زاد الاردن الاخباري -
مهدي مبارك عبد الله - الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الامريكي انتوني بلنكلن الى المنطقة في اعقاب صمت المدافع والصواريخ والطائرات والتي شملت ( رام الله وتل أبيب وعمان والقاهرة ) حيث اقتصرت أهدافها الباطنية الظاهرية على تثبيت وقف إطلاق واظهار الدعم الراسخ لـ ( حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ) واعادة الاعمار برقابة دولية بعيدا عن الزخم الدبلوماسي الذي يتطلبه إحياء ( حل دولتين ) الذي يؤيده الرئيس الأميركي جو بايدن والزيارة اصلا لم تكن على جدول اعمال بلينكن مسبقا وقد جاءت عل عجل بناء على توجيهات مباشرة من الرئيس الامريكي جو بايدن مع تصاعد العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وما رافقة من ارتفاع في عدد الضحايا المدنيين الابرياء والتدمير الممنهج للمنازل والابراج السكنية وكل سبل الحياة
بعد طول وقت اظهرت فيه الادارة الامريكية الجديد تجاهلها الواضح لملف عملية السلام في الشرق الاوسط اذ كان آخر ما يأمله الرئيس بايدن هو أن يضطر للتدخل في إدارة ملف ( الصراع العربي الإسرائيلي ) تحديدا ما يتعلق فيه بالجانب الفلسطيني حيث بقي بايدن يتعامل مع الأزمة وكأنها لا تتطلب منه أي اهتمام شخصيا ثابت وملح للبدء بمعالجة جدية للأسباب التي أوصلت الطرفين إلى التسبب بأسوأ مواجهة دموية منذ 2014 مثل إلغاء إجراءات إجلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس ووقف الانتهاكات المستمرة في الاقصى والتي دفعت نحو نقطة اللا عودة واستمرار حمام الدم بين الطرفين في ظل تنامي قناعات مطلقة لدى الجميع بان الرئيس بايدن لا يريد أن يقامر برصيده السياسي في بداية ولايته في مفاوضات يدرك مسبقا أن فرص نجاحها معدومة
لهذا ووفقا لما كان متوقع جاء الموقف التقليدي للرئيس الامريكي بايدن بدعم الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة تحت شعار ( حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ) مع التركيز على ادانة وانتقاد إطلاق المقاومة الفلسطينية للصواريخ بشكل عشوائي ضد المدن الإسرائيلية ردا على الانتهاكات الإسرائيلية في القدس والاقصى اضافة الى توفير الغطاء الديبلوماسي لإسرائيل في الأمم المتحدة وإعطاء الجيش الإسرائيلي الوقت المطلوب لتحقيق أهدافه العسكرية للقضاء على قادة المقاومة وتدمير بنيتها التحتية العسكرية من مصانع صواريخ وانفاق وغيرها قبل ممارسته الضغط من أجل وقف إطلاق النار بـ ( قصد احتواء العدوان الاسرائيلي وليس انهائه ) على عكس المواجهات السابقة التي كانت فيها الادارة الامريكية تباشر باستئناف المساعي السلمية والمفاوضات بعد وقف إطلاق النار
هذه المرة الطموح الأميركي لا يتعدى ( تهدئة الوضع ميدانيا وأمنيا ) وإعادة بناء ما دمره القصف الإسرائيلي من بنية تحتية ومرافق عامة في قطاع غزة الذي يرزح منذ 15 عاما تحت وطأة الحصار الإسرائيلي والتأكيد على أن المساعدات يجب أن تمر عبر الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية وأن ( تصب في مصلحة السكان وليس حماس ) من أجل منعها من إعادة التزود بأسلحة وتطوير ترسانتها العسكرية مرة أخرى ( الولايات المتحدة تعتبر حركة حماس منظمة إرهابية ولهذا رفض الوزير بلينكن زيارة القطاع لتفقّد الدمار الذي لحق به )
