زاد الاردن الاخباري -
في نظرته للإصلاح بصورته العامة يرى رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عدنان بدران، الكثير من التفاصيل، التي من شأنها تحقيق خطى عملية للوصول إلى صيغة عملية لجعل الإصلاح واقعا ملموسا، على الصعيد السياسي والإداري والاقتصادي، معتبرا أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال تطبيق ما جاء في الأوراق النقاشية لجلالة الملك عبد الله الثاني، واعتبارها دليلا ارشاديا لدرب الإصلاح الحقيقي.
مخزون من الأفكار المهمة والعملية يحملها الدكتور بدران الذي يجلس على رأس هرم جامعتين مهمتين في المملكة، حيث يرأس مجلس امناء الجامعة الأردنية، ويدير جامعة البترا، ويقدّم هذا المخزون بقوالب عملية يمكن صياغتها على شكل خطط وأدوات تجعل من الإصلاح حقيقة مجسدة على أرض الواقع، كونه يرى بأن الأوراق الملكية النقاشية قادرة على جعل تحقيق النهج الإصلاحي بأفضل صورة، على أن تكون البداية من الإصلاح السياسي وفق رؤيته كونه يشكّل بداية الطريق لإصلاح متكامل وشامل.
وفي لغة واضحة ومباشرة تحدث الدكتور بدران عن الإصلاح الذي يريده جلالة الملك، وتحتاجه المملكة سياسيا واقتصاديا واداريا، جاعلا من الجميع شركاء في هذه العملية، أو ما سماها بالثورة البيضاء بدءا من الشباب والمدرسة والعائلة الصغيرة وصولا للجامعات، ووجود بيئة صحيّة تساعد على وجود منظومة اصلاحية نموذجية وتتسم بالديمومة، وتحمل مضامين تغييرية نحو الأفضل بشكل عملي، ولذلك ركائز مختلفة من أبرزها الأوراق النقاشية وكتاب التكليف السامي للحكومة، فضلا عن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والتي تعدّ مبادرة ملكية عبقرية لجعل الإصلاح مجسدا بأدوات وتشريعات.
الدكتور بدران اعتبر التعليم هو المفتاح الأساس للإصلاح، فالتعليم برأيه يصنع المعجزات، وكلّ دول العالم التي اهتمت بالتعليم لم تنل منها أي ظروف وخرجت قويّة من كل الأزمات، مثل ألمانيا على سبيل المثال، وعليه يجب أن تكون الجامعات حاضنا أساسيا لكل ما من شأنه أن يقود للإصلاح وفي مقدمة ذلك كسر الحاجز بين الطلبة والأحزاب والعمل الحزبي، سيما وأننا نعيش حتى اللحظة حالة من الخوف في انضمام أبنائنا للأحزاب .
وتاليا نص الحوار مع الدكتور عدنان بدران.
بداية كيف تقرأون المشهد الإصلاحي اليوم وقد بدأت خطى عملية بهذا الشأن؟.
عليّ بداية أن أشير إلى لجوء عدد كبير من الأنظمة السياسية لأنماط متعددة في إدارة بعض الدول، لكن لم يكن فيها شيء من المشاركة الشعبية والديمقراطية، والشعوب لم تشارك في اتخاذ القرار لذلك انهارت هذه الأنظمة، لذا باعتقادي أنه للوصول إلى اصلاح ناجح يجب أن يتضمن الشراكة الشعبية والوصول الى قانون انتخاب عصري وقانون أحزاب عصري وتطبيق اجراءات الانتخابات من ألفها الى يائها بنزاهة وتقسيمة الدوائرالانتخابية بحيث ان الكثافة السكانية تمثل وكذلك المساحة التنموية تأخذ مساحة وحيزا في العملية الانتخابية وتحقيق مزيج من الجغرافيا والديموغرافيا، حتما اذا احسنا ايجاد معادلة في هذا المزيج بحيث نؤمن أكبر مشاركة شعبية في عملية الانتخابات النزيهة وبحضور الاحزاب التي اصبحت مهمة جدا أن تحضر في الانتخابات وعندما لا يجوز انه نضع دوائر انتخابية لا تشجع تنمية الحزب، عندها يمكن القول إن «درب الاصلاح باتت ممهدة وتحقيق منظومة اصلاحية بات حقيقة».
