مهدي مبارك عبد الله - يحيى ابراهيم السنوار زعيم حركة حماس في قطاع غزة هو من تلك القلة التي درست اللغة العربية في الجامعة الإسلامية وتخرّج منها بشهادة البكالوريوس وكان من بين أصدقائه في الجامعة القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان وان خبرته التراكمية لم تتشكل في المناهج المدرسية بل جاءت من حالتي الأمن والسجن اللتان مثلتا الأكاديمية التربوية والتنظيمية الأهم التي تخرج منها معظم قادة الفصائل والمنظمات الفلسطينية المقاتلة لتستلم بعدها المواقع والمناصب السياسية والعسكرية الهامة المتقدمة
يحيى السنوار هو من هذا الطراز الذي انتقل من السجن مباشرة إلى عضوية المكتب السياسي لحركة حماس وانتخب عضوا في المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة وتولى مسؤولية الملف الأمني في 2012 ثم انتخب عضوا في المكتب السياسي العام وتولى مسؤولية الملف العسكري في عام 2013 و في عام 2015 كلف مسؤولا عن ملف الأسرى لدى كتائب القسام في السجون الاسرائيلية لدورات عدة ولم تصل المفاوضات غير المباشرة التي أدارها المفاوض الألماني ( غيرهارد كونراد ) مع ( عاموس جلعاد ) ومع السنوار إلى أي نتيجة في جينه بسبب صلابة وتمسك السنوار بكافة مطالب حماس وذلك قبل أن يُنتخب رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة للمرة الأولى خلفًا لإسماعيل هنية في 13/2/2017
يعتبر السنوار أحد ابرز قيادات الصفوف الأولى في حركة حماس بقطاع غزة وقد شارك في تأسيس ( جهاز الأمن الحركي ) عام 1985 لحساب جماعة الإخوان المسلمين حين لم تكن حركة حماس قد ظهرت الى الوجود بعد وهو الذي أسس ايضا منظمة الجهاد والدعوة ( مجد ) مع رفيقه ( روحي مشتهى ) في أواخر سنة 1987 والتي خطط ليتطابق تاريخ تأسيسها مع تاريخ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى وفي سياق عمله التنظيمي اشتهر يحيى السنوار بالقسوة أحيانًا الأمر الذي أوقعه في مطبات كثيرة كما قال عنه رفيقه محمد أبو طير وهي إشارة على الأرجح لتصفية بعض الأشخاص على محمل الظن مثل ( محمود اشتيوي ) وربما ( أيمن طه ) وقد أدرجته الولايات المتحدة في عام 2015 على لائحتها السوداء للإرهابيين الدوليين المطلوبين إلى جانب القياديين ( محمد الضيف وروحي مشتهى )
اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في عام 1988 وحكم عليه بالسجن ( أربعة مؤبدات قضى منها 23 عام متواصلة ) كان ما يقارب أربع سنوات منها في العزل الانفرادي وتمكن من دراسة العبرية في داخل سجنه وقد أفرج عنه في التبادل مع الجندي جلعاد شاليط عام 2011 ضمن صفقة وفاء الأحرار بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي وقد امتاز عن معظم أقرانه بكشف بعض التفصيلات لا إخفائها فقد أذاع في 4/11/2019 أن تبرعات دولة قطر لحركة حماس بلغت نحو مليار دولار كرقم تراكمي مع أن العلاقة المالية في حينه مع قطر كانت محل اعتراض لدى الكثيرين في قطاع غزة الذين كانوا يعتبرون تلك المساعدات مجرد شراء للتهدئة مع اسرائيل كما قال في موقف اخر إن إيران هي التي بَنَت القدرة العسكرية لحماس ودعمتها بالمال والسلاح والخبرات مع أن كثيرين أيضاً كانوا في القطاع لا يرتاحون إلى العلاقة مع إيران جراء التنافر المذهبي السني الشيعي
نزعة القسوة والحدة والجدية كانت صفات متلازمة رافقت السنوار في السجن واثناء عمله في جهاز الامن الحركي وحتى في حياته السياسية لاحقا ففي السجن تداول كثيرون قصته مع الأسير منصور الشحاتيت الذي أمضى 17 عام في المعتقلات الاسرائيلية فقد اختلفا في سنة 2009 في داخل سجن نفحة جراء انتقاد الشحاتيت حركة حماس لاقتحامها مسجدًا في قطاع غزة وتدميره على مَن فيه بعد اعتصام إحدى المجموعات السلفية خلف أبوابه وعلى هذا المنوال تشرب السنوار القسوة في لغته السياسية وتصرفاته الشخصية حيث لم يكن يتورّع عن القول ( سأكسر عنق كل مَن لا يريد المصالحة )
