مهدي مبارك عبد الله - تحتفظ حركة المقاومة الإسلامية حماس بأربعة إسرائيليين بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014 أما الاسيران الآخران فقد دخلا غزة في ظروف غير واضحة وهم :
الاسير الاول الجندي ( شاؤول آرون ) من لواء النخبة ويعتقد انه قتل اثناء عملية الاسر في منطقة شرقي حي التفاح بقطاع غزة بتاريخ 20 تموز 2014 والتي أسفرت عن مقتل 14 جنديا إسرائيليا
الاسير الثاني الجندي ( هدار غولدن ) ملازم ثاني بلواء جفعاتي وهو نجل ابن خال ( موشي يعلون ) وزير الجيش الإسرائيلي السابق أسر في منطقة رفح جنوبي قطاع غزة في 1 آب 2014 اثناء العدوان الاسرائيلي وقد ارتكبت إسرائيل مجزرة في رفح ردا على عملية اختطافه استشهد فيها أكثر من مائة فلسطيني بينهم أطفال ونساء وشيوخ
الأسير الثالث ( أفيرا منغستو ) المولود في إثيوبيا ثم هاجرت عائلته إلى إسرائيل وهو بعمر 5 سنوات تم اسره اثناء اجتيازه السياج الفاصل بين إسرائيل وشمالي قطاع غزة في 7 أيلول 2014 وتقول عائلته إنه ( مضطرب نفسيا ) حيث تم تسريحه في عام 2013 من الخدمة العسكرية لهذا السبب وقد اتهمت اسرته الحكومة الإسرائيلية مرات عديدة بتعمد إهمال ابنها وعدم المطالبة بإعادته لأسباب عنصرية كونه أسود البشرة ومن أصول إثيوبية كما بينت كتائب القسام في تصريح صحفي لها في تموز 2019 إن إسرائيل لم تطالب بإعادة منغستو من خلال الوسطاء الذين تحدثوا معها بشأن المحتجزين
الاسير الرابع ( هشام السيد ) وهو فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية يقطن قرية الحورة بالنقب بعد انهاءه دراسته الثانوية تطوع للخدمة بالجيش الإسرائيلي لكنه سرح في عام 2008 لأنه غير مناسب للخدمة وقد تم احتجازه في 20 نيسان 2015 بعد عبوره الى القطاع عبر ثغرة في السياج الفاصل بين إسرائيل وشمالي القطاع
الحديث عن الأسرى الإسرائيليين عاد مجددا إلى واجهة الأحداث بعد تثبيت وقف إطلاق النار غير المشروط بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل والذي بدأ سريانه في 21 أيار الماضي بعد 11 يوم من العدوان الإسرائيلي على غزة حيث اشترطت تل ابيب قبل انطلاق أي عملية لإعادة إعمار القطاع الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني وتحاصره إسرائيل منذ صيف 2006 إطلاق سراح اسراها الأربعة )
وعلى غرار ما سبق وضمن سياسة التكتيك والغموض لم تفصح أو تقدم حركة حماس حتى الان عن أي معلومات أو عن مصير المحتجزين الأربعة أو وضعهم الصحي وقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي خلال زيارته الاخيرة إلى القاهرة بأنه سيركز في المحادثات على التزام إسرائيل باستعادة جنودها ومواطنينا الموجودين في قبضة حماس وكذلك جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو المطالبة الإسرائيلية باستعادة الجنود والمدنيين المحتجزين في قطاع غزة في أقرب وقت وهو ما نشره عبر حسابه على تويتر آنذاك
حركة حماس من جانبها رفضت الربط غير المنطقي بين عملية الإعمار وتبادل الأسرى وهي تصر على إجراء صفقة التبادل وفق شروطها المتمثلة بتحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين من السجون الاسرائيلية وفي رده على تصريحات القادة الإسرائيليين قال يحيى السنوار زعيم حركة حماس في غزة للصحفيين سجلوا على مقاومتكم ( رقم 1111 ) ستذكرون هذا الرقم دون توضيحات إضافية لكنه بدا وفهم وكأنه رقم الأسرى الفلسطينيين الذين تسعى الحركة لتحريرهم مقابل إطلاق سراح الإسرائيليين
فصائل المقاومة الفلسطينية كانت منذ البداية واضحة بخصوص شروط تثبيت التهدئة وهي إنهاء عدوان الاحتلال على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وسلوان وغيرها والعمل على إدخال مواد الاعمار دون أية قيود أو شروط مسبقة كما سعت المقاومة لربط غزة والقدس بموضوع التهدئة الشاملة باعتبار القدس وكافة الأراضي الفلسطينية جزءاً أصيلاً من الكل الوطني الفلسطيني على الرغم من إجراءات الاحتلال التي تقوم على الفصل بين المناطق الفلسطينية المختلفة
في ذات السياق قال عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق في تغريدة على تويتر من غير المقبول أن يربط نتنياهو ملف إعادة إعمار غزة بملف جنوده المفقودين نحن نرفضه جملةً وتفصيلاً وهو مخالف للقوانين الدولية فجنوده تم أسرهم في ساحة حرب يقابلهم أسرانا عند الاحتلال هذه هي المعادلة وأن إعمار غزة لن يكون إلا بموافقة سكان غزة وقيادة حماس باعتبار أنّ إعادة الإعمار والتهدئة والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين مسارات مختلفة ولا رابط بينها