في اي معادلة سياسية يجب أن تحضر الأحزاب بقوة لتحقق النجاح الذي نريد، فعلى سبيل المثال في سويسرا والتي اذكرها هنا كونها تتشابه بالحجم السكاني مع الأردن حيث يصل عدد سكانها لقرابة 8 ملايين ونصف المليون نسمة، لا يجوز لأي شخص أن يرشح نفسه إلا اذا كان حزبيا ولا يجوز ان يتعين في قطاعات الدولة الا اذا كان ينتمي للاحزاب السياسية، وبذلك هم يعمقون الحضور الحزبي، وفي ذلك نهج سليم واصلاحي، اضافة إلى أنه اذا وصلنا الى تشريعات واجراءات سليمة بهذا الشأن سيقودنا ذلك حتما الى حكومات برلمانية، لأن النواب يمثلون اغلبية الشعب اذ هم الأحق في تشكيل الحكومة في حال اكتملت الصيغة النموذجية لوجود الأحزاب ومنها تشكيل الحكومات البرلمانية.
من وجهة نظركم، ما الاصلاح الذي نريد وماذا يلزمنا من صيغ اصلاحية، وهل نحن اليوم بحاجة لإصلاح سياسي، أو إلى منظومة متكاملة لإصلاح سياسي واقتصادي واداري؟.
نحن اليوم بحاجة إلى اصلاح سياسي أولا، ذلك أنه إذا لم يحدث الاصلاح السياسي ليس هناك اصلاح اقتصادي أو اداري كونها كلها تابعة للاصلاح السياسي، ذلك أن المنظومة السياسية هي التي تنمّي الحكومات البرلمانية، فمن خلال هذا الاصلاح يتم اعداد قوانين حاضنة للاصلاح، تحديدا اذا تحدثنا عن قانوني الاحزاب والانتخاب، والأهم تعزيز ثقافة الاحزاب والعمل الحزبي، في ظل مرور العمل الحزبي بمرحلة من الرفض وأصبح الشخص الحزبي معارضا للحكومات، وباعتقادي هذا قول غير صحيح، ذلك أن الأحزاب هي التي تنمّي العمل الصالح وهي التي تنمّي الاقتصاد والاعتماد على الذات وسيادة القانون وعملية الاستقلال الذاتي، وحتى تنمّي آلية تعاملنا مع شعوب أخرى حسب مصالحنا، لذلك فان منظومة الاصلاح السياسي هي الأساس وهي بداية الطريق للإصلاح بشكله الكامل.
وجود اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية توجيه ملكي عبقري لجعل الإصلاح يسير نحو مساحات التنفيذ العملي، برأيكم كيف يمكن للجنة الاستفادة من الأوراق النقاشية الملكية؟ وهل ستشكل لها رافدا فكريا بعملها؟.
الأوراق النقاشية التي كتبها جلالة الملك تشكل رؤية هيكلية لاصلاح سياسي واقتصادي واداري شامل، لذلك من المهم أن تأخذ اللجنة الملكية بكل ما جاء في الأوراق على محمل الجد والتنفيذ وتقرأها جيدا، لأنه باعتقادي هي بناء وطن ديمقراطي متكامل من جميع الجوانب، أوراق تنادي بالدولة المدنية وبالوقت ذاته بالحريات والاحترام عى اساس المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص لذلك تشكل الأعمدة الرئيسة لما تعكف على اعداده اللجنة من منظومة اصلاحية متكاملة.
