يمكن أن نحافظ على تاريخ مصر الصحفى الذى يصل عمره لأكثر من 200 عام؟
- من خلال عمل متحف صحفى يضم هذا التاريخ الطويل بمراحله المختلفة، فنحن نمتلك تاريخًا طويلًا وسخيًا بالأحداث السياسية التى كانت الصحافة فيها عاملًا ومحورًا مركزيًا فى تحريكها، وفى المقابل هناك دول تشترى تاريخًا لها وتحاول أن تصنع أى علامة لأجيالها القادمة، لذلك أعتقد أن عمل متحف لتاريخ الصحافة سيعمل على حفظ تراثنا من قبل «لصوص التاريخ» من جهة، ومن جهة أخرى يكون مرجعًا للباحثين، لذلك أعتقد أن هذا المشروع يجب أن يتم طرحه فى أقرب وقت ممكن.
أحمد الطاهرى: فى العاصمة الأمريكية واشنطن هناك متحف Newseum والذى يضم تاريخ الأعمال الصحفية على مستوى العالم وليس فى أمريكا فقط، ورغم أن أغلب المتاحف الأمريكية تكون من دون مقابل، فإن هذا المتحف تصل سعر تذكرة دخوله إلى 70 دولارًا، رغم افتقاره التاريخى مقارنةً بتاريخنا الصحفى، ورغم أن تاريخ جريدة واحدة مثل «الأهرام» يفوق تاريخ بعض الدول فإنه للأسف لا يتم الترويج لهذا التاريخ بشكل كبير.
وما أكثر الأوقات ازدهارًا وسوءًا فى العالم الصحفى، وما رد فعل الصحفيين فى الأوقات العصيبة على المهنة؟
- أسوأ فترة مرت على عالم الصحافة فى مصر كانت عقب الثورة العرابية من 1882 حتى 1900 حتى ظهور جريدة اللواء وجريدة المؤيد، وكانت هذه الفترة عصيبة بكل معانيها على الكتاب والصحفيين، حيث تعرضوا للاعتقالات والعديد من الإهانات من قبل السلطة، فمثلًا كانت تقام محاكمات للصحفيين وكانت تباع تذاكر لحضور هذه المحاكمات، ويذكر أن هذا الأمر لم يحدث قط سوى فى محاكمة «ريا وسكينة»، فلنا أن نتخيل مدى الإهانة والظلم الذى تعرض له الكاتب الصحفى خلال تلك الفترة.
أما أكثر فترة مزدهرة فى تاريخ الصحافة فكانت خلال فترة 1928 حتى 1948، وقد بلغ التقييد على الصحف ذروته، ولنا فى صحيفة «روزاليوسف» خير دليل على هذا، فكانت تصادر الصحف فيتم نشر نفس الجريدة ولكن باسم آخر، مثلما كان يحدث مع «روزاليوسف» حيث يتم منع نشر الصحيفة ونرى محمد التابعى يصدر صحيفة أخرى باسم «الصرخة» ويكتب مانشيت «هذه المجلة تصدر بدلًا من روزاليوسف.. صادرها بقى» موجهًا حديثه للرقيب على الصحف، فكانت هذه الفترة تحمل العديد من التحديات والقوة والمواجهات بين رجال السلطة والصحفيين.
ولا نغفل أن فى هذه الفترة ظهرت تحركات «التمرد» النسائى فى بلاط الصحافة المصرية وكانت فاطمة اليوسف هى أيقونة تلك الفترة.
وكيف كان تأثير الصحافة على الشعوب من وجهة نظرك؟
- هناك ارتباط وثيق وقوى بين الصحافة والشعب على مدار التاريخ المصرى بشكل عام، ويمكن أن نتذكر قصة سعيد مهران بطل رواية «اللص والكلاب» للأديب العالمى نجيب محفوظ، فبطل الرواية الحقيقى السفاح محمود أمين سليمان قبل إلقاء القبض عليه كتب عدة خطابات للكاتب محمد حسنين هيكل، ونشر هيكل هذه الخطابات جميعًا فى جريدة الأخبار فى الصفحة الأولى، وهذا يؤكد ارتباط الصحفى بالشعب، فحينما نرى قاتلًا ومجرمًا يختار أن يكتب خطابات لصحفى لم تربطه به أى صلة فقط للتحدث عن معاناته، أمر يعكس مدى عمق العلاقة بين الشارع المصرى والصحافة.