ولا السنوار يزال يمارس نفس التشدد والسرية حول الاسرى الاسرائيليين ويرفض اعطاء أي معلومات مجانية بشأنهم رغم ان معظم التوقعات تشير الى ان اثنين منهما ميتين وهما ( هدار غولدن وأورون شاؤول ) فيما أبراهام منغستو ( يهودي من الفلاشا ) وهشام السيد (عربي بدوي) لم يعرف مصيرهما تمامًا ويبدو ان إسرائيل غير مستعجلة على الوصول إلى نهاية لهذه المسألة لأنها لا ترغب في دفع ثمن كبير لقاء إطلاق الجنديين والجثتين كما فعلت عند إطلاق الجندي جلعاد شاليط لأن من شأن ذلك المساس بقدرة الردع الإسرائيلية فكثير من الشبان الفلسطينيين يزدادون اقتناعا بأن في إمكانيتهم مقاتلة إسرائيل من دون الخوف من بقائهم طويلًا في سجونها لأنّهم متأكدين أنهم سيتحرروا بصفقات تبادل كما حدث ليحيى السنوار نفسه
أصيب السنار في 1/12/2020 بوباء الكورونا واجتازه بدرجة عالية كما نجى واسرته حين قصفت الطائرات الاسرائيلية منزله في 16/5/2021 وها هو يصول في غزة ويجول غير هياب ولا وَجِل من اسرائيل وتهديداتها واعين عملائها
بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار خلال العدوان الأخير على قطاع غزة والذي استمر 11 يوم تحدى يحيى السنوار رئيس حركة حماس وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بتنفيذ تهديداته باغتياله ردا على سؤال صحفي خلال مؤتمر في القطاع ( الا تخشى على حياتك من تهديدات غانتس ) وقد اجاب قائلا ( أكبر هدية يمكن أن يقدمها الاحتلال لي هو أن يغتالني وأن أقضي إلى الله شهيدا اليوم عمري 59 سنة وأُفضل أن استشهد بـ F16 وبالصواريخ على أن أموت في كورونا أو جلطة أو حادث طريق انني أُفضّل أن أقتل شهيدا )
وقد تابع السنوار قوله ( لن يقصر من عمري ثانية واحدة قرار غانتس أو توجهاته وإذا بده مني نصيحة فهي أن يتعلم الدرس من محمد الضيف وأبو عبيدة والقسام فإنهم إذا هددوا فعلوا أما انتم وقد هددتهم فها أنا ظهرت أمام الاعلام وأتحرك بكل حرية وسهولة وأنا موجود وأدير عملي من مكتبي وسأركب السيارة وأذهب الى منزلي الجديد الذي تعرفونه وأنا في انتظاركم هناك )
وقبل ايام قليلة صرح رئيس شعبة العمليات السابق في الجيش الإسرائيلي، أهارون حليوة ( حاليفا ) الذي عُين مؤخراً رئيساً لـشعبة الاستخبارات العسكرية ( أمان ) بأن رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار سيبقى محكوم عليه بالموت الى ان تحين فرصة تصفيت وحين سئل حليوة منقبل صحيفة يدعوت احرنوت العبرية عن استهداف السنوار في أعقاب وقف إطلاق النار فأجاب انه بعد تحقيق وقف إطلاق النار بوساطة مصر والولايات المتحدة أصبح الأمر إشكالياً أكثر وينبغي اتخاذ قرار جرئ بشأن ثمن خطوة كهذه
وقد جاء هذا التصريح عقب ساعات من إعلان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي خلال لقائه في العاصمة الأميركية واشنطن مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن هناك فرصة معقولة لمواجهة عسكرية أخرى في غزة في المستقبل القريب
يذكر ان وزير الدفاع الإسرائيلي منح السنوار ( 60 دقيقة ) لاتخاذ القرار وتنفيذه حيث رد عليه السنوار ( بعد انتهاء هذا اللقاء جزء كبير من مشوار عودتي سأقطعه مشيا على الأقدام ولدى غانتس الوقت معه 60 دقيقة لاتخاذ القرار وتجهيز الطائرة وإخراجها ولن يرمش لي جفن لأنني اهم ما حفظته من شيخي الشهيد القائد أحمد ياسين أن ( الموت في سبيل الله أسمى وأعز أمانينا )
بعدها ظهر السنوار بجراءة لافتة في مهرجان تأبين ضحايا العدوان الاسرائيلي يوم 22/5/2021 بقميص أزرق ذي أكمام طويلة بين حراسه الكُثُر ومن دون سلاحه الفردي وهو يعانق معارفه ويقبل رؤوس أبناء الشهيد باسم عيسى ( أبو عماد ) قائد لواء غزة في كتائب عز الدين القسّام ولم ينسَ بعد ذلك إرسال التحية إلى ياسر عرفات مذكرا الناس بقصة السفينة كارين A التي استقدمها أبو عمار محملة بالأسلحة الى فلسطين وقد قال امام الحضور إن ( حركة حماس بصواريخها إنما تقتدي بياسر عرفات ونضاله ضدّ الاحتلال ) وكانت تلك بمثابة الاشارة لذم أنصار حركة حماس المنتشين بنصرهم والذين لم يتورعوا عن شتم ياسر عرفات ووالدته في مسيرة هائجة وغوغائية في رام الله وهي ايضا محاولة ذكية للتملص من الاعتذار الشعبي الواجب
ولد يحيى السنوار في 29/10/1962 في مخيم خانيونس وأصل عائلته من مجدل عسقلان الواقعة في أراضي 1948 اعتقل أول مرة في سنة 1982 أربعة أشهر ثم ثمانية أشهر في سنة 1985 بتهمة تأسيس جهاز أمني لجماعة الإخوان المسلمين وبعدها توالت الاعتقالات بتهم وطروف مختلفة وهو متزوج وله ولدان
mahdimubarak@gmail.com