زاد الاردن الاخباري -
إجراء تحقيق داخلي له علاقة بتسريب وثيقة هذه المرة وليس معلومة فقط ضمن فعاليات اللجنة الملكية لتحديث منظومة الأردن السياسية، هي خطوة قد تكون عبثية ولا تنتهي بنتيجة محددة مقنعة، لأن الأصل في المسألة أن الاجتماعات والمراسلات والوثائق ليست ولا يمكنها أن تكون سرية.
وأيضاً لأن حق الاطلاع على المعلومات، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإصلاحات سياسية، ينبغي أن ترتفع قيمته أصلاً حتى عند اللجنة وطاقمها، وحتى عندما يكون من غير اللائق تسريب وثيقة داخلية قبل التوافق عليها واعتمادها، وبهدف مفترض واحد ويتيم ولا يوجد غيره أساسا هو «التشويش».
التحقق داخلياً من التسريب هنا ليس مفيداً سياسياً، لكن الوقوف مجدداً عند محطة التشويش، بالرغم من كل ما قيل ويقال، هو مسألة تستوجب التأمل، على الأقل إزاء حادثة يتحدث عنها وراء الستارة أعضاء اللجنة الملكية الآن، وسط قناعة بأن مصدر التسريب على الأرجح هو عضو في اللجنة نفسها أو موظف لوجستي تطوع في المسألة لأسباب متنوعة تخصه.
في كل حال، اللجنة الملكية وفي المفصلين الأهم وهما قانوني الانتخاب والأحزاب، لن تخترع الذرة ولن تضع وصفة سحرية غير قابلة للتطبيق.
لكن المطلوب منها عملية جراحية معقدة قليلاً تنتهي أو يجب أن تنتهي -كما أوضح عضو اللجنة خالد البكار، مجدداً- بتأسيس وتأصيل منهجية البرلمان الحزبي أملاً مستقبلاً في تضمين آلية تسمح بتداول ما هو «محلي» الطابع والصيغة، للسلطة.
مجدداً، ذلك ليس هدفاً سهلاً في كل حال، فقوى الأمر الواقع -كما يسميها وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر- موجودة بقوة وفي المفاصل.
ومن يحاول التشويش بتسريب وثيقة أو مذكرة ما، لها علاقة بتعديلات قانوني الانتخاب أو الأحزاب ومن داخل اللجنة وليس من خارجها، هو نفسه الذي يغذي علبة الاتهامات إلى لجنته بصورة مرجحة، دون أن تفهم اللجنة نفسها ما الذي يحصل، حيث التأكيد مجدداً على أن ضخامة عدد أعضاء اللجنة تطلب طوال الوقت جهداً مضنياً للحفاظ على سير الأعمال والتقليص من الشرور الناتجة عن تشويه اللجنة أو حرف مخرجاتها أو إثارة الجدل حولها، أو حتى عن مشاغلتها ببعض أعضائها المثيرين للجدل، الذين يمكن تجنيدهم دوماً ويمكنهم التطوع أيضاً في سياق المناكفة والمشاغلة.
وعملياً، قد يكون كل ذلك متوقعاً نظراً لأهمية وحساسية الملفات التي تتعاطى معها اللجنة، مع أن بعض الأعضاء المسيسين طبقوا مبكراً قاعدة «قل كلمتك وامشِ» ومع أن عضو مهم يمثل أهم النقابات المهنية هو نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، يعيد ويزيد بالدعوة إلى إنتاجية وطنية أكثر عمقاً من الغرق في تعديلات قانونية الصياغة فقط.
وسط المشاغلات والمناكفات، تمكن رئيس اللجنة المحنك سياسياً سمير الرفاعي، من تحصين لجنته أكثر بحماية ملكية، ومشاغلة المناكفات نفسها حتى اللحظة وإنتاج الانطباع بأن اللجنة تقترب من المفاصل المهمة وتؤسس لمستقبل مختلف سيحمي مصالح الأردنيين جميعاً في اعتبارات الإصلاح السياسي تحديداً، حيث قرار سياسي باغت الجميع بالانتقال إلى برلمان حزبي بصورة كاملة، وتداول حكومات أغلبية برلمانية خلال 10 سنوات.
طبعاً، تلك قفزة ليست سهلة، وكبيرة، ولها ما لها وعليها ما عليها، خصوصاً أن لجنة الأحزاب الفرعية تحديداً بدأت بمسلسل «هز الغربال» بمعنى تحدي أو تغيير العقلية البيروقراطية القديمة المضادة للتنظيم الحزبي، وبمعنى إخضاع بقية المؤسسات التنفيذية في الدولة لمنطق جديد يحمي الحزبيين وتجاربهم، وهذه المرة بموجب النص القانوني في عملية ليس مفهوماً بعد ما إذا كانت الدولة العميقة ستمررها إلى النهاية، كما تقترحها اللجنة الملكية وتريدها.
وهي نفسها عملية يحاجج كثيرون في المجتمع السياسي النخبوي بأن المجتمع الأردني ليس جاهزاً لها بعد، وإن كانت تللك مجرد ذريعة للعرقلة والتعطيل.
في التشبيك بمساحة ضيقة جداً بين قانوني الأحزاب والانتخاب يكمن ويجلس شيطان التفاصيل، والتحدي الأساسي أمام اللجنة الملكية يتمثل في «حياكة» منطق سياسي وطني ثم نصوص قانونية ملائمة تسمح بالتشبيك المطلوب.
والمراد له اليوم بوضوح أن يتزامن سياسياً ووقتياً مع تطلعات الأردنيين للتفاعل برفقة مؤسسة ولاية العهد كرافعة لمنطق الإصلاح السياسي اليوم ولأحد أنماط الملكية الدستورية لاحقاً أو مستقبلاً، الأمر الذي يبرر إجرائياً وقانونياً -ليس ولأول مرة- وجود علاقة تبكيلية بين قانونين لأحزاب وانتخابات لم تربطهما في الماضي علاقات عضوية.
بل يبرر في الطريق إلى إنجاز ذلك الحرص على عملية تشبيك ضمن منظور دستورية أعمق وأوسع وصالح للاستثمار في المستقبل يحتاج من اليوم وبوضوح شديد إلى تنميط عصري في الحياة السياسية، عنوانه البرامج والانتخابات الحزبية، ويلحق به مشروع حكومات الأغلبية البرلمانية.
بمعنى أو بآخر، الجزء الأهم والأكثر تعقيداً في تحديات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية هو -حصرياً- ذلك الجزء الذي يربط -تشريعياً- قانونَي الانتخاب والأحزاب معاً في بوتقة واحدة تتطلب، لا بل تحتاج إلى الإطاحة بعقائد قديمة كلاسيكية مستقرة في مجالي نزاهة الانتخابات وحرية العمل الحزبي.
هنا يكمن التحدي الأساسي، ومعه يجلس مسترخياً شيطان التفاصيل، والمطلوب من اللجنة الملكية اليوم إجراء هذه الجراحة أو الخياطة المعقدة.