مهدي مبارك عبدالله - بداية نؤكد ما يعلمه الجميع بان القضية الفلسطينية لم تكن في يومٍ من الأيام قضية تخص الفلسطينيين وحدهم بل كانت ومازالت قضية العرب في كل مكان فلأجلها قدم العرب آلاف الشهداء ومئات من الأسرى إذ لا تكاد تخل دولة عربية من المشاركة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي أو التمثيل داخل سجونه ومعتقلاته منذ احتلاله لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967 حيث كان هناك في السجن ( مدرسة صقل الرجال ) أسرى مصريون ولبنانيون وأردنيون وسوريون وعراقيون ومغربيون وسودانيون وجزائريون وتونسيون وسعوديون وليبيون وغيرهم من المسلمين وبعض المناضلين من ثوار واحرار العالم
وما وجود العديد من الأسرى الأردنيين عبر السنوات الماضية حتى اليوم في السجون الاسرائيلية الا دليل معمد بالتضحيات والبطولات والفداء يؤكد كل يوم بأن الشعب الأردني هو ( الأكثر قربا وارتباطا بالقضية الفلسطينية ) وأن ( الشعبين الأردني والفلسطيني شعب واحد وليس شعبين ) وان ( الجرح الفلسطيني هو جرح أردني نازف ) لا فرق فيه بين الدماء والشهادة والمقاومة والمعاناة
لقد احسنت الحكومة صنعا وحققت سبقا مقدرا بإعلانها قبل ايام عبر وزير اعلامها المهندس صخر دوين عن نيتها ( القيام بترتيبات خاصة تتولاها وزارة الخارجية ) لتكريم الأسير المحرر عبدالله نوح أبو جابر تليق بحجم التضحيات التي قدمها خلال 20 عام من الاعتقال في سجون الاحتلال الاسرائيلي باعتبار أن الأسرى هم خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية والأردن بصمودهم وارادتهم وتضحياتهم في سبيل الوطن وكرامته وأن تحرير من تبقى منهم يمثل قضية وطنية عليا تنطلق من أهميتها السياسية والإنسانية والاجتماعية وتلقى المتابعة الحثيثة والتوجيهات الكريمة المباشرة من لدن سيد البلاد جلالة الملك
المبادرة الحكومية جديدة من ( نوعها في الجانب الرسمي ) بعدما كانت النقابات المهنية وأحزاب المعارضة ولجنة مقاومة التطبيع واللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين في إسرائيل وبعض الجهات الاخرى تتسيد المشهد الوطني دائما في الدعوات واقامة الاحتفالات لتكريم الأسرى الاردنيين المحررين وهي ايضا خطوة حكومية لافتة تستحق الشكر والاشادة والتقدير والثناء رغم ان البعض وجد فيها ( ضربة معلم ) وسياسة عملية وناجحة من الحكومة لسحب البساط من تحت اقدام الكثيرين ممن يتخذون من هذه الاحتفالات الجماهيرية مناسبات للاستعراض الشعبوي ومنصات للشهرة والتشهير بالنقدهم القاسي للحكومة واتهامها بالتقصير والتفريط واللامبالاة حيال قضية الاسرى الاردنيين في سجون الاحتلال وعدم سعيها لتحريريهم أو حتى تحسين ظروف اعتقالهم وعدم اهتمامها بكشف عن مصير المفقودين منهم ورفضها استخدام ( قضية الاسرائيلي المتسلل ) للضغط من اجل اجراء عملية تبادل لتحرر أسرِنا
الأسير عبدالله أبو جابر ( 44 عام ) نشأ وترعرع في مخيم البقعة قرب العاصمة عمّان ثم انتقل في عام 2000 إلى الضفة الغربية لزيارة أحد أقربائه في الداخل الفلسطيني المحتل وفي 29 من كانون الأول من نفس العام اعتقلته قوات الاحتلال بتهمة المقاومة خلال فترة انتفاضة الأقصى وحكم عليه بالسجن المؤبد 20 عام وهو أقدم أسير أردني في سجون الاحتلال لم تتمكن عائلته من زيارته خلال أسره الا مرتين فقط كما أنه فقد والديه وشقيقته قبل أعوام قليلة من نهاية محكوميته وحرم من وداعهم كما المئات من الأسرى في سجون الاحتلال خاض أبو جابر في معتقله عدة إضرابات عن الطعام كان أبرزها إضرابه عن الطعام في أواخر عام 2015 لمدة (45) يوما للمطالبة بالإفراج عنه إلا أن وضعه أصبح خطيرا جداً ونقل على أثره إلى مستشفى العفولة وقد هدد بإجباره على التغذية القسرية في حال استمر باضرابه مما اضطره الى فكه
