مهدي مبارك عبد الله - في المستهل اننا بعنوان المقال اعلاه لا نهون مما جرى على الشعب الفلسطيني من نتائج وتداعيات هذا العدوان الهمجي الظالم وما خلفه من مجازر بشعة وسقوط مئات الشهداء والجرحى ودمار العديد من المنازل الابراج والمجمعات والوزارات ولمؤسسات الحكومية والأهلية والمستشفيات والمصانع والمعامل والمولات والطرق وعيرها مما لا يقدر على تحمله شعب آخر ورغم كل ذلك الصراع مع الموت والحياة استطاع ابناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بمقاومتهم الباسلة وصمودهم وصبرهم وثباتهم أن يرسموا معادلة الندية والتحدي الجديدة التي لا تراجع عنها وهي انه ( لا أمن ولا استقرار ولا مستقبل لهذا الكيان المحتل ان لم يحصل الشعب الفلسطيني على الأمن والاستقرار والحرية والأمل ) لمستقبله وحياة اجياله
كما اننا لا ننتقص هما من بطولات وتضحيات ابناء الشعب الفلسطيني على مر التاريخ الطويل منذ ان وطأ الاستعمار الانجليزي ثم الاحتلال الاسرائيلي ارضه الطاهرة وما تبعه من صمود وتضحيات توالت فيها قوافل الشهداء في اكثر من معركة ومجزرة جسدت دموية وهمجية الاحتلال المجرم في كل القرى والمدن والمخيمات في الداخل والخارج تعرض فيها الفلسطينيون لقتل النساء والاطفال والشيوخ واغتيال واعتقال وسجن الشباب المقاوم وقلع وتهجير المواطنين المدنيين واغتصاب ارضهم وتدمير بيوتهم وحرق زرعهم ومحاصيلهم واهلاك الضرعهم وابادة حرثهم ونسلهم وفرض ابشع سياسات الفصل والتمييز العنصري لى حياتهم وغيرها ومع كل هذا بقي الفلسطيني ايضا يخرج كالمارد ( من تحت ركام بيته ) ينثر التراب عن جسده ويضمد جراحه ويحمل خنجره وبندقيته وحلمه ليواصل الكفاح والنضال والصمود والتحدي من اجل الكرامة والحرية وتقرير المصير والعودة واقامة دولته المستقلة في كل مواقع القتال والجهاد التي خاضها بكل عزيمة وقوة وثبات
معركة ( سيف القدس ) كانت مختلفة وعبقة منذ بدايتها برائحة النصر المؤزر والصمود الاسطوري والشموخ المعتبر والكبرياء الذي لامس السماء تيها وفخار وكما كانت ترسم في كل يوم صورة الهزيمة والخسران والاذلال الذي حل بالعدو الاسرائيلي خزي وعار كما كان مذاقها مختلف ليست كمثيلاتها في البشرى الا ايام ( بدر والقادسية واليرموك وحطين والكرامة )
هذه المرة وبتنظيم عالي وتخطيط محكم وتكتيك نوعي استطاعت المقاومة ال الفلسطينية الباسلة منع العدو الاسرائيلي من تحقق الأهداف التي أرادها من عدوانه على غزة واهلها حيث لم يتمكن من أوقف إطلاق صواريخ المقاومة التي انهمرت على مستوطناته ومدنه ولم يقد ايضا الحد من مسيرات الاعتراض على احتلاله واجرامه في الضفة الغربية وبين عرب 48 والتي اتخذت طابع المواجهة والعنف والتحدي
وقد تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية ومن ( موقع القوة والندية ) ان تكون أكثر وضوحاً وثقة وبما كشفته حركة حماس مؤخرا بأنها أكدت خلال جهود الوساطات المصرية والقطرية والاردنية والتركية والامريكية للتهدئة ووقف القتال وبنص واضح وصريح مكتوب أن ( أي إجراء يقوم به الاحتلال ضدّ المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جراح والعودة الى اقتحام الأقصى ومصادرة منازل الفلسطينيين في الشيخ جراح ) ستكون المقاومة في حل من هذه التهدئة وستردّ فورا على الاحتلال بما هو مناسب بما في ذلك العودة إلى المعركة والرشقات الصاروخية التي أذلت الاحتلال وكشفت كيانه الهش وأظهرت جيشه المهزوم خاصة بعد