مهدي مبارك عبد الله - في صباح يوم الثلاثاء 29 / 6 / 2021 أعلنت عائلة وزير الدفاع الأمريكي الاسبق دونالد رامسفيلد أحد دعاة ومهندسي الغزو ومرتكب ابشع جرائم الحرب والابادة الانسانية في افغانستان والعراق حيث توفي بعد معاناته طويلة من ورم نخاعي في منزله ببلدة تاوس نيو مكسيكو عن عمر ناهز الـ 88 عاما وهو ( يحمل في رقبته دماء الابرياء المظلومين ونواح الارامل والايتام المكلومين وبكاء الاطفال وعذابات المصابين والمشردين وانه لن يجد مَن سيذكره بخير أو يحزن على رحيله بين بعض الأمريكيين وسكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ممن اصابتهم شروره وخطاياه
بداية لا شماتة في الموت وعندما نصف نحن رامسفيلد بانه ( مجرم حرب ) فإننا لا نطلق هذه الصفة على الرجل من باب ( التجني والحقد ) عليه فهذه الصفة اطلقها عليه الامريكيون والغربيون انفسهم قبل غيرهم فبمجرد الاعلان عن موته كتب موقع ( انتريست ) الأمريكي تقريرا عنه تحت عنوان ( وداعا دونالد رامسفيلد مجرم الحرب التافه ) قال فيه ( لقد نجح رامسفيلد في القيام بأشياء فظيعة طوال حياته لكنه ظل مبتذلا للغاية )
بينما كتب موقع ( دايلي بيست) تقريرا تحت عنوان ( دونالد رامسفيلد قاتل 400 ألف شخص يموت في بيته بسلام ) وقد اعرب الموقع عن اسفه من ان رامسفيلد الذي قتل عددا لا يحصى من الناس لم يمت في سجن انفرادي في العراق واما ( باتريك كوكبيرن ) المعلق في صحيفة ( إندبندنت) كتب عنه يقول ان رامسفيلد ( كان الرمز الحي لتورط أمريكا في مستنقع العراق وأفغانستان ) وان الرئيس الأمريكي الاسبق ريتشارد نيكسون وصفه بأنه ( ابن حرام صغير عديم الرحمة )
هذه الصفات التي تبدو في ظاهرها قاسية والتي تطلق على رامسفيلد هي في الحقيقة لا تعكس الا جانبا صغيرا من اجرامه وساديته فمجرم الحرب هذا تسبب بقتل اكثر من 100 الف مدني افغاني ونحو هذا الرقم من قوت الجيش والشرطة والامن الافغانية ونحو 2400 جندي امريكي كما تسبب في تدمير كامل للبنى التحتية في افغانستان التي تحاول طالبان اليوم بعد الانسحاب الامريكي الاخير اعادة فرض سيطرتها عليها بعد مرور 20 عاما على احتلالها
اما في العراق فقد تسبب رامسفيلد بترميل نحو مليون امرأة ويتم نحو 4 ملايين طفل وقتل عشرات الالاف من المواطنين العراقيين كما دمر البنية التحتية العراقية بشكل كامل وتسبب بمقتل نحو 5 الاف جندي امريكي واصابة نحو 30 الفاً آخرين وقد كان المسؤول الاول عن بناء سجن غوانتنامو ومجمل فظائع التعذيب التي تعرض لها السجناء الذين تم نقلهم من افغانستان اليه كما كان مسؤولا ايضاعن حالات التعذيب الفظيعة التي جرت في سجن ابو غريب في العراق وهي التي انكرها رامسفيلد حتى نهاية حياته
رامسفيلد خدم في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وكان من أبرز المؤيدين للحرب على ما يسمى بالإرهاب والذي بناء على اباطيله غزت القوات الأمريكية أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وفي عام 2003 غزت الولايات المتحدة العراق ( البلد العربي والمسلم صاحب التراث الحضاري العميق والرسالة الإنسانية الخالدة ) وأسقطت النظام الشرعي للرئيس العراقي السابق صدام حسين والذي اعتبر بمثابة البوابة التي دخلت منها كافة الشرور الامريكية والغربية إلى المنطقة