الرئيس بايدن سبق له ان أوضح منذ انتخابه أن أولوياته الملحة داخلية بامتياز بدءا من مكافحة فيروس كورونا وإحياء الاقتصاد الأميركي وإعادة بناء البنية التحتية الى مواجهة تحدي التغيير البيئي وكأنه يريد بذلك ( تأجيل معالجة القضايا والتحديات الخارجية ) إلى أن يحقق بعض الإنجازات الداخلية التي تمكنه من تعزيز قدرته على مواجهة التحديات الخارجية الملحة والتي من أبرزها مواجهة النفوذ الاقتصادي والاستراتيجي المتنامي للصين وتطوير الاتفاق النووي مع إيران فضا عن الأزمات الملتهبة في اليمن والقرن الأفريقي وليبيا وعلى الرغم من أن بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن وغيرهم من المسؤولين المعنيين بالمنطقة يكررون في كل مناسبة قولهم إنهم يؤمنون ( بحل الدولتين ) لأنهاء النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل. الا انه لم يعين حتى الآن سفيرا أميركيا في إسرائيل كما لم يعين قنصلا أميركيا في القدس للتعامل مع الفلسطينيين وهو ما وعد بتنفيذة بلينكن في زيارته لرام الله مؤخرا
موقف الرئيس بايدن مما جرى في قطاع غزة جعله عرضه إلى انتقادات غير معهودة من الجناح التقدمي واليساري في قاعدة الحزب الديمقراطي ومن ممثلي هذه القوى الفاعلة في مجلسي النواب والشيوخ خلال الأيام الماضية حيث طالب أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ ومن بينهم نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب و( بيرني ساندرز وكريس فان هول وإليزابيث وارن ) من الرئيس بايدن اعتماد سياسة متوازنة أكثر ومطالبة إسرائيل بإلغاء قرار إجلاء الفلسطينيين من حي الشيخ جراح واحترام حقوقهم الشرعية وقد وصف السناتور ساندرز سياسات حكومة نتنياهو بالعنصرية كما وجه 12عضو يهودي في مجلس النواب رسالة إلى الرئيس بايدن أدانوا فيها هجمات حماس الصاروخية العشوائية ولكنهم انتقدوا بشدة أيضا ممارسات الحكومة الإسرائيلية بما فيها عنف الشرطة ضد الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر 48
لوحظ من قبل المراقبين وبغرابة أن الرئيس بايدن والوزير بلينكن خلال تصريحاتهما أو اتصالاتهما مع الإسرائيليين والفلسطينيين بعد قطيعة بين الإدارة الأميركية والسلطة الفلسطينية استمرت لأكثر من ثلاثة أعوام انتهت بزيارة وزير الخارجية الامريكي بلينكن مقر الرئاسة الفلسطينية ولقائه رئيس السلطة محمود عباس ) انهما ركزا على أن الشعبين يجب أن يتمتعا ( بمقاييس متساوية في مجالات الحرية والأمن والازدهار والديمقراطية ) ولكنهما لم يوضحا كيف يمكن ترجمة هذه التمنيات أو الطموحات عمليا فيما يخص الفلسطينيين وغيرها والاستغراب كان من تلك الإجراءات الامريكية التي تهدف إلى احتواء العنف دون توفير أفق وشروط موضوعية لخلق تسوية سياسية وسط شكوك بأن الاطراف المعنية مباشرة بالنزاع أو بأي حل سياسي، أي ( اسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية ) غير مستعدة أو غير قادرة على اتخاذ القرارات الجذرية التي يتطلبها أي حل سلمي مستقبلي
