الدكتور: رشيد عبّاس - أؤكد لكم أن عمر الفاروق لم يدرس القانون الاجتماعي في جامعة هارفارد, وأن عمر لم يكن في مكتبته كتاب دروس في القانون الاجتماعي للدكتور موسى عبود, وأكثر من ذلك أؤكد لكم انه والهاء تعود على الفاروق لم يخضع على الإطلاق لأية دورة من دورات اليونيسيف المتعلقة بحقوق الإنسان, ولم يكن يوماً من الأيام عضوا في أية هيئة أممية,..عمر الفاروق تحصل على شهادة مركّبة الشكل والمضمون, شهادة أشهد أن لا إله إلاّ اللهُ, وأشهد أن محمداً رسولُ اللهِ.
والسؤال المهم هنا, كيف صنع عمر القوانين؟
الأمثلة الآتية ربما تعطينا جواباً شافياً وافياً عن كيف صنع عمر القوانين الإنسانية للرعية, حين رأى رجلاً يأكل بشماله نتيجة لأصابت يده اليمنى بغزوة مؤتة صنع قانون (إصابة العمل) وذلك من خلال تقديم خادم وراحلة وطعام لهؤلاء الاشخاص الذين لديهم إصابة عمل, وحين سمع امرأة إعرابية تناجي زوجها الغائب في ساحات القتال منذُ أشهر فصنع قانون (المرأة) والذي يقضي بعدم حبس الجيوش فوق أربعة اشهر, وحين سمع طفل يصدر أنيناً حزيناً نتيجة لفطام امه له قبل موعد الفطام لحاجتها لمائة درهم والتي كانت تصرف من بيت مال المسلمين لكل طفل بعد الفطام وما كان بالفاروق إلا انه امر بقانون جديد (للطفل) ينص على صرف المائة درهم للطفل منذُ الولادة وليس بعد الفطام.
واكثر من ذلك, حين التقى الفاروق بقاتل اخاه زيد الذي احبه كثيراً بعد أن اسلم هذا القاتل عاتبه الفاروق قائلاً له والله إني لا احبك فقال له القاتل وهذا لا يعنيني ابداً.. تركه الفاروق وحاله مع ان الفاروق كان في أعلى السلطة وصنع من ذلك قانون (حرية التعبير) والذي يسمح بإبداء الرأي, وحين وضعت امرأة من عامة الناس نقطة نظام حيث انها رفضت قانون المهور التي صاغها عمر الفاروق, وقال لها بصريح العبارة أصابت امرأة وأخطأ عمر ليترتب على ذلك سحب قانونه المهور وترك ذلك للمجتمع في تحديد المهور وحسب الاستطاعة.
كان عمر الفاروق يتجول بين الناس ليل نهار ويستمع للكبير والصغير وللنساء والرجال, للفقراء والاغنياء, وكان يتلمس حاجاتهم المادية والمعنوية ومن ثم صنع القوانين العادلة وطبّقها على جميع افراد المجتمع بعدل ودون تمييز يذكر, وكانت تلك القوانين تصاغ حسب غايات المجتمع وطموحاته وذلك بالغوص في قاع المجتمع المستهدف بتلك القوانين, وقد تشكلت له قناعات راسخة مفادها أن المجتمع هو مصدر القوانين وليس السلطة وذلك بما لا يخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أدرك عمر الفاروق وهو احد تلاميذ المدرسة المحمدية, أدرك أن العدل الاجتماعي هو أساس الحكم, وينبغي أن يكون قولًا وعملًا, وأن إقامته بين الرعية يحقّق للحكم قوة وهيبة ومتانة سياسية، واجتماعية، وتزيد هيبة واحترام الدولة في نفوس الناس, وأن التغافل عن العدل الاجتماعي فيه إفساد للمجتمع, وأدرك ضرورة توزيع الأموال بين الناس بالعدل، والقسطاس المستقيم، وتلافي كل ما من شأنه تجميع الأموال عند طبقة منهم دون أخرى, وأدرك ضرورة الاهتمام بالرعية واحترامهم والعمل على تفقّد أمورهم وسدّ احتياجاتهم وإعطائهم حقوقهم من فيء وعطاء.
أدرك موجبات احترام الرعية وتوقيرها والتواضع لها، صغيرها وكبيرها لما في ذلك من سموّ في العلاقات الاجتماعية، والذي يؤدي بدوره إلى زيادة تلاحم الرعية بقائدها، وحبّها له, وأن الانفتاح على الرعية وذلك بسماع شكواهم وإنصاف بعضهم من بعض ضرورة من ضرورات الحكم, وبعكس كل ذلك, قد تضطرب العلاقات بين جميع أفراد المجتمع، ويعمّ الارتباك بين المجتمع والدولة, و(تتقهقر) عندها السفينة.. وهذا ما لا نتمناه.
وبعد:
يا لجنة الإصلاح لا تنسونا بالله عليكم من الإصلاح الاجتماعي حيث الحاجة..