مهدي مبارك عبد الله - عندما نستعيد ذكريات ومجريات الحرب على العراق بعد مرور 18 عام على وقوعها فإننا نتوقف عند نتائج الغزو الأميركي للعراق وأسبابه وماذا حقق للعراقيين بعد هذه السنين وعملية الخداع وتضليل الرأي العام التي استخدمتها الإدارتان الأميركية والبريطانية في حينه بأن العراق كان يمتلك أسلحة محظورة ويهدد السلم والأمن الدولي
الحقيقة المؤكدة انه بعد الغزو الامريكي تصدر العراق قائمة الدول الفاشلة التي ينخر جسدها الفساد والطائفية وهو ما وضع العراق على طريق الفوضى ولم يحقق الاحتلال للعراقيين ما روج له من أمن واستقرار كما انه لم يتحول إلى واحة للحرية والديمقراطية والازدهار حسبما أوهموا العراقيون الذين يواصلون ثورتهم على ما خلفه الاحتلال الامريكي من نظام سياسي منهار وكيانات محاصصة طائفية متناحرة جرت البلاد نحو الاقتتال والخراب والانقسام وتدمير البنية التحتية ونظام الرعاية الصحي وتشريد المواطنين
في التاسع من نيسان عام 2003 أطاح جنود أمريكان بتمثال صدام حسين امام ملايين الشاشات حول العالم في العاصمة بغداد والتي أوقعت الشرق الأوسط في حالة من الفوضى العارمة والتي كلفت نحو 650 ألف قتيل ونصف مليون من الضحايا بحسب تقديرات المجلة الطبية الأقدم والأشهر في العالم ( لانسيت ) في عام 2006 وبعد مرور خمسة عشر عاماً تبين أن الحرب على العراق بنيت أن أسباب هذه العملية العسكرية وحمام الدماء هذا بالمعنى الحقيقي للكلمة كانت مبنية على جملة من الاباطيل والأكاذيب المفبركة سلفا
ولا تزال صورة وزير الخارجية الأمريكية كولن باول في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي في 5 شباط عام 2003 ماثلة امام الكثيرين حين شغل قبل ستة أسابيع على بدء الحرب آنذالك الرأي العالم لمدة 76 دقيقة بحديثه عن ضرورة شن حرب على العراق مدعوم برسوم توضيحية بسبب امتلاك الريس الراحل صدام حسين أسلحة دمار شامل وكيميائي مزدوج فضلا عن الادعاء بدعمه لنظام الإرهاب الدولي وسعيه إلى صنع أسلحة نووية وانه أمر بتحويل أسطول من الشاحنات إلى مختبرات كيميائية ومخابئ للأسلحة البيولوجية وللأسف كل هذه الادعاءات تبينت فيما بعد أنها خاطئة وعلى اثرها وصف ( كولن باول ) بنفسه في ذلك الخطاب في عام 2005 بأنه يعد وصمة عار في حياته المهنية
كشف مؤخرا فيلم وثائقي لمارك فايسبروت مدير مركز البحوث الاقتصادية والسياسية في واشنطن النقاب عن الدور الخبيث الذي لعبه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في احتلال العراق في العام 2003 مستذكرا العبارات التي قالها وهو يعلن الحرب على العراق (بينما أتحدث إليكم، فإن قوات التحالف الأمريكي تنجز المراحل الأولى من العمليات العسكرية لنزع سلاح العراق وتحرير شعبه وإنقاذ العالم من خطر كبير ) والتي كانت كلفتها باهظة الثمن حيث قتل أكثر من 4575 جندي أمريكي والآلاف من المتعاقدين العسكريين وهذا لا يشمل حالات الانتحار التي يتراوح عددها وفقاً لبيانات إدارة المحاربين القدامى بين 9 آلاف و10 آلاف حالة انتحار إضافة إلى جرح عشرات الآلاف الآخرين منهم أما الخسائر في الجانب العراقي فكانت كارثية مئات الآلاف من الشهداء العراقيين المدنيين والعسكريين وملايين الجرحى كما خلفت دماراً هائلاً في البنى التحتية، ونقصاً حاداً في المواد الغذائية والطبية إضافة إلى انتشار الفوضى والإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتصبح بعدها امريكا شرطي العالم الأوحد
