لن نستبق عمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بإعلان موقف متشائم مسبق، أو حتى متفائل، وسننتظر حتى نرى ما ستفعله وتقدمه من عمل، فلا خيار أمامنا الآن سوى الإصلاح السياسي كطريق ونهج للمضي، وصمود الأردن في مواجهة العواصف الداخلية والخارجية.
مهما كانت أسماء اللجنة الملكية فإنها لن تُعجب وتُرضي كافة الأردنيين والأردنيات، فالإجماع مستحيل في المجتمعات الديمقراطية نسبيا، ولا توجد لدينا آليات تمثيل شعبية مقنعة للناس، وسيبقى الأمر محكوما بالنظرة والمقاربات النسبية، وما فعلوه في تشكيل مزيج من التسويات لمحاولة الحفاظ على التوازنات، وإرضاء أكبر قدر من المكونات المجتمعية.
تجارب الأردنيين مع تشكيل اللجان ليست إيجابية، ويمكن العودة حتى تاريخ قريب إلى أسماء العديد من اللجان الملكية التي وضعت توصياتها ومخرجاتها على الرف دون أن تُنفذ، بل انها أصبحت لاحقا عرضة للنقد، والتهجم والأجندة الوطنية نموذج ماثل.
اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي اختار الملك رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي لرئاستها وضمت 92 شخصية تعرضت للنقد والتشريح منذ لحظة إعلانها، وشخصيا أثق برأي العديد من أسماء أعضاء وعضوات اللجنة، وأعتقد أنهم يملكون تصورات خلاقة وغير تقليدية للإصلاح السياسي.
أكثر نقطة كانت مثارا للنقاش تكليف الرفاعي برئاسة اللجنة، ومن يعرفونه ومقربون منه يرون أن تجربته السياسية ورئاسته للحكومة وئدت بسبب استحقاقات الربيع العربي، وأن هذه المرحلة ظلمته، ولم تُتح له الوقت الكافي لاستكشاف منهجيته وطريقة تفكيره وعمله.
ما أستطيع أن أجزم به سواء اتفقت مع الرفاعي أو اختلفت معه أنه يفكر خارج الصندوق، وجريء في طرحه والدفاع عما يعتقد به، ويمكن مع فريق اللجنة إن عملوا بحرية ودون تدخلات، وإملاءات، ومواقف مسبقة أن يقدموا تصورات مختلفة.
بالتأكيد كان يمكن للجنة أن تضم أسماء مهمة غابت، مثل قادة أحزاب شهد لهم بالدفاع عن الإصلاح، ويملكون رؤية نقدية جريئة، وأيضا قادة من الحراك الشعبي حضورهم ضروري، وممثلين آخرين للمجتمع المدني والنقابات، ومن المهم كان استبعاد أسماء ثبت بالتجارب أنها تسير بالضد من الإصلاح، ووجودها في اللجنة يثير المخاوف والقلق.
أكثر سؤال إشكالي ستواجهه اللجنة، ما هي هوية الإصلاح أو تطوير المنظومة السياسية التي نريدها؟، وما هي حدود الإصلاح الذي نتوقعه ويحقق الأمان للدولة في هذه المرحلة الانتقالية، ويقنع الناس بجدية التغيير.
باختصار الناس لا يمكن أن تثق بالإصلاح، ولا بأي لجنة إذا لم تتغير الأحوال على أرض الواقع، فأي حديث عن الإصلاح عبث إذا لم تتحسن أوضاع الحريات وحقوق الإنسان، وإذا لم تتوقف الاعتقالات بسبب حرية التعبير والتجمع السلمي.
التكليف الملكي للجنة بتعديل قانوني الانتخاب والأحزاب، والتعديلات الدستورية المرتبطة بهما حكما نقطة انطلاق مهمة، فإصلاح قانون الانتخاب جوهري، ويمكن أن يشكل تحولا نوعيا في الحياة السياسية إذا ما عدل بما يسمح بانتخابات عادلة وشفافة تضمن وصول ممثلين حقيقيين للشعب دون تلاعب بإرادة الناخبين، ولا يسهم في إعادة إنتاج المحاصصة، والهويات الفرعية والجهوية في المجتمع.
لكن ما يمكن قوله إن التعديلات الدستورية يجب ألا تنحصر بقانوني الانتخاب والأحزاب، فالشارع لديه حلم أن يستعيد دستور 1952، والناس تريد للدستور أن يعيد إنتاج وبناء دولة المواطنة، والعدالة، وسيادة القانون، فمن غير المعقول والمقبول الاستمرار بدستور لا ينصف، ولا يساوي بين الرجال والنساء في البلاد!
الملك ضامن لالتزام حكومته بنتائج اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وضامن أن تعمل بحرية دون تدخلات وضغوط، وطالبها أن تُنهي عملها قبل بدء الدورة البرلمانية القادمة، وكل ذلك ممكن وضروري ومهم، ولهذا فإنني أحث جميع الأعضاء والعضوات في اللجنة أن يتحلوا بالشجاعة، وألا يترددوا في الإصرار على المبادئ والمعايير التي تبني الديمقراطية بشكل جذري، ونقطة البدء صون حقوق الناس، فالتعليم، والصحة، والعمل اللائق، والمشاركة السياسية على سبيل المثال لا الحصر، حقوق للمجتمع وليس كرما أو منة من الحكومة، وهي حقوق لا تتجزأ.
فشل اللجنة الملكية ليس خيارا في ظل تناسل الأزمات، والاحتقان الشعبي المتصاعد، وما مررنا به بعد أزمتي قضية “الفتنة”، والنائب السابق أسامة العجارمة تكشف أننا لا نملك ترف الوقت للتجريب أكثر، وأننا إن لم ننجح، فإن أياما صعبة تنتظرنا.