منذ نجاح الرئيس الراحل ياسر عرفات، في نقل العنوان والموضوع الفلسطيني من المنفى إلى الوطن بفعل عاملي: 1- الانتفاضة الأولى عام 1987 ونتائجها وتداعياتها، 2- اتفاق أوسلو عام 1993، بكل ما له وما عليه، ولكنه حقق نتيجة هامة أنه فتح بوابات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المباشر ليكون داخل الوطن وليس خارج فلسطين، بأدوات فلسطينية، في مواجهة عدو الشعب الفلسطيني، الذي لا عدو له سوى من يحتل أرضه، ويصادر حقوقه، وينتهك كرامته: المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وأدواته وأجهزته وداعميه، وهو أهم تطور أنجزته الثورة الفلسطينية أنها صنعت حقائقها على أرض وطنها.
أما الإنجاز السياسي الآخر يتمثل بالإنحياز الدولي لصالح عدالة القضية الفلسطينية بما فيها تطور نسبي لدى البلدان التي ساهمت في صناعة المستعمرة الإسرائيلية على أرض فلسطين وأهمها بريطانيا بقراراتها، وفرنسا بأسلحتها التقليدية والنووية، وألمانيا بتعويضاتها المالية وتدفق الطاقة البشرية من سكانها إلى فلسطين.
الولايات المتحدة تشكل اليوم الاحتياط الاستراتيجي، الداعم للمستعمرة لسببين: أولهما لوجود التيار المسيحي الإنجيليكاني المؤمن عقائدياً ودينياً بمشروع المستعمرة، وهي طائفة قوية تتجاوز الخمسين مليون نسمة مؤثرة على نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وثانيهما وجود طائفة يهودية متنفذة مسخرة لخدمة المستعمرة وبرامجها ومشروعها.
ولذلك تشكل الولايات المتحدة المظلة الحامية لتل أبيب، ولهذا تعتبر المحطة الثانية للنضال السياسي الفلسطيني بعد العمل داخل فلسطين نظراً لأهميتها الاستراتيجية وتأثيرها في إسناد المستعمرة ودعمها وحمايتها.
الفلسطينيون، رغم غياب التغطية الإعلامية قطعوا شوطاً مهماً في انتزاع حضورهم السياسي المستقل باسم «المجلس الفلسطيني» كعنوان قيادي لهم داخل الولايات المتحدة، وهم يشكلون طليعة مع العرب والمسلمين والأفارقة والاقليات الأخرى لدعم القضايا المشتركة، وأبرز إنجاز حققوه ربط قضيتهم الفلسطينية بقضية العدالة التي يتطلع لها الأميركيون من أصول إفريقية، وبات النضال متطابقاً بين قضيتي الأفارقة في الولايات المتحدة وبين الفلسطينيين داخل وطنهم فلسطين، ونجحوا في تشكيل عناوين لعملهم السياسي يحمل مسميات « من أجل العدالة في فلسطين» في الجامعات والنقابات والكنائس ومؤسسات المجتمع المدني، بما فيها منظمة «يهود من أجل العدالة في فلسطين».
الحضور الفلسطيني برز في ظاهرتين: أولهما في الانتخابات الأميركية التي جرت يوم 3/11/2020 عبر المساهمة لإنجاح مرشح الحزب الديمقراطي جون بايدن، حيث كان لهم الدور الملموس مع العرب والمسلمين والأفارقة في نجاح بايدن لدى الولايات المتأرجحة غير المحسومة، وقد عقدوا ثلاث اجتماعات قبل الانتخابات مع طوني بلينكن الذي تولى حقيبة الخارجية كان آخرها يوم 30/10/2020 أي قبل الانتخابات بأربعة أيام لتنسيق العمل من أجل الهدف المشترك وهو نجاح جون بايدن.
أما الظاهرة الثانية فهي حشد المؤيدين للمشاركة في المظاهرات التضامنية مع فلسطين مع أيام انتفاضة القدس في شهر رمضان وخاصة بعد 10 أيار 2021، وقد سجلوا رقماً قياسياً تنظيم 64 مظاهرة لدى 60 مدينة أميركية في يوم واحد، وقد تراوح عدد المشاركين في كل مظاهرة من 50 شخصاً لدى المدن الصغيرة إلى 25 ألف متظاهر متضامن في شيكاغو مثلاً.
آخر لقاء مع وزير الخارجية الأميركي بلينكن كان صباح يوم الجمعة 4 حزيران 2021 مع ممثلي المؤسسات الفلسطينية وحضرها تسعة من قياداتها المحلية وهم: سمر علي، غادة النجار، ميسون زايد، جيمس زغبي، جورج سالم، طالب سهل، داني حرب، خليل برهم وحنا حنانيا، ناقشوا فيه القضايا السياسية التي تهم شعبهم الفلسطيني، ولكن الحصيلة الهامة أن وزير خارجية الولايات المتحدة التقى مع ممثلي الجالية الفلسطينية بشكل ندي ومستقل، وهو تطور وحدث سياسي غير مسبوق، سيكون له تداعيات ونتائج على كيفية التعامل الرسمي الأميركي مع الشعب الفلسطيني وقضاياه الوطنية.