تيقن قيادة الجيش الاسرائيلي بان المقاومة علقت ( ضربة صاروخية كبيرة جداً تغطّي كلّ فلسطين من حيفا حتى رامون ) استجابة للوسطاء ومن اجل وضع قيادة الاحتلال أمام اختبار حقيقي في مواقفها ونواياها وهذا الأمر تحديدا ما عجل موافقة المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر ( الكابينت ) على اتخاذ قرار وقف اطلاق النار المتزامن بين فصائل المقاومة الفلسطينية والعدو الاسرائيلي من طرف واحد والتزامه بالحفاظ على استقرار الأوضاع وعدم خرق التهدئة
وبكل اصرار وقوة رفضت فصائل المقاومة اجراء أي مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين مع الموافقة على ابقائها مستمرة من خلال الوسطاء خاصة الاشقاء المصريين لحل القضايا المتعلقة بالقدس وإعادة الإعمار وغيرها بعدما فشل رهان الاحتلال على اخضاع المقاومة تحت وطأة ( إرهابه ومجازره في الحجر والبشر حتى يخرج من المأزق الذي ادخل نفسه فيه ) سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي وبذلك صنع صمود المقاومة العظيم وجهادها الاسطوري العزة والكرامة وسطر سفرا خالدا في تاريخ المجد والكبرياء لمستقبل الاجيال والأمة
لقد حققت مجريات ( احدى عشرة يوم ) من القتال العنيف مع إسرائيل للمقاومة الفلسطينية إنجازات أساسية بعضها كان غير مسبوق من نوعه أهمها أنه في الانتفاضة الجماهيرية الجديدة وعلى عكس الانتفاضات السابقة تحول حجم التعاطف الفلسطيني ومداه إلى نموذج بارز وواعد في غزة والضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1948 والشتات وفي العديد من مدن الدول العربية والاسلامية والعالمية والمخيمات الفلسطينية في جميع أنحاء المنطقة عمل الجميع بروح ثورية غاضبة لتحقيق الانسجام والتعاطف التام تجاه نضال الشعب الفلسطيني الذي شارف علی النسيان بفعل عوامل الاحباط واليأس والخذلان التي ضربت اعماق القضية الفلسطينية عربيا ومحليا
لكن هذا الصمود والإنجاز وتلك الظروف المهينة التي أعقبت صفقة القرن التي أطلقها الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب جاء انتصار المقاومة ليبدد ظلامها ويعلن وأدها إلى الأبد وفي ذات الإطار تعاظمت الحملات لدى الكثير من العرب والمسلمين وانصار القضية الفلسطينية من احرار العالم لمقاومة مشاريع التطبيع والعلاقات المشبوهة مع إسرائيل كما طالبوا المطبعين بـ ( الإنابة والاعتذار والتوبة ) وان يعلموا جيدا ان الرهان على التطبيع والتفكير فيه انهار ( فلا مؤيدو له ولا صامتون عنه ) بعد هذا الانتصار الذي حققته المقاومة
من النتائج المهمة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أن الشعب الفلسطيني عرف ( أصدقاءه الحقيقيين والمتضامنين الصادقين ) معه من اؤلئك المتظاهرين بالصداقة والتضامن ما يستدعي معه وبشكل عاجلا فصل ( الانتهازيين والمتحفظين ) عن الأوفياء الحقيقيين للقضية الفلسطينية وشعبها
كما انه المهم جدا ان نسجل للتاريخ بان اسرائيل اصبحت لأول مرة مدنها وسمائها وبحرها وموانئها ومطاراتها كاملة مكشوفة لصواريخ المقاومة بعدما ثبت على ارض الواقع عدم كفاءة القبة الحديدية وانهزامها امام رشقات الصواريخ المتواصلة على إسرائيل وفي نطاق واسع مما جعل ( النظام الأمني الاسرائيلي معيبًا وعاجز تمامًا وغير فعال )