بعد انتهاء محكوميته البالغة 20 عام والاعلان عن قرب اطلاق صراحه قامت سلطات الاحتلال بالمماطلة وتأخير اجراءات وموعد الافراج عنه في محاولة للتلاعب بأعصاب أهله ودفعتهم للانتظار الطويل والتنغيص على فرحنهم وأبناء الشعب الأردني وافساد الابتهاج والاحتفال باستقباله قبل وصوله لمعبر الشيخ حسين حيث تم تحويله للتحقيق ومن ثم إعادته إلى سجن النقب في فلسطين المحتلة وهذا ليس غريب الاحتلال الاسرائيلي الذي يسعى لمحاربة أي مظاهر للفرح أو الفخر بالأسرى فقد دأب الاحتلال على إعادة اعتقال الأسرى بعد الإفراج عنهم بساعات لانه يغيظ الاحتلال وقوف الأردنيين مع المقاومة وتضامنهم مع أهل فلسطين ونصرتهم للأسرى الذين يعتبرونهم أبطالاً أوفياء للوطن وفلسطين والامة والمقدسات
ان ما قام به الاسير المحرر ابو جابر من عمل بطولي ومشرف في أولى عمليات في الانتفاضة حين ( زرع عبوة ناسفة مؤقتة في حافلة مستوطنين بتل أبيب انفجرت وأصيب بها عشرة مستوطنين بعضهم كانت جراحهم خطيرة ) ليس بالأمر العادي ومن الطبيعي أن يحظى بمثل ما حظي به من التكريم والتقدير لما قدمه في سبيل كرامة الارض والوطن والأمة وبما قارع به السجان وصبر في محنته لهذا ماطل الاحتلال غير مرة بمقترح اردني لاستكمال مدة محكوميته في بلده لقضائه ( ثلثي مدة سجنه في سجون الاحتلال ) لكن الاحتلال كعادته سوف وأخلف وعوده ليستمر بحبسه داخل زنزانته في سجن النقب في الأراضي المحتلة حتى انتهاء محكوميته
ان فرحتنا بلا شك كبيرة بأطلاق صراح الاسير ابو جابر وكم كان مبهجا رؤية مئات المواطنين من مختلف مناطق المملكة يتوافدون على بيته وخيمة المهنئين في عرسٍ وطني رائع فضلا عن الزغاريد وتوزيع الحلوى والزهور في الشوارع والحارات والازقة في المخيم وبعض المدن لكنها رغم كل ذلك بقيت فرحة منقوصة ولن تكتمل حتى يتم الافراج عن كل ابنائنا الاسرى ( 22 أردنيا تعتقلهم السلطات الإسرائيلية ) ولابد في هذا المقام وللإنصاف من توجيه الشكر والتقدير للجهود الكبيرة التي بذلها و يبذلها جلالة الملك عبدالله الثانـي بن الحسين والحكومة في سبيل الافراج عن باقي الاسرى وانهاء معاناتهم في السجون الاسرائيلية ودعم صمودهم وهم يسطرون تاريخ العزة والكرامة خلف القضبان مؤكدين من ثرى الاردن الطهور أن ( حقهم سيبقى أقوى من ظلمهم وأن صبرهم سينتصر على السجان ) كما نطالب بتقديم كل اشكال العناية والرعاية لذويهم وهم بانتظار الافراج عن ابنائهم
نحن في الأردن لا ننسى ابناءنا في سجون الاحتلال وملف الأسرى يؤرقنا خاصة وان الأسرى الأردنيون في خطر مستمر ولهذا فأننا نؤكد من جديد على أهمية الاستمرار في النضال بشتى الوسائل من أجل تحرير جميع الأسرى والمعتقلين الاردنيين من سجون الاحتلال وبذل الجهود المخلصة واستثمار كل الظروف والمناسبات لتفعيل قضية الأسرى الاردنيين باعتبارها قضية كرامة لكل اردني والعمل بصورة دائمة على بقاء قضيتهم حيوية وثابتة في جميع المحافل السياسية والقانونية اضافة الى تكثيف الجهود الرسمية لكشف عن مصير المفقودين في اسرائيل ونحن من فوق هذه الارض العربية الابية نقول لا سرانا ( انكم عما قريب بأذن الله ستتحررون ) وأن في خلاصكم مفخرة وطنية لنا ومن حقنا أن نفتخر بعودتكم من سجون الاحتلال ( ما بدنا ترجعوا لنا بالأكفان ) كما حصل مع الأسير سامي أبو دياك الذي مات في سجن سوروكا بعد تدهور حالته الصحية بعد اصابته بمرض السرطان ودفن في الأردن بناء على طلب ذويه
الأسرى والمعتقلين الاردنيين والفلسطينيين والعرب وغيرهم ( هم صناع مجد نضالي ورجال أبطال عمدوا المواجهة بتضحياتهم وصمودهم أمام الإرهاب الصهيوني بتاريخ مشرف من البطولات الإنجازات التي يفتخر بها الجميع ) وها هي المقاومة الفلسطينية الباسلة تبشرنا بتكرار تجربة صفقة وفاء الأحرار ( صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ) بأطلاق اكبر عدد من الاسرى مقابل ما في يدها من جنود اسرائيليين استطاعت اسرهم خلال حرب عام 2014 وان املنا كبير بان تشمل الصفقة جميع الاسرى الاردنيين
