مهدي مبارك عبد الله - لا زلنا نتذكر الخبر المفجع الذي نزل علينا كالصاعقة المدمرة بظهور اول حالة اصابة مؤكدة بفايروس كورونا في الاردن وكيف ارتعدت معها فرائضنا ومن ثم توالت الاصابات بشكل كبير ومذهل ما دفع مؤسسات الدولة واعلامها الى التنبيه لخطورة المرض وعدوى انتشاره وضرورة مراعاة كافة سبل الوقاية والتي لم تكن متوفرة في حينه في الجانب الوقائي العلاجي مما دفع العديد من المواطنين الى اتباع اساليب الوقاية التقليدية بغسيل اليدين بالماء والصابون بشكل متكرر واستخدام الكمامات والمنظفات والمعقمات وفي كل يوم كانت المعلومات عبر تقرير الانجاز الاعلامي اليومي لوزيري الصحة سعد جابر والناطق الرسمي باسم الحكومة امجد العضايلة من خلال المنصة المسائية التي كان ينتظرها الناس بشغف وقلق وترقب لمعرفة عدد الواقع الصحي والوفيات والاصابات في مشهد تراجيدي مؤلم ثم توالت فيه الاحداث وتمكن الوباء من حصد ارواح المئات دون قدرة حقيقية على مواجهته او التصدي له حيث قطعنا العام الاول بما يمكن تسميته بعام الحزن لكثرة ما فقدنا من احبة واهل واصدقاء
كما لا تزال اخبار فرق التقصي وتتبع الحالات المشتبه فيها وهي تهرع لمحاصرة الاحباء التي تكتشف فيها حالة مصابة وانتشار قوات الجيش وعناصر الامن العام وضرورة التجوال من خلال تصاريح رسمية محددة ناهيك عن فوبيا الخوف والهلع والارباك التي اصابت حياة المواطنين والتسابق على شراء وتكديس المواد التموينية والخبز وانقطاع علاقات الجوار وزيارة الأهل والاصدقاء وتوقف الافراح ومنع اقامة بيوتات العزاء كلها تظهر اليوم امام شريط الذكريات للكثير منا بغصة ونفور
ولا بد ان نشير ايضا كيف كانت تغلق شوارع الاحياء في مناطق المصابين وتمنع الأجهزة الأمنية الدخول والخروج منها ثم تقوم البلديات بحملات التطهير والتعفير وتذهب الكوادر الطبية الى بيوت المصابين وتعزل كل من لامسهم أو سلم عليهم في حالة من الرعب خوفا من نقل العدوى والإصابة
بعدها دخلت البلاد في إجراءات الحظر الذي تعددت أشكاله وأنواعه فكان الحظر الكلي والحظر الجزئي وهناك الحظر الليلي والمناطقي وأُغلقت المؤسسات الحكومية والمطاعم والمقاهي والمولات إلا أن التأثير الأكبر أصاب التعليم بشكل عام و طلبة الصفوف الابتدائية بشكل خاص فأغلقت المدارس والجامعات الى يومنا هذا وما زالت العملية التعليمية تعاني واقعا مترديا فلا هي استقرت على التعليم الإلكتروني ولا تمسكت بالتعليم الحضوري وقد أصبح الطلبة في البداية للوباء هم المحتكمون بها حسب أمزجتهم وليس وزارة التربية أو التعليم العالي
مع ظهور أولى اللقاحات ضد هذا الوباء الذي شل الحياة في العالم اجمع وما رافق ذلك من تعامل فاشل مع ادارة الوباء صحيا واعلاميا وتخبط وتناقض التصريحات الحكومية حول اللقاحات من حيث فوائدها واثارها الجانبية غير المعروفة في حينه اضطر العديد من المواطنين الى عدم اخذ اللقاح والعزوف عن العلاج ما ادى الى تفاقم المشكلة وزيادة اعداد الوفيات والمصابين الى ارقام كبيرة ومخيفة والتي كان الكثيرون يشككون فيها ويتعبرونها جزء من فبركة حكومية ومؤامرة خفية تنسج الدولة خيوطها وما رافق ذلك من استياء شعبي وتذمر كبيرا من طول إجراءات الغلق والحظر ( البعض يطعن في عدم دقتها الى هذه اللحظة )
ثم تصاعدت الأصوات المطالبة بضرورة توفير اللقاح لاسيما بعد أن تأخرت وزارة الصحة باستيرادها حيث كانت تعاني من أزمة حادة وفشل كبير في مؤسساتها الصحية لمواجهة وباء كورونا فالمستشفيات كانت شبه عاجزة وغير قادرة على استيعاب المرضى، والعلاجات كانت شحيحة وغالية الثمن والكوادر غير مدربة على مواجهة الوباء وعدم وجود تكاتف الشعبي ودعم من قبل بعض المؤسسات غير الحكومية
الغريب أن الاردنيين عند وصول وجبات اللقاح الى بعض البلدان قبل وصولها الى الاردن صاروا يسخرون من حكومتهم ويتندرون عليها، فكيف تصل تلك اللقاحات الى موزمبيق والسودان وكثير من الدول الفقيرة ولا تصل الى الاردن بلد العلم والتقدم والخبرات
لكن ما إن وصل اللقاح حتى امتنع الغالبية عن أخذه بسبب الشائعات الكثيرة حول تسببه بالجلطات أو أنه سيميت بعد سنتين او يصيب بأمراض أخرى فيما انقسم كثيرون حول نوعه فهذا يريد استخدام اللقاح الصيني وذاك يريد استخدام البريطاني وآخر يصر على أخذ اللقاح الأمريكي كونه من درجة VIP التي لا تعطى إلا لكبار المسؤولين والأشخاص المهمين