وقد كان لافت اعادة تصرخ الوزير بلينكن اكثر من مرة برغبة واشنطن بإعادة المفاوضات إلى مسارها السابق أي العودة إلى ( متاهات المفاوضات من أجل التسوية المزعومة ) وهو ما رفضته بالأجماع فصائل المقاومة ودعت الى عدم التساوق معه لما فيه من عبثية وضياع للوقت كما حذرت بان ما يحمله وزير الخارجية الأميركي هو ( بضاعة فاسدة ) جربت فيما مضى وارتهن لها الفلسطينيون لأكثر من 25 عاما عملت خلالها تل أبيب على زيادة الاستيطان وتهويد الارض وفرض الأمر والزيارة في ظاهرها بتدو انها ( محاولة امريكية مكشوفة ويائسة لمقايضة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بـ ( وهم ما يسمى السلام الاقتصادي ) من خلال تحسين بعض شروط الحياة المعيشية للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة
على الوزير بلينكن وهو مهندس الدبلوماسية الامريكية الحالي واليهودي العتيق ان يعلم جيدا ان دولة الاحتلال الاسرائيلي تحاصر غزة وتمنع عنه الماء والغذاء والدواء والكهرباء وتقتل الشباب في الضفة تحت مبررات واهية وتعتقل الالاف نهم قهرا وعدوان كما تنكل بعرب الداخل الذين سار لنجدة اخوانهم وي تمنع اليم اعادة اعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية بأسلحة متطورة من صنع الولايات المتحدة الأميركية ومقايضته بقضية الاسرى لدى حماس
اذا كانت الادارة الدبلوماسية الأميركة فعلا جادة فيما تقول عليها فتح الآفاق امام ( مسار سياسي لتسوية سياسية للصراع على أساس ما يسمى حل الدولتين ) وهو الذي يتردد في كلمات جميع المسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة دون ان يقترن بخطوة صادقة بالطلبة من دولة الاحتلال التوقف عن الممارسات التي تعطل نتائج المفاوضات والمسار السياسي الموعودكما عليها ان تسارع بفتح القنصلية الأميركية في القدس ومكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن ومراجعة قرار الاعتراف الأميركي بالقدس الموحدة عاصمة لدولة اسرائيل واعادة النظر بنقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس بغير ذلك فان ادارة بايدن تحاول تجميل ( الوجه القبيح لسياسة ادارة ترامب ) بخديعة اكبر اعظم
لابد ان يفهم الوزير بلينكن انه لا فصيل ولا مواطن فلسطيني يقبل العودة لهذا الشكل غير المجدي من المفاوضات ولا حتى الرئيس ( محمود عباس ) الذي كان يراهن دوما على تغيير المنظومة الدولية ومحاولة الاعتماد عليها في أخذ الحقوق المغتصبة اصبح على قناعة تامة وقد صرح في أكثر من مناسبة بانه ( لا للانفراد ) الأميركي بمفاوضات السلام لان الولايات المتحدة لن تغير من أساس سياستها تجاه الفلسطينيين وان كل ما تقدمه ليس أكثر من تغيير للأقنعة وان الفارق بين إدارة ترامب وإدارة بايدن في التعامل مع القضية الفلسطينية هو أن ( إدارة ترامب كانت تعطي الاحتلال الإسرائيلي ما يريد دون مواربة وفي العلن أما إدارة بايدن فستمنح الاحتلال أيضا ما يريد ولكن بالمراوغة ومن تحت الطاولة )
امام كل ذلك على الجانب الفلسطيني ممثل بالسلطة الوطنية عدم الرهان والاطمئنان من جديد لسياسة الإدارة الأميركية ( المؤمن لا يلدغ من حجر واحد مرتين ) وبلع الطعم والسقوط في وهم الانتقال إلى مسار سياسي جديد يكون ( للإدارة الديمقراطية الأميركية الجديدة ) فيه دور بناء ومختلف ينصف الفلسطينيين بل على السلطة ورجالاتها استثمار تعديل ميزان القوى والذي فرض على الارض بصمود المقاومة الاسطوري وقدرتها الصاروخية الهائلة بالإضافة الى العمل على تطوير أدوات الكفاح ضد الاحتلال بختلف الوسائل الشرعية