فلسطين والقدس والاقصى ستبقى قضية الاردنيين الاولى تهون من اجلها الدماء والارواح بالتحدي والمقاومة والاصرار على نصرة اخواننا الفلسطينيين لن يوقفها ارهاب السجون والمعتقلات وستظل ثورية وفدائية وبطولة وحماسة الاردني تغلى في المرجل حتى تحرير الارض والانسان وكنس الاحتلال ونذكر هنا للاستدلال فقط ما قاله عميد الأسرى الأردنيين الاسير المحرر ( سلطان العجلوني ) في المهرجان الكبير للاحتفال بالأفراج عنه في 21 / 8 / 2008 عندما أقسم أنه ( سيعبر نهر الأردن مرة أخرى ولكن ليس وحده كما حدث سابقا في إيماءة إلى العملية التي نفذها عام 1990 على الحدود الأردنية مع فلسطين وقتل خلالها جنديا إسرائيليا وجرح آخر وإنما سيعبر بمعية الأمة )
بعض الحكومات الاردنية السابقة نجحت في تحرير أسرى اردنيين في عمليات تبادل مع إسرائيل كان من أشهرها العملية التي حرر فيها الشيخ أحمد ياسين في عام 1997 والتي بادلت فيها المملكة الأردنية ياسين بعميلين للمخابرات الإسرائيلية اعتقلا في عمّان بعد فشلهما في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك خالد مشعل وفي العام 1968 أفرج الاحتلال عن 12 أسيرا أردنيا مقابل تسليم الأردن جثة جندي إسرائيلي قتل في معركة الكرامة وسبق ذلك أيضا عملية تبادل سبعة عشر أسيرا أردنيا لدى إسرائيل مقابل 673 جنديا إسرائيليا أسيرا لدى الأردن بعد حرب كما كان لتدخل جلالة الملك وجهود الحكومة دور كبير في الافراج عن بعض الاسرى الأردنيين منهم على سبيل المثال هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي وغيرهم اضافة الى الأسيرين المحررين اخيرا ( خليفة العنوز ومصعب الدعجة )
بقي ان نقول ان الكثير من الاردنيين لا زالوا يروا إن لدى الحكومة أكثر من ورقة ضغط يمكن استخدامها للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي من أجل تحرير الأسرى الأردنيين منها) استخدام اتفاقية الغاز مع إسرائيل ومشروع المنطقة الحرة المشتركة واستغلال الموقع الجغرافي للأردن غير المريح للإسرائيليين ) ومن المهم التأكيد بانه يجب أن ( يعامل ابنائنا كأسرى حرب ) وليسوا مجرمين جنائيين كما قال احد وزراء الداخلية السابقين حين صرح في مقابلته مع برنامج ( شاهد على العصر ) على قناة الجزيرة بانه ليس لدينا ( أسرى وان هؤلاء الاردنيين المسجونين في اسرائيل هم افراد جنائيين ومجرمين ) ثم اعترفت بعدها الحكومة بوجود الأسرى الاردنيين في سجول الاحتلال
ومع هذا التكريم الرسمي للأسير المحرر ابو جابر نكرر النداء والرجاء للحكومة بالضغط على الاحتلال للإفراج عن 22 أسيرا أردنيا لازالوا يقبعون في سجون الاحتلال ثمانية منهم محكومين بالسجن المؤبد وهم في حالة خطر داهم ومعاناة كبيرة بالإضافة إلى ضرورة المتابعة للكشف عن مصير المفقودين الأردنيين البالغ عددهم 33 مفقودا والاهتمام بطلب الاسير ابو جابر بمقابلة جلالة الملك ليزداد شرف على شرف وتكريم على تكريم
اجمل آيات التهنئة والتبريك نزفها للأسير المحرر البطل عبد الله ابو جابر وعائلته وذويه واصدقائه وصادق التقدير والاعتزاز والفخر بما قام به من عمل بطولي مجاهد ضد الاحتلال وادواته والله نسأل له الاجر والثواب على ما قضى من زهرة عمره في المعاناة والتعذيب وان يديم الله عليه اثواب الصحة والعافية وسبل التوفيق والنجاح لقد فكر الأسير عبد الله أبو جابر خارج الصندوق وزار فلسطين وأقام فيها ونفذ عملية ضد الاحتلال الاسرائيلي فكان أثره أقوى من كل أولئك الذين يكتفون بمواقف الادانة والشجب والاستنكار ولا يفكرون بأكثر من ذلك
mahdimubarak@gmail.com