وماذا عن مشروعك الجديد «إحسان 54».. حدثنا عنه وما الجديد الذى تريد أن تقدمه خلاله؟
- أغلب العالم العربى يعرف إحسان بعد 1954 وهو إحسان الأديب، لكن إحسان قبل هذا كان الصحفى السياسى الذى كان أحد أسباب قيام ثورة يوليو، وكان جزءًا من تغيير تاريخ مصر بفضل كتاباته وبفضل مؤسسة روزاليوسف نفسها، ودائمًا يراودنى حلم تقديم عمل يؤرخ هذا العام تحديدًا من تاريخ إحسان عبدالقدوس، حيث كان عام 1954 نقطة تحول فى تاريخه الصحفى، وذلك عقب فترة اعتقاله من قبل مجلس قيادة الثورة، وكيف كانت فترة تحول علاقته بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى دائمًا ما كان يدعو إحسان بـ «جيمى» لقربه الشديد منه، ويمكن أن نقول إن إحسان عبدالقدوس دخل المعتقل صحفيًا سياسيًا، وخرج منه أديبًا، لذلك أعتبر عام 1954 عامًا مفصليًا فى تاريخ إحسان وتاريخ الصحافة والصحفيين الذين اختاروا من بعده ترك العمل الصحفى والاتجاه إلى الأدب.
أحمد الطاهرى: أعتقد أن عام 1954 بالفعل كان فترة محورية فى تاريخ إحسان عبدالقدوس وتاريخ روزاليوسف، ويمكن أن نقول إن إحسان «قرر الانتقام بالأدب» كما يوضح فى بعض رواياته، ويمكن أن نقول عن إحسان عبدالقدوس إنه محارب سياسى بارع، وأديب قوى، استطاع أن يصنع نقاطًا فارقة فى الاتجاهين الصحفى والأدبى.
نرى أنك متأثر فى كتابك بشخصية «فاطمة اليوسف».. لماذا؟
- فاطمة اليوسف تعتبر أيقونة، ليس للصحافة فحسب ولكن للتاريخ والمجتمع المصرى كله، فكيفية تحول هذه السيدة ذات الأصول الأرستقراطية إلى مناضلة تقف وراء حرية الكلمة وتقوم بمحاربة سلطات الاحتلال والملك بكل عزيمة وقوة ودون كلل أو تعب، أمر فريد من نوعه خاصة فى حقبتها الزمنية فى عشرينيات القرن الماضى، ولا أخفى غيرتى عند مشاهدة أعمال فنية أو مشاريع ثقافية تروى سيرة ذاتية لأشخاص لم تقدم سوى موقف أو حدث واحد فقط طوال مشوارها الصحفى، مثلما رأينا فى فيلم The Post للفنانة الأمريكية ميريل ستريب والذى يروى قصة الكاتبة كاثرين جرهام رئيسة تحرير جريدة «واشنطن بوست» والحرب التى دارت بينها وبين السلطات لنشر فضيحة «ووتر جيت»، ورأينا احتفاء العالم كله بهذه السيدة حتى بعد مرور كل هذه السنوات، ورغم أن حياتها المهنية تضمنت فقط هذه الحادثة فإن الإعلام صنع منها أيقونة، وفى المقابل «الست فاطمة» كانت تخوض حروبًا أقوى من حادثة «ووتر جيت» كل يوم ومع أعداء عدة إلا أنها حتى الآن لم تنل ما تستحق، سواء من قبل التأريخ الصحفى أو من قبل النقابة، وأعتقد أن هذا الخطأ يجب إدراكه الآن ويجب العمل على إصلاحه وتوثيقه بما يليق بها.