منذ البداية قامت أجهزة الدولة بمكاشفة مواطنيها بخصوص اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، واطلاعهم على آخر المستجدات التي وصلت إليها مع الشركات المنتجة للقاحات واكدوا بإن الأردن لم يستورد لقاحا مزورا من بين اللقاحات الواقية من فيروس كورونا المستجد التي استوردها من الصين وان الحكومة تعاقدت على جرعات من مختلف المصادر ( فايزر وجونسون آند جونسون وأسترازينيكا ) لزيادة عدد متلقي المطعوم اليومي لتحصين أكبر عدد ممكن من المواطنين والمقيمين ضد جائحة كورونا وتهيئة الظروف المناسبة لإعادة فتح القطاعات الاقتصادية والوصول الى الصيف الآمن بتطعيم زهاء ستة ملايين نسمة بحلول أيلول وبما يغطي غالبية المؤهلين للحصول على اللقاح ومن اجل ذلك اعلنت الحكومة عن خطة حوافز لتشجيع مزيد من الناس على التسجيل لأخذ اللقاح حتى تتمكن من الوصول إلى هدفها لتكون قادرة على تخفيف القيود التي لا تزال مفروضة على بعض القطاعات
ومن بين هذه الإجراءات السماح بالسفر وفتح قطاعات معينة مثل السياحة والسماح للمواطنين بحضور المناسبات الاجتماعية في المنازل بعدد 30-50 شخصاً ودعوة الاشخاص الذين تزيد اعمارهم عن 40 عام للتوجه الى المراكز المحددة لتلقي المطعوم دون موعد مسبق في جميع محافظات المملكة كما سهلت عملية التطعيم من خلال إطلاق مراكز تطعيم المواطنين وهم في سياراتهم واستهداف قطاعات محددة وقد خصصت الحكومة بالفعل حملات معينة لتطعيم المحامين والقضاة والمتصرفيين والمعلمين والمهنيين العاملين في مجال الصحة يذكر ان ( الاردن سجل ما يزيد على 724154 إصابة مؤكدة بفيروس كورونا و9259 وفاة منذ بدء جائحة كوفيد-19 )
النتيجة أنه منذ وصول وجبات اللقاح لا زالت أعداد الملقحين قليلة نسبيا وبموازاة عدد السكن لعدة عوامل اهمها غياب الوعي لدى المواطنين وتخوفهم منه حتى ان احد المسنين قال عندما طلب منه اخذ اللقاح بديش ( لا أريد ) ها اللقاح الله الغني عنه انتم بتعملوا فينا زي الفيران ( الفئران ) معتبرينا زي الفيران بدهم ( يجربوا ) تجارب علينا هذا اللقاح بيدخل في الجينات تبع تركيب الإنسان وقد تعرض بعض المتطوعين للتوبيخ مرارا منذ بدأوا حملتهم التوعوية لمحاربة المعلومات الخاطئة المتعلقة باللقاح المضاد لفيروس كورونا
امام عجز المؤسسة الصحية واعلام الدولة عن اقناع المواطنين وعدم جدوى الاجراءات الحكومية التي تحث المواطنين بأخذ اللقاح حتى اليوم فيما لا تزال الإصابات والوفيات مستمرة ان انخفضت
وعلى الرغم من إن الوضع يتحسن وإن الحكومة تطعم حاليا اكثر من 67 ألف شخص يوميا في زيادة كبيرة منذ بدء حملة التطعيم حيث كانت تطعم ثلاثة آلاف شخص يوميا ولكن مع الاجراءات التخفيفية الحكومية وتناقص اعداد الوفيات والاصابات الاخيرة لوحظ بان هنالك عدم التزام باستخدام الكمامة وضعف الحرص على التباعد الاجتماعي حتى في المساجد وظهور علامات سلوكية خطيرة قد تعيدنا الى المربع الاول لا قدر الله
وسط كل هذا الجميع يعلم بان فايروس كورونا لم يقف عند ظهوره الأول بل أخذ يطور من نفسه بعد كل مدة فبعد السلالة الصينية ظهرت السلالة الإنكليزية ثم السلالة الهندية ثم أصبحنا نسمع عن المتحور دلتا وهو المصطلح العلمي الذي يطلق على فايروس كورونا الهندي الذي بدأ بموجة ثالثة عالمية لانتشار الفايروس والكارثة الأكبر أن وزارة الصحة الهندية أعلنت قبل مدة قليلة عن ظهور متحور آخر يسمى ( دلتا بلس ) وهو أشد قوة وأكثر تأثيرا وانتشارا
سلالة دلتا من فيروس كورونا المستجد التي اكتشفت لأول مرة في الهند تواصل توسيع رقعة تفشيها في أنحاء مختلفة من العالم وقد وصلت الينا وسجلت بعض الاصابات منها وهي شديدة العدوى وقد تجاوزت الطفرات الأخرى من الفيروس مما يعني بالمطلق ان الخطر لا زال محدق ومستمر ولا بد معه من اخذ كافة السبل الوقائية وفي مقدمتها الاسراع في تلقي المطاعيم واللقاحات دون خوف وعدم الاعتمام او الاعتماد على الاشاعات والمخاوف الباطلة التي ما زلنا ضحية لها ونحن نتخاصم بيننا حول نوعية اللقاح ولا نقوم بالتلقيح مما يجعلنا في بؤرة الاصابة والخطر من جديد
mahdimubarak@gmail.com