بقلم حسن محمد الزبن - لماذا نتباطح على من يجلس على الكرسي، وكأن الكرسي هو كينونة رجال السياسة، ورجال الدولة في مواقع المسؤولية، ورجال الحل والعقد، ورجال الأمر والنهي، الشعب لا ينظر للكرسي الذي تتشبث به، الشعب يُقلب الأمر هل أنت معه بفكرك وسياستك تجاه أحلامه البسيطة، في أن يعيش دون مهانة، وكرامته مصانه كما جاء في الدستور الذي يحتكم إليه الجميع، وهو أيضاً الشعب نفسه بكل أطيافه الذي لا يليق به إلا الصمود أمام كل التحديات والضغوطات التي تنهال عليه من بعض أصحاب الكراسي في الحكومة ودوائرها ومؤسساتها وهيئاتها المستقلة وغيرها، وكأن الأغلبية ممن في موقع المسؤولية تنكّر لمواطنته وأردنيته ولا يرى إلا مصلحته وأنانيته المفرطة هي الأعلى والأسمى وأنه وصل لموقعه بكفاح ونضال، بل ممكن أن يقول بحرب شرسه مع خصومه أو المنافسين له، ولا يلق بالاً إلا للمنافع والمكاسب التي ستغنيه وخلفه من بعده. وأعتقد جازماً أن الملك والشعب الآن وأكثر من أي وقت مضى يريدون حقاً رجالا وقادة أوفياء للمبادىء والقيم الوطنية أكثر من حبهم وتعلقهم بالكراسي التي يجلسون عليها.
حقيقة ما جرى تحت القبة في البرلمان ما بين النائب ورئيس الحكومة هو ما أعتبره ليس إلا أنه احتجاج صارخ من نائب يمثل قواعده الانتخابية، ويمثل رأي شعبي رافض لكل أشكال الغلاء الفاحش الذي يعانيه، وتصرفه ليس فيه تجاوز على الدستور أو القانون او العرف. ولا حتى المعني هو دولة بشر الخصاونة كشخص له إحترامه، لكن الاحتجاج كان على الحكومة بشكل مطلق، وعلى نهجها الذي يخالف كل الأوراق النقاشية "خارطة الطريق" الملكية لوطن عظيم، وشعب تعلق عليه آمال كبيرة في صياغة تاريخه وحياته بأفضل السبل وأرقاها.
وإذا عدنا لأي سياق تاريخي مشابه نتذكر دخول نابليون إلى قاعة فيه إجتماع قادة الجيوش، وكان أحد الجنرالات يترأس الاجتماع ويجلس على رأس الطاولة، فما كان من نابليون إلا أن جلس على كرسي جانبي وأمر باستمرار الاجتماع، وإن كان الجنرال قد تنحى جانباً وبإحترام شديد وفقاً للتقاليد العسكرية وقال: تفضل سيدي هذا مكانك.. إلا أن نابليون قال بلغة تهكم للجنرال " أينما يجلس القائد تكون كرسي القيادة". وهذه الحادثة تُعد من صفات القائد اللماح والذكي وتعني أن لديه خلق رفيع في القيادة.
وليس هذه الحادثة فقط بل هناك حوادث أخرى، ففي إحدى الأيام دخل الحجاج مجلساً ولم يجد مقعداً فارغاً في صدر الديوان ، فما كان منه إلا أن إكتفى بالجلوس عند الباب للديوان، وخاطب كل من في المجلس قائلاً " أينما جلس الحجاج فهو صدر الديوان" وانتهى الأمر له.
مع أن الرئيس جلس على كرسي آخر إلى أن يتم البت بالأمر من قبل رئيس مجلس النواب، إلا أن الامر أخذ وقتاً، وكان الأجدى للنائب والأنفع لوصول رسالته ورأيه الوطني من مكانه المخصص له من تحت القبة، وإن كان للحادثة التي جاءت وليدة لحظة إغتنمها النائب العدوان قد استحوذت على منصات التواصل الاجتماعي والاعلامي وأخذت أبعاد أخرى كانت في مجملها لدى الشارع الأردني لغير صالح الحكومة.
وأرى أن الإختلاف في الراي بين النائب والحكومة وضع طبيعي مع التحفظ على الطريقة والنهج الذي أشعل الموقف بين الطرفين، وبتصوري لو أن الأغلبية من النواب عبروا عن تطلعات الشعب وآماله دون أن يكون تداخل لمصالحهم مع الحكومة التي تمرر قراراتها على عين ومرأى من المجلس النيابي المنتخب من الشعب، الذي يفترض أن يكون أقوى في وجه الحكومة لصالح الشعب الذي قام بانتخابه، وهنا أسجل عتب كبير على إمتداد الوطن لكل مواطن أدلى بصوته دون الرجوع إلى قناعاته الشخصية بمن إنتخب، ويكون العتب أكبر لمن تم شراء ذمته معنوياً أو مادياً أو بأي طريقة لا تصل بنا أن نفرز كمجتمع أردني متحضر له بصمات في المحيط العربي بأكمله، ولدينا من العقول المعروفة على مستوى دولي، وتكون النتيجة أن نفرز على أرض الواقع برلماناً بات واضحاً لا يمثل أغلبه المكون الأردني أبداً والانطباعات التي في الذاكرة والشواهد على أداء مجلس النواب توجب على الجميع مراجعة الذات وأن نكون بحق أمناء على وضع الأمانة بيد من يصونها ويحفظها ولعل المستقبل القريب أفضل بوجود برلمان أردني قوي يستجيب لآمال وطموحات الشعب، وقادر على مساءلة الحكومة إذا أخفقت بأدائها وقادر على إسقاطها إذا تحتم الأمر .