في عام 2006 استقال رامسفيلد من منصبه لكنه دافع بشدة عن موقفه تجاه غزو العراق والذي لم يكن سببه الفرية أو الكذبة الكبرى والتي مفادها امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل او علاقته بتنظيم القاعدة والتي ثبت لاحقا بطلانها بل كان الدافع الاساس من الاحتلال هو تدمير العراق واخراجه من معادلة التوازن الاقليمي وحماية أمن الكيان الصهيوني بتحييده وتهميشه وجعله دولة فاشلة تفتقد اسباب ومقومات التقدم والتنمية الحقيقية والنهوض اضافة الى نهب ثرواته وللأسف فقد قدم لهم النظام العراقي السابق بغزوه للكويت المبرر القانوني والاخلاقي على طبق من ذهب واعفاهم من صرف الجهد في الاختراع والابتكار لمسوغات الغزو والاحتلال
تلك المؤامرة كانت من اهم الخطط والروافد للاستراتيجية الامريكية العالمية على الامد البعيد من حيث ترك العراق يسير على درب الخراب واستبدال هويته الوطنية الجامعة بهويات فرعية متناقضة تتسيد منابر المشهد السياسي بحروب وعداوات وما رافقها من جرائم فظيعة بحق ابناء الشعب العراقي فضلا عن ممارسات الاذلال وامتهان الكرامة عن سبق اصرار وما فضحية سجن ابو غريب الا شاهدا على سادية رامسفيلد وهو يضرب بعرض الحائط ويدوس بقدميه جميع القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية بغطاءات سياسية مختلفة
بالتعاون مع الوكلاء والعملاء والمشغلين الحزبيين والدينيين والسياسيين داخل العاق وخارجه مما أثار إدانة واسعة على الساحة الدولية ومن قبل منظمات حقوق الإنسان والتي ادت الى إقالته من منصب وزير الدفاع في عام 2006 وسط انتقادات شديدة بسبب الحرب في العراق وذلك بعد أيام من إعلان بوش أن رامسفيلد باق في المنصب حتى انتهاء ولايته الرئاسية وبعد ترك رامسفيلد لمنصبه أجرى الوزير الجديد روبرت غيتس تغييرات جذرية في قيادة واستراتيجية القوات الأمريكية في العراق لكنها كانت ضمن السياسة الجوهرية المتوحشة
عندما جاء الاحتلال الامريكي الى المنطقة حمل كثيرون رايته وصفقوا له وظنوا أن الأمر لا يتعدى إسقاط منظمة متطرفة هي ( طالبان في كابول ) وحزب ( بعثي متسلط في بغداد ) لتظهر الأيام أن المستهدف بتلك الحربين المشؤومتين كانت منطقة بأسرها بل العالم كله بعدما بات خاضعاً لـ ( قطبية أحادية دولية ) تحاول النيل بالعنف والاجرام من كل من يحاول التمرد على وجودها ومواجهة هيمنتها
لقد كان رامسفيلد من عتاة مجرمي الحرب الامريكيين الذين تلطخت ايديهم القذرة بدماء الشعوب وهو من اكثر المحافظين الجدد رغبة وارادة وتنفيذ في سحق الدول وطمس ارادة الشعوب وقتل الابرياء بالألة الامريكية الهمجية وبوحشية مطلقة من اجل تحقيق اهداف الولايات المتحدة الامبريالية المبيتة
