قدمت الاسم على الصفة, لأن اسمك نسبا, ونسبك شرفا, لا بد من هذه التوطئة, قبل الولوج فيما سأكتب تاليا, ملتزما بأدب خطابة سبط النبي وولي عهدنا الامين, ولأن ما سأكتب هو رؤية لا أظن احدا في النظام يستطيع السير فيها مثلك, فنحن اليوم على اولى عتبات المئوية الثانية من عمر الدولة السياسي, ونسينا في غمرة مشاريع التنمية والتحديث, إعمار البشر, رغم ملامح اعمار الحجر البادية في كل بقعة من بقاع الاردن, وسيرورة إعمار البشر, ليست برنامجا حكوميا, فهذا المسار عابر للحكومات, يحتاج الى برامج طويلة الأمد, مسنودة بخطوات يومية تنفيذية, وهذا واجب الحكومات, بصرف النظر عن عمرها, وطواقمها.
سمو الحسين الامير
البنية الإنسانية لا تقل أهمية عن البنية التحتية, بل أهم, و نحن بحاجة لمسؤول للتنمية الإنسانية، ومصدر كلامى هذا استمرار نفس نهج الحكومات المتعاقبة, فهم يتحدثون عن زيادة الصادرات وتضاعف الاستثمارات، وتحسن أحوال الطرق والصحة والتعليم وباقي الخدمات العامة بوصف هذه الخدمات هي محاور التنمية, ناسين او قافزين عن المعنى الحقيقي والاساسي للتنمية, فالتنمية الحقيقية في الاردن هي اعداد الإنسان الاردني, والحكومات كلها مشغولة بالبنى التحتية والخدمية والاقتصادية واغفلت عن معالجة المعضلة الاساس, وهى تنمية وتثقيف وتوعية الإنسان الاردني.
نحن نشهد نماذج ليست غريبة على واقعنا فقط, كما تقول التصريحات الرسمية, بل اخشى انها باتت الواقع نفسه, فالاحباط والتشاؤم وقلة الاحساس بالشأن العام والممتلكات العامة, هي الطاغية, فالبناء الفردي طغى وكلنا يبحث عن انقاذ نفسه او تحقيق مصالحه, فالواسطة سيدة الموقف, وشراء الاصوات عامل حاسم في الفوز, ومواقع التواصل الاجتماعي تكشف كل زيفنا, كمواطنين يسيرون بين النبوة والكفر, نبوة على المواقع, وكفر وطني في السلوك العام.
سمو الحسين الامير
اننا نحتاج اليوم الى نمط جديد من ادارة الدولة, واحد يبني الانسان واخر يبني البنيان, نمط يهتم ببناء الانسان الاردني, ونمط قائم يهتم ببناء الطرق وشق القنوات وحفر الابار- اسف فهكذا قرأنا في كتب التربية- حتى نحقق التوازن, بين حالة التقدم المظهري, الذي يُخفي خلفه الكثير من مظاهر التخلف الهيكلي التي نعيشها, نريد من يهتم بتعليم الاردنيين عدم الاسراف في استخدام المياه, واخر يهتم بايصال المياه الى المنازل والمشاغل والمزارع, نريد من يعلم الاردنيين عدم القاء النفايات في الشارع, ونريد ايضا من يرفع النفايات من الشارع, نريد جهة تقبض على مثيرى الفتن بكل تلاوينها ونريد من يربى الإنسان على أن «الدين لله والوطن للجميع»، وبالمناسبة لن ينجح الثانى إلا إذا نجح الأول، ولن ينجح الأول إلا إذا نجح الثانى.
فلا انفصال بين زيادة أعداد السيارات فى الشوارع وارتفاع كفاءة قائديها، فالقضية الملحة ليست فى المظاهر الشكلية للتقدم مثل وجود تليفونات أكثر تقانة او سيارات حديثة تجوب الشوارع, فيما عدد ضحايا حوادث الطرق اكثر من ضحايا الحروب, وضحايا التنمر الالكتروني يفوق الوصف, نحن نبنى عدداً أكبر من المدارس والجامعات ليس لنواجه الزيادة السكانية بل لارضاء الرغائبية المحلية, سؤالى: لماذا لا نبنى الإنسان الاردني الذى يكافح هو بذاته هذه الظاهرة ويساهم هو بذاته فى بناء المدارس ودعم الجامعات؟
سمو الحسين الامير
نحن الان كحال الأب الذى يقوم بإعادة ترتيب المنزل مع كل مرة يقدم فيها الأطفال على العبث بمكوناته، لأن لديهم سلوكيات خاطئة، وغالباً ما يلعنهم فى سره لأنهم غير ملتزمين بما يراه صواباً، ماذا لو نجح الأب فى تربية أولاده على أن يكونوا مسئولين عن أفعالهم على نحو يجعلهم لا يعبثون بلا إحساس بالمسئولية أو يصلحون ما يفسدون؟ ومن هنا تأتى أهمية التربية على المواطنة، أى التربية على قيم المسئولية المشتركة بين الحاكم والمحكوم.
إن ثقافة الإنسان ليست معطى مثل الموقع الجغرافى، لا نملك حيالها إلا التسليم بها والتعايش معها، وإنما هى واحدة من أدوات التقدم إن استطعنا أن نعيد تشكيلها وتوجيهها، أو واحدة من أسباب التخلف إن جعلنا منها عذراً للاهتمام ببناء المدارس دون الاهتمام ببناء الطالب، بتعبيد الطرق دون الاهتمام بتربية قائد السيارة على قيادتها، بمد مواسير المياه دون تربية المواطن على حسن استغلاله لها، إن الاردني مستقيل من الحياة العامة ويبحث عن مصلحته فقط, وهذا ليس لخلل فيه فقط بل لاختلالات في برامج التنمية الانسانية التي غابت عن حياتنا.
سمو الحسين الامير
نحتاج الى امير للتنمية الانسانية حتى نسير في الطريق الصحيح, وانت اليوم بحكم ما رأيناه منك الاقدر على ذلك والاقرب عمرا الى ثلثي الشعب الاردني, وقادر على جعلنا نسير في الطريق الصحيح.
ولك فائق الاحترام والمودة والتقدير
عن الانباط