مهدي مبارك عبد الله - بعدما نجح تحالف نفتالي بنيت ويائير لبيد في إزاحة نتنياهو عن سدة رئاسة الحكومة بعد 12 عام متواصلة من السيطرة المطلقة المفارقة هنا ك كانت أن بنيت اليميني المتطرف يرأس حكومة ائتلافية ذات تضم ( اليمين واليسار والوسط ) كما دخلت فيها ( الحركة الاسلامية ) كشريكً أساسيً وهي التي أعطت نسبة الأكثرية للحكومة الجديدة وبتغبير اكثر دقة هي التي تمسك بورقة بقائها في العمل أو سقوطها العاجل وهذا وضع غير مسبوق الحدوث في تاريخ الكيان الاسرائيل
واقع الحكومة الإسرائيلية الجديدة وبنظرة متفحصة في العمق يبين بانها هشة في تركيبتها وأكثريتها ولهذا فهي معرضة في أي وقت للتصدّع والانهيار كما ان نتنياهو يواصل تحين الفرص للانقضاض عليها وإسقاطها فهو كما صديقه ترامب في أميركا لم يصدق بعد أنه خسر موقعه وخرج من الحكم ولا زال غير قادر على استيعاب وضعه الجديد والتأقلم معه خاصة وانه معروف بطبيعته انه لا يتقبّل الهزيمة ويخطط للعودة الى كرسي السلطة الشهي عبر أول انتخابات قادمة وباي تحالفات جديدة
الجمهور الاسرائيلي يعلم جيدا أن رئيس الحكومة الجديد نفتالي بينيت غير قادر على احداث التغيّر المطلوب لدرجة يمكن معها أن يصبح قائدًا مقبولًا فهو في الاساس ينتمي إلى فئة تحتل زاوية في أقصى اليمين المتطرف وفي حال التزامه بتصريحاته السياسية سيدخل حتما في صدام مع الإدارة الأميركية ومع المجتمع الدولي وسيصل إلى مواجهات وصدامات عسكرية جديدة مع الفلسطينيين وسوف يفتح على نفسه كل الجبهات لأنه اولا ( يرفض فكرة اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ويعتبر إسرائيل دولة ( يهودية ذات قومية واحدة ) تمتد حدودها ما بين البحر والنهر وله احاديث كثيرة وموثقة في الماضي يقول فيها إن الدولة الفلسطينية ( مكانها الاردن كوطن بديل ) وهو يرفض خطة صفقة القرن التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب باعتبارها تهضم جزء من الحقوق التاريخية للدولة اليهودية
بينيت يرفض أيضًا وبشكل متشدد جدا ( صفقات تبادل الأسرى مع الفلسطينيين ) ويعتبرهم جميعا ( إرهابيون يجب قتلهم بدل من إطلاق سراحهم ) ويذكر انه عندما تولى رئاسة ( المجلس العام للمستوطنات في الضفة الغربية ) بين عامي 2010 - 2012 قاد حملة شرسة ضد حكومة رئيس الحكومة السابق نتنياهو بحجة أنها تعمل على وقف وتجميد بناء في المستوطنات وطالب بالاعتراف بالبؤر الاستيطانية العشوائية وتحويلها إلى قرى معترف بها وعلى هذه الخلفية أسس حركة سياسية تحت اسم ( إسرائيليون ) وقصد بها أن المستوطنين إسرائيليون ويستحقون الاعتراف بمكانتهم في الضفة الغربية عن طريق فرض السيادة الاسرائيلية على المنطقة وبعدها نجح بنيت في تشكيل حزب سياسي ثم تحالف مع أحزاب اخرى ما ادى الى حصوله في الانتخابات الاخيرة على 12 مقعدً
في عام 2019 عينه نتنياهو ضمن فريق حكومته وزيرا للأمن حيث اعتبر وجوده وتجربته في هذه الوزارة ذروة النجاح على الصعيد العسكري وعلى صعيد محاربة وباء كوفيد 19 ولم يتصرف خلال عمله السياسي كساعي لإزاحة نتنياهو وظل وقت طويل يتحدث عن حكم اليمين وخطر اليسار ويهاجم الأحزاب العربية و يعارض ويرفض محاولات نتنياهو التقرب من الحركة الاسلامية بقيادة النائب العربي منصور عباس
وقد حذر نتنياهو اكثر من مرة من التراجع عن فرض وتنفيذ قانون القومية اليهودية من اجل إرضاء واستمالة عباس الى صفه وبفعل مواقفه اليمينية والمتشددة حظي بتأييد 274 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة وكان الحزب الثالث في صفوف المستوطنين بعد حزب الصهيونية الدينية التي حصلت على 21 % والليكود ( حزب تنياهو ) الذي حصل على 19 % من أصوات الناخبين وكان ترتيبه الرابع في صفوف اليمين خصوصًا في مناطق الارياف وقد اشار استطلاع للراي أجري مؤخرا بعد تشكيل الحكومة نفتالي بينيت خسارته 40 % من قوته بمجرد سقوط نتنياهو المدوي واختيار تشكيل حكومة ائتلافية مع اليسار والحركة الاسلامية
بينيت نفسه آخر ما كان يتخيله في حياته السياسية هو أن يطيح بمعلمه ومثله الأعلى بنيامين نتنياهو ويحل محله في رئاسة الحكومة خاصة وانه يدرك جيدا ان خصومته تعني معركة حياة أو موت في الجانب السياسي فإذا لم يحافظ على مقعده طيلة الفترة المخصصة له (27 شهرا ) وعلى تحالفه مع يائير لبيد وحكومتهما المشتركة طيلة الفترة المقررة لها حتى تشرين الثاني 2025 فإنه سيتحطم وينتهي مستقبله السياسي بالكامل