الكيان الإسرائيلي حاول استغلال كافة الظروف في ذلك الوقت لخلق المزيد من التعقيدات التي من شأنها إعاقة إعادة الإعمار والوصول إلى تهدئة شاملة بعد المأزق الذي اوقع رئيس الوزراء نتنياهو نفسه فيه بعدوانه الغاشم على القطاع والذي بات بسببه على أعتاب إنهاء مستقبله السياسي بعد حصول خصومه على فرصة لتشكيل حكومة جديدة
هنالك عدة أسباب دفعت إسرائيل لرفع سقف مطالبها في مفاوضات تثبيت وقف إطلاق النار التي جرت في القاهرة في محاولة منها لتقديم إنجاز وهمي للشارع الإسرائيلي خاصة بعد فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه من العدوان وعلى رأسها المساس بقدرة حماس العسكرية وقد ثبت على ارض الواقع ان كل المواقف التي اعلنتها إسرائيل بشأن غزة في حينه كانت مجرد جولات دعائية فارغة للاستهلاك الداخلي الانتخابي والمزاد السياسي حيث اصبح ربط إعمار غزة والتهدئة وإطلاق الأسرى يطغى على كافة اخبار وسائل الإعلام الإسرائيلية
التشدد الاسرائيلي في قضية الاسرى وربطها بمسألة اعمار القطاع يؤكد من جديد بان إسرائيل لديها مشكلة سياسية عميقة تحاول أن تهرب منها إلى الأمام خاصة وان ما يجري في الغرف المغلقة كان بعيدا كل البعد عن ما كانت تداوله وسائل الإعلام خصوصا مع التقدم في تشكيل حكومة قد تطيح بنتنياهو وهو ( الذي حصل ) لذلك فإن اشغال الإعلام في قضية الحرب وآثارها وما ترتب عليها كان ايضا لكسب أصوات من اليمين ولإعاقة تشكيل لبيد وبنيت حكومة جديدة بعد اعلان نفتالي بينيت زعيم حزب يمينا ( يمين ) اعتزامه التحالف مع حزب هناك مستقبل ( وسط) بزعامة يئير لابيد لتشكيل حكومة تطيح برئيس الوزراء زعيم حزب الليكود ( يمين ) بنيامين نتنياهو
امام الموقف الفلسطيني الصلب كعامل رئيسي في الأحداث فشلت جميع محاولات إسرائيل في فرض شروط احادية ولم تلقى آذانا صاغية لدى الفلسطينيين وكل الأطراف التي كانت تتوسط لوقف إطلاق النار لان هنالك فارق كبير بين الطرفين في المواقف وبالتالي فإن ربط الاحتلال الصفقة بالإعمار ووقف إطلاق النار كان من أجل ابتزاز حركة حماس في الثمن اضافة الى وجود علاقة مباشرة لهذا الربط بوضع إسرائيل الداخلي لان فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أي إنجاز عسكري خلال العدوان الأخير على غزة دفعه لجعل عودة الأسرى والمفقودين شرطا لوقف إطلاق النار واعادة الاعمار بعدما أصيب الرأي العام الصهيوني بحالة من الإرباك والانفعال على المستويين الرسمي والشعبي
البعض وجد ان هذا الربط كان يهدف للتغطية على أية تنازلات ستقدم خلال مفاوضات وقف إطلاق النار وبخاصة السماح بعملية إعمار غزة ودخول الأموال للقطاع على اعتبار أن نتنياهو لم يوافق عليها بالمجان فضلا عن وجود ضغوط كبيرة من أهالي الجنود الإسرائيليين المأسورين بضرورة الربط بين إعمار غزة وعودتهم
في حال استمر التعنت الاسرائيلي برفض إعادة إعمار قطاع غزة دون الافراج عن الأسرى الإسرائيليين على مصر الراعية والضامنة للمفاوضات بين الجانبين تقديم كافة التسهيلات لإدخال مواد الاعمار عبر معبر رفح البري بالإضافة الى وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته للضغط على الاحتلال لإعادة إعمار ما دمره من بنية تحتية وبيوت ومنازل للآمنين في ظلّ وجود سلطتين في رام الله وغزة غير قادرتين على توفير الأموال أو الضغط سياسياً على الاحتلال لتنفيذ المطالب الفلسطينية الضرورية
يذكر ان العدوان الأخير على قطاع غزة جاء بعدما تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية جراء الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية في مدينة القدس المحتلة خاصة والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح ومحاولة اخلاء 12 منزلا فلسطينيا لتسليمها للمستوطنين
ثم انتقل التوتر إلى الضفة الغربية وبعدها تحول إلى مواجهة عسكرية في قطاع غزة بعدما وجهت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس ممثلة برئيس اركانها القائد محمد الضيف ومن خلال الناطق الرسمي باسمها ابو عبيدة انذار شديد اللهجة للقيادة العسكرية الإسرائيلية بوقف الانتهاكات والاعتداءات في القدس والاقصى وحي الشيخ جراح
وبعكس ذلك سوف تضطر كتائب القسام الى الدخول في مواجهة وحرب مع الاحتلال دفاعا عن القدس مهما كلف الثمن وتعاظمت التضحيات وهو ما حصل بالفعل بأطلاق عناصر المقاومة من مختلف الفصائل الفلسطينية زخات كثيفة من الصواريخ المتنوعة باتجاه القدس ومناطق غلاف غزة والمدن الاسرائيلية الرئيسية وبعض المطارات والاماكن الحيوية تحت مسمى عملية ( سيف القدس ) والتي انطلقت معها شرارة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي اسفر عن سقوط 289 شهيدا بينهم 69 طفلا و40 سيدة و17مسنا بجانب أكثر من 8900 مصاب بينهم 90 منهم كانت إصابتهم شديدة الخطورة رحم الله الشهداء وخالص الدعاء للمصابين والجرحى بالشفاء العاجل
mahdimubarak@gmail.com