الدكتور: رشيد عبّاس - في الثمانينات من القرن الماضي كانت نتائج الاستبانة التي وزعت على عينة عشوائية من دولة العالم, والتي كان السؤال المحوري فيها يدور حول ما فائدة الفم للإنسان؟ كانت تلك النتائج مذهلة للغاية, وقد صنفها الباحث وقتها إلى أربعة محاور رئيسة تمثلت في: فائدة الفم للإنسان إما للأكل أو للشرب أو للغناء أو للكلام, والشيء الملفت للنظر أن هناك ثلاث دول من العالم العربي كانت من بين تلك العينة, والأكثر غرابة من كل ذلك أن إجابات الثلاث دول من العالم العربي كانت متقاربة وتدور حول أن فائدة الفم للإنسان هي للكلام! وقد قمتُ على الفور وقتها بريط حديث نبوي شريف مفاده العام أن يكُبُّ الناس في النار على وجوههم نتيجة لفتح أفواههم لتحصد بها ألسنتهم أمور لا يعرفون أبعادها الاجتماعية أو الدينية أو السياسية أو الاقتصادية.
الفيلسوف الصيني كونفوشيوس عبّر عن ذلك بفم السمكة, حيث أن السمكة تُغامر بحياتها وللأبد وبطُعم رخيص, وتفتح فمها ليصطادها صياد ماهر تقلّب على فنون الصيد والاقتناص, ويبدو أن هذا الفيلسوف كان في حالة يأس شديد حين قال: (السمكة التي يبقى فمها مغلق لن يصطادها أحد), ويبدو انه ايضاً قد مر من فوق سنّارته كثير من السمك كان مغلق الفم وفلت منه وعاد هو إلى منزله جائعاً متعطشاً لها, ويبدو أن كونفوشيوس وصل إلى حقيقة مفادها أنه مهما كان جودة طُعم السمك, فلن يصطاد بها تلك الاسماك مغلقة الفم, ثم أيقن أيضاً حق اليقين أن سنّارته ستعود بأي سمكة فاتحة الفم مهما كان بساطة نوع الطُعم المقدم لها.
كثير من الشخصيات العامة المحلية والاقليمية والعالمية تم اصطيادهم عندما فتحوا أفواههم وخرجت ألسنتهم منها أكثر من الحدود المسموح بها, فمنهم من فتح فمه وخرج من لسانه حصاد في البعد الاجتماعي فسقط, ومنهم من فتح فمه وخرج من لسانه حصاد في البعد الديني فسقط, ومنهم من فتح فمه وخرج من لسانه حصاد في البعد السياسي فسقط, ومنهم من فتح فمه وخرج من لسانه حصاد في البعد الاقتصادي فسقط.
القرآن الكرام وبطريقة جميلة جدا تناول موضوع فتح الأفواه وخروج الألسن منها والخوض في بعض القضايا التي لا تعني البعض لا من قريب ولا من بعيد..قال تعالى في سورة آل عمران الآية 118: (قد بدت البغضاء من أفواههم), أي أن إثارة الفتن والعداوة بين الناس قد ظهرت من الأفواه, وفي نفس السورة الآية 167, قال الله تعالى: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون), فهذه إشارة ايضاً من القرآن الكريم إلى خداع الأفواه ومكر القلوب عند البعض.
وبعد:
يخشى أن تتناقص أعداد أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تدريجياً في قادم الأيام نتيجة لفتح أفواه البعض منها أكثر من اللازم وخروج الألسن منها والخوض في قضايا غير مسموح لهم بها, فالألسن الطويلة والأفواه الثرثارة قد تزرع الفتن في المجتمع بطريقة خفية وممنهجة, فبقاء أفوه هؤلاء للأكل وللشرب وللغناء فقط يكون أفضل بكثير من استخدامها للكلام والثرثرة التي لا داعي لها, وربما مثل هذه الثرثرة تثير مشاعر المجتمع وتزعزعه, لذا ينبغي إغلاق فم أي صنف من أصناف هذا السمك المتمرد..تجنباً للفتن.