السبب لذلك هو أنه بمجرد إسقاط نتنياهو عن الحكم وتشكيل حكومة ما سمي بالمحرمات خسر بسرعة فائقة معظم المصوتين التقليديين من اليمين وبالتالي إذا أراد بينيت أن يصمد في الحلبة السياسية بقوة اكبر عليه أن يغير جمهوره من المصوتين ويذهب إلى اتجاهات أخرى نحو اليمين الليبرالي واليمين الوسط ولكي يتمكن من تغيير جمهور ناخبيه عليه أن يتغير هو في نفسه وقد كان السؤال المطروح دائم هل يستطيع بينيت فعلا أن يتغير في ظل مواقفه المعروفة وخطه النشاز الذي لا يتبدل ووقوف نتنياهو الشرس له بالمرصاد
بعد المشاورات المكثفة وتجاوب الحكومة الاسرائيلية الجديدة لمطالب الحركة الاسلامية شن نواب المعارضة اليمينية بقيادة رئيس الليكود نتنياهو هجوم شديد على رئيس الوزراء نفتالي بينيت واتهموه بالرضوخ لعملية الابتزاز التي لوحت بها الحركة حيث قال نتنياهو خلال كلمة له أمام اجتماع كتلة الليكود في الكنيست إن ( بنيت سارع إلى إرضاء الحركة الاسلامية لأنه عديم المبدئية وفاقد القيم ) وأضاف انه لو طلب منصور عباس من بنيت أن يقف على ساق واحدة في الشارع فإنه سيفعل ذلك لان بينيت رئيس وزراء ضعيف وإنه في الواقع رئيس وزراء اشبه بدمية ولكي يبقى في منصبه يجعل الحكومة كأنها حكومة لدولة ( فلسطينية ـ إسرائيلية )
ليس هذا الهجوم الوحيد الذي قام به نتنياهو ضد بينيت فقد سبقها الكثير نذكر منها على سبيل المثال ما جرى بينهما على خلفية مبادرة بينيت لتحسين العلاقات مع الاردن وعدم تشدده الكبير اتجاه إيران التي تخطط لكسب دول المنطقة ومحاولة إبعادها عن إسرائيل وقد زعم نتنياهو أن سلطنة عمان أوقفت خطوات التطبيع بسبب الضغط الايراني الذي تعرضت له مؤخرا
إذا يبدو واضحا من خلال قراءة المشهد بان نتنياهو يعمل كل جهده لإسقاط حكومة بينيت وعودته ليحتل مكانه في رئاسة الحكومة وللتدليل على ذلك فإن هنالك جيشً منظم من نشطاء اليمين المناصرين لنتنياهو يديرون ما يشبه حرب الشوارع بهدف ( تصفية بينيت سياسيًا حتى لو تطلب الأمر جسديًا ) ولهذا فرضت عليه حراسة مشددة بعدما تلقى العديد من التهديدات بالقتل بعد نعته بـ ( الخائن ) مما يذكرنا باغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحاق رابين الذي قتله ارهابي يهودي في ختام مهرجان تأييد للعملية السلمية في تل ابيب مساء الرابع من تشرين الثاني من العام 1995
عرب الـ 48 وبعد سلسلة اجتماعات تخللتها صراعات رفضوا منذ البداية فكرة مشاركة أحد مركباتهم السياسية في الائتلاف الحاكم حيث كان لهذه المشاركة العربية الدور الابرز في تغيير المعادلة كما انتقدوا من خلال لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وبشكل علني موقف عباس منصور بعدم تطرقه وانتقاده لقانون القومية العنصري اثناء المباحثات ولا زال لهم موقف حاد ضد حكومة ببينت رغم كل محاولات الترضية والتودد
أما فيما يتعلق بالحركة الاسلامية الشريك في الحكومة ومصدر الخطر عليها في آن واحد حيث هدد النائب ( مازن غنايم ) أحد النواب الأربعة عن ( القائمة العربية الموحدة ) بإسقاط حكومة بينيت التي تشارك فيها القائمة إذا أقدمت اسرائيل على شن حرب على قطاع غزة وفي الوقت نفسه أعلن النائب ( وليد طه ) من نفس الكتلة عن مقاطعة النشاط البرلماني ودعم نشاط المعارضة برئاسة نتنياهو المعارض
كما خرج النائب الاسرائيلي المتطرف ( إيتمار بن غفير ) رئيس حزب (عوتسما يهودت ) بتصريح قال فيه ( لقد اصبح لدينا الآن برهان على أن الرجل القوى في حكومة بنيت هو منصور عباس ) وقد رد على تصريح مازن غنايم بأن كتلته ستطيح بالحكومة إذا قررت مهاجمة قطاع غزة بأنه دليل آخر على أن بينيت وشريكه ( يائير لبيد ) لا يتمتعان بتفويض شرعي من شعب دولة إسرائيل
رئيس القائمة الموحدة منصور عباس بدورة اكد بأنه ورفاقه يختبرون الحكومة الجديدة في كل يوم لمعرفة طبيعتها وإمكانيات صمودها وبالتالي بقائها كما قال خلال لقاء مع وفد من لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي إن القائمة الموحدة مهتمة بالتأثير على سياسة الحكومة وقراراتها من خلال المشاركة السياسية الفاعلة
باختصار الحكومة الاسرائيلية في مأزق كبير وهوة سحيقة فهي من جهة غير قادرة على تنفيذ شعاراتها المتطرفة وفي الوقت نفسه عاجزة عن خوض حرب تخرجها من أزماتها وهي معرضة للسقوط في أي لحظة ودون سابق انذار
mahdimubarak@gmail.com