والارتقاء بحالة الغضب والتمرد الجماهيري العفوي التي صاحبت العدوان على قطاع غزة ومدينة القدس وأحيائها ومقدساتها ورفع وتيرتها الى عصيان وطني شامل مع الاعداد لـ ( لانتفاضة الشعبية و الثورية السلمية المنظمة ) التي تؤطرها وتقودها قيادة ميدانية وطنية ومركزية موحدة لإدامة الاشتباك مع الاحتلال خاصة في ( قرى واقضية وارياف الضفة الغربية وداخل الوطن المحتل ) والذي يجب ان لا يتوقف قبل دحر الاحتلال وتفكيك الاستيطان واستنزاف طاقات وقدرات الاحتلال وصولا الى إنجاز الاستقلال وانتزاع الحقوق بما فيها حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها قسرا بالقوة العسكرية الغاشمة
اما من حيث تقييم زيارة بلينكن فالعديد من ابناء فلسطين والعرب واحرار العالم وجدوا بان هدفها الوحيد هو ( سرقة الانتصار الفلسطيني ) الذي تحقق خلال حرب الأيام الـ 11 الأخيرة وقد وجد البعض في مهمة بلينكن بانها لا تعدو كونها محاولة لمنع حرف الانتباه عن احتواء صعود الصين التي باتت الناظم الرئيس للسياسة الخارجية الأمريكية وبكل المقاييس الجولة فشلت في اقل حدودها في منع دولة الاحتلال من انتهاكاتها في القدس والأقصى وانها لم تسفر عن تحقيق أي تغيير في مسارات الانحياز الأمريكي التام لسياسات دولة الاحتلال
كما ان اعلان بلينكن دعم امريكا لإسرائيل في تطوير منظومة القبة الحديدية التي اظهرت فشلا ذريعا في التصدي لصواريخ المقاومة ومنعها من السقوط في عمق المدن الرئيسية يثبت من جديد بأن العلاقة مع الاحتلال يجب أن ( تضل ندية في الميدان ) وقد كان يتوجب على واشنطن قبل ذلك التشديد على أن مسألة القدس جوهرية في تشكيل هوية الدولة الفلسطينية المقبلة وهي أكثر تعقيدا من مجرد اختزالها إلى موضوع نزاع حول العبادات والمقدسات وملكية العقارات وانه ليس من الإعجاز إجبار الاحتلال على وقف الاستيطان والالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والكف عن سياسات التهويد والتمييز العنصري وإنكار ابسط ا حقوق الفلسطينيين سواء أكانوا تحت الاحتلال أو في أراضي 1948
المطلوب من أمريكا هو منع دولة الاحتلال من الاستمرار في انتهاكاتها بالقدس خاصة في المسجد الاقصى وحي الشيخ جراح وبطن الهوى وغيرها ناهيك عن العديد من القضايا التي يجب على الادارة الامريكية الجديدة اعادة النظر فيها مثل الاستيطان وعمليات التمييز العنصري والتهجير والتطهير العرقي وعدم قبول إسرائيل قيام دولة فلسطينية مستقلة ورفضها التنازل عن القدس الشرقية وتمسكها بمشروع ضم الضفة الغربية وغور الأردن ومحاربتها للوصاية الهاشمية وتجاهلها تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين في القدس المحتلة وحاملي الجنسية الإسرائيلية ومعاملتهم على قدم المساواة مع اليهود كل هذا يعني بالمجمل ان دولة الاحتلال تعمل على إفشال مشروع ( حل الدولتين ) الذي ترضى به وتدعمه ادارة بايدن رغم ما للعديد عليه من تحفظات
اخيرا ان بقاء السياسات الاسرائيلية في تصاعدها واستمرار الغطرسة والعدوان والانتهاكات والقتل والاعتقال والتدمير يثبت بان زيارة الوزير بلينكن كانت فاشلة بامتياز وانها لم تكن أكثر من مجرد جولة علاقات عامة مهذبة لتسويق وجه واشنطن بأنها غير منحازة لإسرائيل وأن لديها مسار جديد للتسوية السلمية وانهاء الصراع في المنطقة رغم ان الاستمرار في ( اعادة تدوير المبادرات الامريكية الفاشلة ) هو السبب الرئيسي في انهيار الامن الاستقرار في المنطقة واستشراء الصراعات والحروب وعدم تحقق اسباب الرخاء والديمقراطية والحرية
mahdimubarak@gmail.com