حتى وان تم اسدال الستارة على قضية النائب اسامة العجارمة بقبول الاستقالة او رفضها, فهل تنتهي المشكلة المفتوحة على مشاكل كاشفة لكثير من الاختلالات في البنية الاجتماعية والسياسية في الاردن؟
سؤال ليس برسم القلق فقط بل برسم ضرورة الاجابة, سأجازف بالقول اننا مدينون للنائب العجارمة, لأنه فتح الباب على الكثير من المسكوت عنه في المجتمع السياسي والمجتمع الاجتماعي, فهل العشيرة حاضنة سياسية, وبالتالي لها حقوق في المناصب والمواقع, فنحن كثيرا ما سمعنا مطالبات عشائرية عن ضعف تمثيلها في المواقع السياسية ولغياب ابنائها عن المواقع المتقدمة في السلك الرسمي, ولم نسمع من أي مسؤول نفي او رفض لهذه المطالب, وهذا بالعرف السياسي قبول او اعتراف بمشروعية الطلب.
تتحدث الألسنة الحكومية كلها ودون استثناء عن دور الجغرافيا في السياسة ورأينا حكومات تستعجل التعديل لمجرد اغفالها محافظة عن التمثيل والشواهد كثيرة, من حكومة فيصل الفايز التي اغفلت الشمال او حكومة عدنان بدران التي اغفلت الجنوب, ولم ينبس أحد ببنت شفة لادانة ذلك, بل الجميع اشاد بحسن استجابة الرئيسين لهذا الاختلال, فهل المحافظات كيانات غير مأهولة بالسكان, وأليس سكانها مجموعات من عشائرنا الكريمة, فلماذا تضيق صدورنا اليوم؟
هل انتجنا حالة تعبير سياسي ومدني للشعب الاردني حتى يجد المواطن نفسه في التمثيل الحزبي والنقابي وتلاوين العمل المدني, ام منحنا التمثيل والتعيين والمقاعد الجامعية على اسس مناطقية وعشائرية؟
وبعدها نلوم الناس على حرصهم على التمسك بأدوات قوتهم؟ وحتى لا يظن أحد انني استقصد منبتا معينا او منطقة جغرافية بعينها, فإنني اقصد حتى المقاعد الجامعية الممنوحة لابناء المخيمات, والمحاصصة في التعيينات لابناء المحافظات شرقا وغربا, فنحن لم نعتمد الكفاءة والنزاهة, بل اعتمدنا القربى والمحاصصة والتمثيل الجغرافي والديمغرافي بدل السياسي والكفاءة, وأذعن الجميع برغبة لذلك, فلا يتبجحن طرف على طرف او مكون على مكون, فالجميع قبل اللعبة وعارضها فقط حين تجاوزت مصالحه الذاتية. الايام القليلة الماضية استيقظنا جميعا على صدمة ليست الاولى ولكنها اقسى من السابقات, فحادثة الفتنة وتبعاتها ما زالت حاضرة وحرب غزة ونصر المقاومة اثار في النفوس الكثير من الامل والوعي وبعض النرجسية او الانتهازية لركوب الموجة, ولكننا كعقل جمعي اسسنا لذلك وقبلناه, برغبة واذعان, واختلفنا على الحصة ولم نختلف على مبدأ المحاصصة, فالجميع كان يستخدم اصابعه او اوراقه لاحصاء كم وزير من هذا المكون او ذاك, وكم عين وكم نائب, بل وكم قاضٍ, فهل هناك اسوأ من ذلك؟
سأغامر اكثر بالمجازفة, واقول ان ثمة خلايا دماغية في عقل الدولة قد استأنست وفرحت لشكل التعبير العشائري نصرة للقدس وفلسطين, وسعت الى استثماره لاخافة العقل الغربي وتحديدا الامريكي والصهيوني, لكننا اختلفنا على النتيجة ولم نختلف على السبب, فالنتيجة ان سعت افرادا وجماعات للاستئثار بالخطوة ولم تقم ببيعها للسياسي الرسمي كي يستثمرها لصالحه حصريا بعد حادثة الفتنة.
الم نفرح ونحن نحتفل بذبح المواطنة على مسلخ الربيع العربي ونحن نفخر بأن مكونا كبيرا غاب عن المشاركة لاسباب اقليمية وليست لاسباب سياسية لها علاقة بتقدير الموقف؟ ألم نستمتع – واقصد العقل الرسمي – بتشويه احداث السبعين وتثقيفها كصدام اهلي بين مكونين, وليست مواجهة بين السلطة والخارجين على السلطة؟
نحن جميعا مدانون, وعلينا التخلص من الخطايا بالاعتراف والمراجعة والاعتذار للاجيال الشابة, والقيام باصلاحات حقيقية وجذرية تُعلي قيم المواطنة وتنبذ الهويات الفرعية والتهويات الاقليمية, وتُعيد الامور الى نصابها, فالعشيرة مخزن بشري استراتيجي للدولة, لكن العشائرية والاستثمار فيها خطيئة سياسية, ولا خيار لنا الا بدولة القانون والمؤسسات فعلا لا تنظيرا, فلم يعد احد يشتري بضاعتنا.
omarkallab@yahoo.com