بما أنك استعرضت تاريخ الصحافة منذ بدايتها، ما تصنيفك لما تمر به الصحافة الآن ومدى تشابهها مع أى فترة تاريخية؟
- نحن نمر بمرحلة تشابه فترة ما بعد قيام ثورة يوليو، وهى مرحلة إعادة تنظيم، ويمكن أن نقول إن المهنة قد تواجه بعض الصعوبات خلال هذه المرحلة لأنه يوجد مشروع قومى لإعادة وتنظيم البلاد مرة أخرى، وإذا نظرنا إلى التاريخ نرى أنه كانت هناك معركة قوية خلال فترة 1952 وحتى 1960 أثناء فترة حكم الراحل جمال عبدالناصر، وهذه الفترة شهدت أيضًا إنتاج علامات مهمة وفارقة على المستوى الصحفى والأدبى أيضًا.
ويجب أن نعترف أن كل مشروع قومى يجب أن يكون له ضريبة، لكن الأهم ألا تكون هذه الضريبة هى حرية الصحافة ومهنيتها، وهذا ما حدث مع عبدالناصر، فالصحفيون الذين لم يدركوا مشروعه مثل أحمد بهاء الدين ومصطفى أمين وأيضًا إحسان عبدالقدوس اختاروا أن يخرجوا من بلاط صاحبة الجلالة والاتجاه إلى الأدب والتأريخ، وغيرهم أدركوا هذا المشروع القومى واستطاعوا أن يصمدوا مثل محمد حسنين هيكل وأن يحققوا مكاسب قوية بعد ذلك.
وما طوق النجاة من واقع التاريخ؟
- هناك ثلاث طرق للنجاة، والخروج من أزمات الصحافة والحفاظ عليها من أى انتكاسات وهذا أيضًا شاهدناه على مر التاريخ، أولًا: يجب على المؤسسات القومية أن تتمسك بتاريخها الكبير لأقصى الدرجات، لأن هذا التاريخ هو سبب تواجدها وشرعيتها حتى وقتنا الحالى، وللأسف لا يوجد الاهتمام الكافى بهذا التاريخ حتى الآن، ويمكن الإشارة هنا إلى أنه يوجد العديد من المعارك على تراثنا وتاريخنا، ومع الأسف هناك بعض الجهات التى تسعى لشراء هذا التاريخ العريق، من بيع للوثائق والكتب التراثية الخاصة بالمؤسسات الصحفية، ويجب الاهتمام والتربص لهذه المساعى بكل قوتنا.
ثانيًا: الاهتمام بالاشتراكات، فجميع الصحف على مر التاريخ قامت ونهضت على هذا المبدأ وليس على التوزيع المباشر، وهذا يرفع عن المؤسسات أعباء مادية كثيرة، وبالتالى إعطاء فرصة للإبداع، وهذا ما حدث بالفعل مع صحيفة «نيويورك تايمز» وأنقذتها الاشتراكات من شبح الإفلاس.
وثالثًا: التعامل مع المجتمع وإعادة إحياء نظرية قرب الصحافة من الشعب والسماع إلى مشكلاته واحتياجاته.
وهل ترى أن الصناعة الورقية قد انتهى عصرها بعد دخول صحافة «الديجيتال»؟
- بالعكس، الصحافة الورقية لا يمكن أن تندثر، ويجب علينا استخدام أدوات العصر فى خدمة هذه الصناعة، بل والعمل على تطويرها، فمثلًا لا بد من الاهتمام بصناعة «الصحيفة الوثيقة» التى تتناسب مع عصر 2020 وليس 1920، وخلق حلقة وصل بين الوسائط الحديثة الديجيتال والصحافة الورقية، ليُكَوّنُوا عنصرًا مكتمل الأجزاء أمام القارئ والباحث أيضًا.
المصدر :- مجلة روز اليوسف