كيف ترون وجود اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وعملها لجعل الإصلاح بجانبه السياسي واقعا ملموسا؟
هي لجنة ناجحة واستثنائية سواء كان في عملها أو في تشكيلتها، هذه اللجنة التي جاءت بتوجيهات ملكية من جلالة الملك، الحريص على اصلاح عملي وحقيقي، فهذه اللجنة من ناحية تشكيلتها التي تضم أعضاء يثري عملهم ونقاشاتهم اختلاف الرأي في مكوناتها البشرية فقد شملت جميع التوجهات والاتجاهات ضمت تيارات يسارية واسلامية ويمينية وشملت الاقليات وتنوّعت جغرافيا ولم تقص اي شخص حزبيا أكان أم معارضا، فكانت في التشكيل ناجحة جدا.
وكما هو ملاحظ فإن اللجنة الملكية تعمل على وضع أطر اصلاحية مهمة ومدروسة، وتخضع للكثير من البحث والمناقشات سواء كان بين أعضائها أو من خلال الجولات واللقاءات التي تعمل على تنظيمها مع مختلف الفعاليات وفي مختلف المحافظات، اضافة للقاءاتها مع الشباب والمرأة والإستماع لكافة وجهات النظر بشكل بات يثري عملها بشكل كبير وكما أسلفت تحرص اللجنة على عدم اقصاء أي وجهات نظر أو آراء والسعي على انخراط الشباب والمرأة والجميع للوصول إلى منظومة اصلاحية متكاملة.
واللجنة أخذت طابعا مثاليا في عملها عندما حرصت على تقسيم ملفاتها على لجان داخلية وعملت على توزيع أدوارها من خلال هذه اللجان وهذا جيد لتنظيم العمل والوصول لصيغ عملية وتوافقية مدرسة لمخرجاتها.
ما رأيكم في وجود «الكوتا» بشكل عام، وكيف تقرأون ما يطرح بشأن كوتا للأحزاب، هل ترون أنها خطوة بالاتجاه الصحيح لتعزيز الحضور الحزبي نيابيا، سيما وأنكم تتحدثون عن أهمية الأحزاب وصولا للحكومات البرلمانية؟.
الكوتا مهمة وضرورية كبداية لتحقيق مساحة واسعة للقطاع الذي وضعت من أجله، ولكني فيما يخص الأحزاب مع أخذ نسبة من عدد الأعضاء، كأن تخصص نسبة (30%) على سبيل المثال للأحزاب في مجلس النواب، ولكن بصورة عامة الكوتا مهمة حتى نصل لثقافة حزبية وثقافة المساواة بين المرأة الرجل والوصول إلى قوائم حزبية تضم الأقليات، وأنا شخصيا مع القائمة المغلقة بمعنى أن يتم انتخاب القائمة وليس اشخاصا بها.
برأي حتى الآن الكوتا مهمة، وتحديدا النسائية، كوننا حتى الآن لم نتوصل لثقافة المساواة بين المرأة والرجل التي تجعل من المرأة خيارا عند الناخب لانتخابها، وغياب كوتا المرأة سوف يقلل من حضورها بمجلس النواب، وكذلك غياب الكوتا بشكل عام قد يخفف من أعداد من يخوض الانتخابات من خلالها.
أمّا كوتا الأحزاب فربما تكون مفيدة حتى تنضج ثقافة الأحزاب والعمل الحزبي، بمعنى ان تكون لمرحلة معينة الى ان تنضج حتى تصبح الأحزاب موجودة بشكل قوي، عندها تلغى الكوتا ويمكن عندها الغاء كل أنواع الكوتا، بحيث تضم الاحزاب كل الفئات بما فيها المرأة والشركس والمسيحيين من خلال قوائم تمثل الشعب كله قوائم وكتل وطنية يتم انتخابها من خلال هذه القوائم.
ما مواصفات الأحزاب الناجحة والقابلة للحياة من وجهة نظركم ؟.
الحزب الناجح يجب أن يبنى على برامج وليس عقائديا أو أحزاب شعارات، فمثل هذا النوع من الأحزاب انتهى الى غير رجعة، بعدما أثبت فشله، اليوم الأحزاب تغيرت عن الأحزاب قديما، والتي كانت ايديولوجية مبنية على شعارات وليس برامج، وأؤكد هنا انني مع قيام احزاب قاعدتها البرامج بعيدا عن أي شعارات، وكما نشاهد اليوم لا يوجد في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية شعارات للأحزاب إنما برامج، وهذا ما نحتاجه اليوم، حزب يحمل برنامج للقضاء على البطالة أو لتوفير تأمين صحي، أو دعم صندوق الضمان الاجتماعي، وغيرها من البرامج التي تساهم في الفسيفساء الثقافية للمجتمع.