الرئيس بايدن خلال التحضير للعدوان على العراق في عام 2002 قال مرات عديدة انني ( أرى إن الرئيس بوش محق في قلقه بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق في حال تمكن من استخدامها أو مشاركتها مع الإرهابيين. وبعد شهرين من ذلك وبينما كان مجلس الشيوخ يناقش ما إذا كان سيمنح الرئيس جورج دبليو بوش السلطة لبدء حرب مع العراق جادل بايدن بقوة للحصول على التفويض بالقول ( الهدف هو إجبار العراق على تدمير أسلحة الدمار الشامل غير المشروعة وبرنامج تطوير وإنتاج الصواريخ وأسلحة أخرى من هذا القبيل )
لقد قام بايدن فعليا بما هو أكثر من مجرد الدعم والتصويت للحرب حيث كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية القوية في مجلس الشيوخ وقد استخدم فعلياً سيطرته على تلك اللجنة لضمان تصويت غالبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على منح الإذن بالحرب وتلك نقطة مهمة للغاية وموضع جدل كبير حول ان التفويض ببدء الحرب ما كان يمكن أن يمر عبر الكونغرس لولا كل ما فعله بايدن للحصول على الموافقة عليه ولهذا فقد لعب دوراً رئيسياً في الدفع نحو غزو العراق وهو يتحمل المسؤولية الأكبر من باقي أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين الذين صوتوا ببساطة لصالح الغزو
لقد كان يعي بايدن جيدا ان البيان الأمريكي الخاص بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية العراقية كان مضللاً بعدما حذر منه العديد من الخبراء وطالبوا بعرض ما لديهم من حقائق امام جلسات مجلس الشيوخ لكن بايدن لم يسمح لهؤلاء الخبراء بالإدلاء بشهاداتهم وبصفته رئيساً للجنة العلاقات الخارجية كان قادراً على التحكم بمناقشات مجلس الشيوخ حول الحرب وبالتالي فإن الكثير من المعلومات التي تلقاها معظم النواب ووسائل الإعلام الكبرى كانت معلومات كاذبة وان كانت الفكرة القائلة بأن العراق يشكل تهديداً كبيراً للولايات المتحدة والعالم مجرد هراء وافتراء خاصة وأن العراق تخلص من أسلحته غير التقليدية وبرامج أسلحته وأنظمته وخضع لأشد العقوبات الاقتصادية التي لم تشهدها أي دولة على الإطلاق حتى ذلك الوقت ومع ذلك عززت الشهادات المزورة بشكل خاص الذرائع المؤيدة للحرب
للتاريخ والحقيقة كان هناك ديمقراطيون في مجلس الشيوخ يريدون الحد من قدرة بوش على بدء حرب في العراق إلا أن بايدن وقف في وجههم واتخذ الموقف المؤيد للحرب واستخدم دوره ثانية للحد من النقاش مما وفرما يكفي من الانشقاقات عن الأغلبية الديموقراطية للانضمام إلى الدعم الكبير للجمهوريين لتمرير قرار الحرب
من اهم الاكاذيب والافتراءات التي سوقتها ادارة الرئيس بوش لغزو العراق داخل الكنغرس انه ( يمتلك العراق ما يكفي من اليورانيوم المستخدم للأغراض العسكرية وبناءه ثلاثة أسلحة نووية بحلول عام 2005 ومن الصعب للغاية رؤية كيف سيكون أي إجراء ما لم يتم تغيير النظام فعلاً لان النظام العراقي بزعامة الرئيس صدام حسين يسمح لأعضاء القاعدة المعروفين بالعيش والتحرك بحرية في العراق ومرحب بهم مع عائلاتهم ناهيك عن الادعاء بان العراقيين يريدون التحرر من صدام حسين وهم يعرفون أيضاً أن الدولة الوحيدة التي يمكن أن تساعدهم في هذا الاتجاه هي الولايات المتحدة وهم مستعدون للترحيب بالولايات المتحدة كمحررة لهم
في هذه الاثناء اعترض السيناتور ( لينكولن تشافي ) من ولاية رود آيلاند على تضخيم الأدلة والبيانات لكن بايدن قاطعه بالقول ( أعتقد أنه كان من الجيد الحصول على هذه الرؤية من مجموعة الخبراء حول وجود تهديد حقيقي واننا ندعوك للاستماع والتعليق على بعض أقوال كبار المسؤولين العسكريين ومنهم أعضاء هيئة الأركان العسكرية ) كما اعترض بايدن على مداخلة السيناتور تشافي الذي أثار التساؤل بخصوص وجود تحيز وعدم نزاهة الشهود الذين سمح لهم بالإدلاء بشهاداتهم وان بعض أعضاء مجلس الشيوخ ووسائل الإعلام الكبرى ضللوا في المعلومات وشوهوا الحقائق وان الحرب تمت خصخصتها بالتعاقد مع شركات خاصة لتمويلها مقابل استفادتها منها وتشير التقديرات إلى أن عدد المتعاقدين بلغ 4500 عامل متعاقد رجالاً ونساءً ممن نفذوا مهام عسكرية كان يمكن أن ينفذها جنود امريكيون وفي الكونغرس الأمريكي كانت إحدى القصص الكاذبة التي استخدمتها إدارة بوش للترويج للحرب مع العراق هي أن صدام حسين كان في الواقع على صلة بالقاعدة وبمنفذي هجمات 11 أيلول