هذا الرجل أجرم بحق التاريخ والجغرافيا والسياسة والبشر وقد كان يجب أن يموت في زنزانة بأحد سجون مجرمي الحروب في لاهاي او في بغداد أو الموصل او كابل أو باغرام لكن ارادة الله شاءت له ميتة هادئة في بيته وبين ذويه دون محاسبة او عقاب دنيوي وعلى كاهله أرواح ملايين العراقيين والأفغان ومعاناتهم وخراب حياتهم وبلدانهم وكل هذا الإرهاب والعنف والدماء المسفوكة في كل مكان ستلاحقه لعناتها إلى قبره ولن يفلت من حساب وعذاب الاخرة بكل تأكيد
العجيب والغريب معا انه لم يذكر في الصحافة الأمريكية والعالمية ( أي أثر طيب ) لرامسفيلد عدا المجاملات التقليدية التي تقال في كل ميت عندما يشيع خبر وفاته باستثناء انه تميز كأصغر وزير دفاع أمريكي عمرًا ( 1975 /1977 ) تحت رئاسة جيرالد فورد ثم أكبر وزير دفاع (2001 /2006) تحت رئاسة جورج بوش الابن وانه في لحظة تعرض مبنى البنتاغون لهجوم الحادي عشر من سبتمبر شوهد بين الموظفين الناجين يحاول المشاركة في إغاثة المصابين جراء الحادث
لقد ترك رامسفيلد بسياساته الاجرامية ولسنوات طويلة من الانفلات الأمني في العراق البيئة المناسبة لخروج إرهابيو تنظيم القاعدة من تحت الأرض في العراق بعد أن كان البلد الوحيد الذي ( لا إرهاب فيه ولم يصدّر إرهابيا واحدا للعالم ) ليذيقوا بعدها القوات الامريكية والعراقية مرارة العيش وطعم الموت
تلقى كثير من العراقيين نبأ وفاة وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد بلا مبالاة وبلا أسف معتبرين أنه أحد رموز الاحتلال الذي دمر بلدهم وإنه كان يمثل الوجه الامبريالي للولايات المتحدة بأبشع صوره الوحشية وأن التاريخ لن يذكره بخير بسبب المآسي التي صنعها للعديد من الشعوب وفي مقدمتهما الشعبين الافغاني العراقي
رامسفيلد مهندس غزو العراق للإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 وأحد أكبر مروّجي أكذوبة أن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل وانه متحالف مع تنظيم القاعدة وقد شغل رامسفيلد منصب وزير الدفاع مرتين الأولى من 1975 ولغاية 1977 والثانية من 2001 ولغاية 2006 وتزامن توليه لهذا المنصب مع تنفيذ تنظيم القاعدة هجماته الإرهابية على الولايات المتحدة في 11 أيلول/سبتمبر 2001
الأمانة العلمية والتاريخية تستوجب منا القول إن رامسفيلد ليس وحده المجرم الفريد وان هناك قائمة ممَن أجرموا في حق العراق مثله ومن الظلم والمعيب في زمن ادعاء امريكا الديمقراطية وقيادة منظمات حقوق الانسان أن يفلتوا من محاكمة دولية عادلة في مقدمتهم جورج دبليو بوش وعصابة المحافظين الجدد الذين خططوا لغزو العراق حتى قبل هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 واتخذوا قرارهم بعد ساعة من سقوط البرجين اضافة الى كل من ( بول وولفوفيتس و ريتشارد بيرل وديك تشيني وبول بريمر وكوندوليزا رايس ودوغلاس فيث وإيلويت أبراهمز ) وغيرهم
ولا يمكن ان ننسى دور رئيس وزراء بريطانيا السابق الأفاك اللعوب ( توني بلير ) ونظيره الأسترالي ( جون هاورد ) وشريكهما البائس الإسباني ( خوسيه ماريا أثنار) وفي الخاتمة يجب أن يضاف للقائمة السوداء ( قادة عرب وعراقيون وأفغان ) لولاهم لَكانت جرائم رامسفيلد وبقية العصابة (عصية بعض الشيء ) على التنفيذ في كل من العراق وأفغانستان ولكان العراق اليوم بواقع أفضل مهما ساءت احواله وظروفه
mahdimubarak@gmail.com