حمادة فراعنة - ليست زيارة استطلاع، أو الدافع للتعارف، أو فحص لطرق أبواب انفراج محتمل نحو عقدة المفاوضات السياسية المغلقة بين حكومة المستعمرة الإسرائيلية ورام الله الفلسطينية، تلك التي يقوم بها وليم بيرنز مدير المخابرات الأميركية إلى تل أبيب ورام الله، بل هي زيارة تهتم بالملف الأمني واستمراريته والاهتمام به من قبل واشنطن، وتضييق فرص الصدام في المنطقة بين الأطراف المتعارضة على خلفية تعارض المصالح وما تسببه من توتر.
زيارة أمنية بتفوق يقوم بها وليم بيرنز، تعويضاً عن أي جهد سياسي أميركي، غير متوقع، وغير متاح، فالاهتمام الأميركي نحو العالم العربي والمحيط به من إثيوبيا وتركيا وإيران ينصب على الجهد الأمني دون السياسي.
إدارة بايدن، ليست في حساباتها التدخل السياسي بين تل أبيب ورام الله، لمعرفتها المسبقة أن جهودها لن تحقق أي نتيجة يمكن الرهان عليها، فقد سبق وفشلت إدارة أوباما-بايدن طوال ولايتين 2009-2012 و2013-2016، حينما كلف أوباما خلال ولايته الأولى السيناتور جورج ميتشيل لتحقيق تسوية فلسطينية إسرائيلية وفشل، وكلف وزير الخارجية جون كيري خلال ولايته الثانية لنفس الهدف وفشل أيضاً.
فشلت واشنطن مع تل أبيب لأن حكومة المستعمرة في عهد نتنياهو، ليست لديها الرغبة ولا في حساباتها التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، فلا تنازل من جانبهم بشأن: 1- القدس باعتبارها عاصمة المستعمرة، 2- الضفة الفلسطينية باعتبارها يهودا والسامرة وجزء من خارطة المستعمرة، لا يمكن التراجع عنها أو الانسحاب منها.
وفشل واشنطن مع الفلسطينيين لأنهم لم يعودوا يملكون ما يتنازلوا عنه، لا يستطيعون التنازل عن القدس والضفة الفلسطينية.
ولهذا لا جديد لدى تل أبيب ورام الله، وكل ما تسعى له واشنطن في ضوء هذه المعطيات السياسية هو : استتباب الأمن، وتحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين، وإدارة الصراع وليس حله، وفق نظرية رئيس حكومة المستعمرة نفتالي بينيت "تقليص الصراع" وليس إنهاء هذا الصراع، طالما لا يوجد ما يستوجب أو يفرض إنهاء الصراع وحله.
ليست لدى واشنطن أي برنامج أو أي خطة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن حصيلة عملها طوال السنوات الماضية هو الفشل، كما سبق وجرى في عهد أوباما حينما كان بايدن نائباً للرئيس، والفشل نفسه وأقوى وقع في عهد ترامب حينما تبنى رؤية وخطة الأحزاب الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، ولكنه لم يتمكن من إرغام الفلسطينيين على الرضوخ وقبول قراره يوم 6/12/2017 أن القدس الموحدة عاصمة للمستعمرة، أو فرض خطته المعلنة تحت عنوان صفقة القرن يوم 20/1/2020، رغم ممارسته لكل أنواع الضغوط السياسية والمالية ولكنه رحل حاملاً معه الإخفاق والفشل.
اهتمام واشنطن وأولوياتها إشاعة الأمن والانسحاب من التدخلات المباشرة المكلفة، كما حصل في أفغانستان، وكما يحصل في العراق، وكما تسعى لإعادة التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران.
زيارة وليم بيرنز تستهدف فتح الملفات الأمنية وإعطائها الأولوية على ما عداها من ملفات، في منطقتنا العربية وخاصة في فلسطين والعراق وإيران، وما عقد مؤتمر قمة بغداد الإقليمي الدولي بحضور تركيا وإيران والكويت والسعودية والأردن، بقرار وضوء أخضر حصل عليه مصطفى الكاظمي في زيارته لواشنطن، سوى تعبير عن هذه السياسة الأميركية التي تتوسل إزالة المعيقات وفتح مظاهر الانفتاح والانفراج والأمن في منطقتنا العربية وما حولها، لأن واشنطن مشغولة في مناطق أخرى أهم من العالم العربي ومشاكله، بالنسبة لها.