ولابد ايضا ان نشيد ونقدر عاليا التجربة الناجحة لاستخدام المقاومة للطائرات المسيرة وقواذف الكورنيت والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى والرؤوس الحربية الموجهة نحو کل أرجاء إسرائيل والتي تسببت في انعدام الأمن في بعض المناطق كعسقلان وأشدود وبئر السبع وغيرها وهو ما خلق توازن جديد للرعب زاد في صفوفهم المستوطنين الخوف والهلع والتهديد وانخفاض ثقتهم بالنظام والدولة وعدم رضاهم بتحمل مخاطر العودة والعيش في مناطق غلاف قطاع غزة والتفكير من جديد بالرحيل والهجرة وهو ما يدلل على ( النضج السلوكي للمقاومة ) في ادارة الحرب مقارنة بحربي الـ 22 يومً و الـ 33 يومً السابقتين
لقد سعت اسرائيل من حيث لا تعلم الى توحيد الفلسطينيين وتماسكهم في صف واحد ضدها متناسين الخلافات والانقسامات بالعمل المشترك على تعميق شجاعتهم وتطوير نضالهم في کل أنحاء فلسطين باكتسابهم أساليب ونماذج وادوات جديدة في المواجهات والتظاهر والاحتجاج فقد ( إضراب ما يقرب من مليوني فلسطيني في الأراضي المحتلة وتم إغلاق أجهزة ودوائر مهمة ووقعت الاشتباكات مع القوات الصهيونية بطرق مختلفة تمثلت في شن الهجمات بالأسلحة البيضاء والدهس بالسيارات والاصطدام المباشرة في المدن وقد تجرأ عدد من الشبان على إنزال العلم الاسرائيلي من مواقع حساسة وهامة في الناصرة وحيفا ناهيك عن محاولة المقاومة تسديد هجمات صاروخية مباشر للسفن الإسرائيلية بهدف تعطيل حركة الشحن والتجارة البحرية خاصة وان ( 85٪ من التجارة الإسرائيلية تتم عن طريق البحر )
وفي مستقبل الاجيال سوف يسجل التاريخ الفلسطيني الحديث انه خلال احداث معركة سيف القدس وبطولات المقاومة والشعب في الصمود التصدي والتي اذهلت الاحتلال انتقلت القضية الفلسطينية من ( الاطراف الهامشية ) بعد إقدام بعض العرب علی التطبيع ومسابقة آخرين منهم للانضمام إليه الى موقع الصدارة في الاخبار المحلية والاقليمية والدولية وقد زاد اهتمام الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي عبر الهاشتاغات والوسوم المعبرة المختلفة بما يجري في غزة اضافة الى التعاطف العام للعرب والمسلمين واحرار العالم مع المقاومة واستنكار وادانة جرائم اسرائيل في قتل الاطفال وهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها وتدمير البنى التحتية و كل اسباب الحياة
اننا في هذه السياقات للأحداث المشرقة والمؤلمة نشد على أيادي رجال فصائل المقاومة الفلسطينية الباسلة وشعب غزة الصامد ونبارك لهم هذا الانتصار العظيم وندعوهم للبقاء على ما هم عليه من الثبات والصبر والتحدي والاعداد والرصد والاستطلاع والتدريب والتجهيز والتصنيع وزيادة تحصين شبكة الانفاق لأن هذا العدو الغادر لن يستكين ابدا لهزيمته المرة وسيبقى يسعى جاهداً لإعادة الاعتبار لجيشه وثقة مجتمعه به عندما تحين الفرص له وفي الوقت نفسه ندعو الشعوب العربية والإسلامية وكل الاحرار العالم أن يبقوا على وقفتهم الراسخة مع هذا الشعب بعد العدوان لمساعدته على لملمة ج جراحاته وبناء ما تهدم
ختاما بكل تأكيد ستبقى هذه الملحمة البطولية الخالدة ( سيف القدس ) علامة فارقة وحدثا مهما في سفر التاريخ المشرف ومذكرات البطولة والصمود والتحدي تذكر الاجيال والأمة بأيام العزة والكبرياء حين تجدد الموعد مع التضحية والمثابرة والصمود والتكافل والعزيمة التي تفوقت على كل الظروف المحيطة وغطرسة القوة الغاشمة ولقنت العدو درسا قاسيا في الحرب والمواجهة لتؤسس بنتائجها تحول استراتيجي لبداية ( التاريخ الفلسطيني الجديد ) معطر برائحة الدو والشهادة ومكلل بالغار والظفار
mahdimubarak@gmail.com