يعي معظم الساسة الامريكيون ان خلق تنظيم داعش كان نتيجة مباشرة لوجود تنظيم القاعدة في العراق الذي نشأ بعد غزو العراق والإطاحة بالنظام والحكومة الشرعية وهو ما ادى الى ثورة العراقيين ضد ما اعتبروه احتلالاً غير شرعي واستقطاب كل المتطرفين والجهاديين من كل العالم إلى العراق واكتسبوا خبرة في الحروب المستقبلية، ولولا خطيئة غزو العراق لما كان على الامريكيين التعامل مع داعش اليوم
من الضروري في هذا السياق ان نذكر انه عندما كان الرئيس صدام حسين في السلطة لم يتسامح مع أي شكل من أشكال التطرف الديني وأن الحكومة لم تكن متدينة بما فيه الكفاية وانه لم تكن هناك فرصة للقاعدة أو أي جماعة دينية متطرفة أخرى لكسب موطئ قدم في العراق طالما كان صدام في السلطة وأنه كان من الخطأ الذهاب إلى العراق وفي جميع الملفات الاستخبارية ليس هنالك أي دليل على الإطلاق بوجود صلة بين صدام والقاعدة وبذلك خدع الشعب الأمريكي في هذه الحرب وأن الأمر لم يكن يستحق كل هذه التكلفة مهما كانت الفائدة التي قد تأتي من غزو للعراق كما ويعتقد بان رأسماليين مفترسين وشركات مثل ( لوكهيد مارتن ) و ( إكسون موبيل ) حققوا ثروة طائلة من هذه الحرب
بعد الغزو الأمريكي للعراق بقيادة بوش حافظ بايدن على دعمه للحرب لسنوات الا انه في 15 / 1 / 2020 قال جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق في مناظرة الحزب الديمقراطي السابعة لاختيار مرشح الرئاسة إنه ارتكب خطأ في التصويت لصالح قرار الحرب في العراق وأنه ( شعر براحة عندما طلب منه الرئيس باراك أوباما سحب القوات الأمريكية من الحرب في العراق والكثيرون يقولن بان تصريحاته ومواقفه الجديد ةمن حرب العراق جاءت خوفا من تهدد فرصته في الفوز في في السباق الانتخابي نحو البيت الابيض وبسبب تفاقم مشكلته في حينه مع تيار اقصى اليسار في الحزب الديمقراطي صرح ايضا بان الرئيس بوش خدعني بما قدمع الي من معلومات مضللة حول الحرب
الرئيس الامريكي جوايدن سياسي أمريكي يبلغ بايدن من العمر 77 عام ولد في ولاية بنسلفانيا في 20 نوفمبر 1942 في مدينة سكرانتون وكان والده يعمل في تنظيف الأفران وفي مجال بيع السيارات المستعملة عمل بايدن لفترة وجيزة محامياً قبل أن يتجه إلى السياسة ليصبح خامس أصغر سيناتور أمريكي في التاريخ حيث مثل عن ولاية ديلاوير كسيناتور منذ عام 1973حتى وصل الى منصب نائب الرئيس السابق أوباما خلال فترة رئاسته من عام 2009 الى عام 2017
عارض بايدن حرب الخليج في عام 1991ودافع عن تدخل الولايات المتحدة وحلف الناتو في حرب البوسنة في عامي 1994 و1995، وكان من أبرز المصوتين بالتأييد لقرار حرب العراق في عام 2002 لكنه عارضه بعد زيادة عدد القوات الأمريكية في عام 2007 كونه رئيسا للجنة القضائية في مجلس الشيوخ والتي تتعامل مع القضايا المتعلقة بسياسة المخدرات ومنع الجريمة والحريات المدنية لكن معارضته جاءت كما يقول المثل الشهير ( بعد خراب مالطا ) أي ( العراق ) وبعد أن أتى الاحتلال الامريكي على الأخضر واليابس فيها وتركها خراباً ودماراً شاملاً وسرقتها ونهبها ودمر قصورها ومساكنها ومساجدها وكنائسها وأجبر اهلها على الهرب بحياتهم لاجئين يبحثون عن الأمن والطعام داخل ما بقي سالما من وطنهم
mahdimubarak@gmail.com