وهل انتم مع دعم الأحزاب، سواء كان ماديا أو معنويا من خلال تعزيز العمل الحزبي وليس ملاحقته أو محاربته؟.
نعم، يجب دعم الاحزاب بكل الوسائل التي تعزز من وجودها، وتجعل من الثقافة الحزبية حاضرة في مجتمعنا، وعدم ملاحقة الحزبي أوعدم تعيينه أو منعه من ممارسة العمل الحزبي في حال كان طالبا، بل على العكس يجب أن نعتز ونفتخر بهذا النهج وأن يتم العمل بجدية لوجود أحزاب متنوّعة وقادرة على التعامل مع الفسيفساء الثقافية للمجتمع.
وأنتم تجلسون على قيادة جامعتين مهمتين، برأيكم ما أفضل السبل لإيجاد جيل شبابي مثقف سياسيا وحزبيا؟ وما دور الجامعات بذلك؟.
يجب العمل على بناء التفكير الديمقراطي والفكر الذي يؤمن بالتعددية الفكرية والسياسية واحترام الحريات وحقوق الانسان ، كل هذه اساسيات يجب ان تبنى منذ الطفولة المبكرة عند أبنائنا، من خلال الاسرة والمجتمع المحلي والمدرسة وحتى من الروضة، وصولا للجامعة التي يكون لها دور كبير لبناء ثقافة الديمقراطية، الديمقراطية التي تعني كثيرا من الأمور من بينها حب العمل الجماعي، واحترام الاختلاف وعدم تحويله الى خلاف، احترام الرأي والرأي الآخر، واحترام حضارات الآخرين، لذلك فان بناء الديمقراطية مهم جدا لنجاح المنظومة السياسية عند الشباب، وأن نوفر التعليم والتعلّم بالقدوة منذ الطفولة المبكرة لذلك نحتاج لتدريب المعلمين كيف يبثوا روح الديمقراطية والمساواة والعدالة والتسامح عن الشباب وذلك يأتي من خلال النشاطات المرافقة للمنهاج وتوسيع الانخراط مع المجتمع.
وفيما يخص الجامعات يجب انشاء والتوسع في الأندية الثقافية وتعزيز التعددية وهذه مهمة جدا وصحية، كيف تجمع التعددية الفكرية بمفهومها الواسع في بوتقة واحدة، وهذا بطبيعة الحال يحدث من خلال الديمقراطية فهي الوعاء الصحي المناسب لذلك، بشكل لا يكون به تهميش لأي شخص.
اذا طلب منكم تحديد واختيار مفتاح للإصلاح اليوم، فما هو مفتاح الإصلاح الذي ترونه مناسبا للولوج لدرب صحيح بهذا الشأن؟.
مفتاح الإصلاح هو التعليم، إذا أردنا اصلاحا جذريا فهو يتحقق بالتعليم، كل مشاكلنا يمكن تجاوزها من خلال تعليم نموذجي، للأسف نحن لم نكن مهتمين بالتعليم وهذا ليس محليا فقط إنما عربيا أيضا، تعاملنا مع التعليم بطريقة صحيحة وكما يجب، ذلك أننا في التعليم حتما نسلك درب الإصلاح الصحيح والنموذجي، وبالتعليم نعزز الحريات والانفتاح والعمل الحزبي.
وهل نحن قادرون على ذلك اليوم؟.
نعم، يمكننا تحقيق ذلك، سنتمكن، ذلك أن التعليم يصنع المعجزات، وهناك أمثلة كثيرة بهذا الشأن فما زالنا نذكر اليابان وألمانيا ومحاولات كثيرة لإيقاع الأضرار بهما، لكن كلتا الدولتين تمكنتا من تجاوز أي تحديات من خلال التعليم.
الدستور