زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - مسألتان فيهما بعض الإثارة السياسية يمكن فهمهما من الجزئية التي كشف النقاب عنها مؤخراً عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن جميل النمري، قبل أيام، وهو يتحدث عن يومين حاسمين في ملف قانون الانتخاب.
أبلغ النمري مؤخراً، بشفافية، الجمهور المهتم بأن الاقتراح القاضي برفع عدد مقاعد البرلمان من 130 إلى 150 مقعداً «أغضب الملك»، مما دفع اللجنة لإعادة التفكير بالمسألة ،ومما يعني بأن الموقف الملكي المرجعي لا يريد زيادة على عدد أعضاء مقاعد مجلس النواب، وأن تلك الزيادة بصرف النظر عن أسبابها وخلفياتها لا تمثل الرؤية الملكية في مسألة تطوير اليات المنظومة السياسية.
مسألة الزيادة إلى 150 مقعداً كانت قد سمعتها «القدس العربي» من رئيس اللجنة المختصة لملف الانتخاب خالد البكار، وفكرتها توفير حيز من المقاعد لصالح قائمة وطنية حزبية تجنباً لجدل الاقتطاع من حصص المحافظات ومقاعدها.
لكن النمري كشف بأن المسألة لم تعبر دون أن تتوفر أدلة وقرائن بعد على ما يمكنه أن يعبر من وصفة هجينة لقانون انتخاب يترقبها الجميع، وإن كانت تثير الجدل قبل ولادتها.
ضمن ما لمّح إليه النمري، هو إخفاق بعض التوصيات بعد الإجماع عليها، وبالتالي ثمة ارتباك وحالة تجاذب قد تكون دفعت البكار، وهو لاعب أساسي في المشاورات، إلى الغياب عن جلسة واحدة على الأقل الأسبوع الماضي، وحضور جلسة أخرى جزئياً، فيما يبدو أن بعض مراكز القوى في الدولة لا تظهر الحماسة إطلاقاً لإغلاق القائمة الوطنية تحديداً على الاتجاهات الحزبية فقط وتميل إلى تنميط قانوني يسمح بتيارات اجتماعية دون ترخيصها كأحزاب تخوض الانتخابات المقبلة.
ورغم أن اللجنة عموماً لن تعلن بعد ما قررته وما استبعدته، إلا أن منصات التواصل شهدت قدراً من الاحتفال بدفن سيناريو كان حتى قبل عشرة أيام يحظى بالتوافق، وهو ذلك المختص بتطعيم الكوتات بمرشحين حزبيين أيضاً.
وإخفاق هذا السيناريو يعني ضمنياً أن فكرة تحزيب أو حزبنة نحو 50 % من مقاعد البرلمان المقبل خرجت عن المسار، وقد يعني أن ما سيعبر بالنتيجة هو تطعيم ونكهات حزبية بنسبة لا تزيد عن 25 % من المقاعد، وهو تنميط يؤدي بدوره إلى صيغة أقرب لكوتات الأحزاب وليس لانتخابات حزبية حقاً.
يخرج عن المسار والبوصلة أيضاً تلك الأفكار التي تقترح خطوات أوسع وأسرع في حزبنة التجربة الانتخابات برمتها، وصولاً إلى هدف يريده الملك علناً، كما صرح رئيس اللجنة الأم سمير الرفاعي، وكما أبلغ البكار «القدس العربي» سابقاً، وهو برلمان حزبي تماماً يؤسس للكتل البرامجية في غضون عشرة أعوام.
ثمة مصدات ظهرت لردع أو تقليص أهمية العديد من المقترحات التي يراهن عليها في الإصلاح الانتخابي، وظهر تماما اليوم بأن بعض الجهات داخل الدولة وأخرى في المجتمع لا تشكل رافعة للأفكار الجديدة التي يفترض أن تنتهي بقفزة حقيقية في مجال الإصلاح السياسي.
وهو وضع توقعه سياسي وخبير وبرلماني هو الدكتور محمد الحلايقة، مبكراً، عندما حذر، عبر «القدس العربي» أيضاً، من عدم الانتباه لضرورة عدم وجود حاضنة اجتماعية تدعم وتساند ما ستقرره اللجنة الملكية، حيث الفوارق كبيرة بين التسويق والاستناد إلى منطق العلاقات العامة، والاقتصار على إقامة فعاليات مع أشخاص وشرائح محددة لا يمكنه أن يكون بديلاً عن حاضنة اجتماعية عميقة وواسعة تؤمن بما تفعله اللجنة الملكية أصلاً، وتوفر مساحة أكبر من الدعم.
لكن ذلك يتطلب قبل إنجازه توفير الحد المعقول من الحاضنة الاجتماعية داخل اللجنة أولاً على الأقل للأفكار والتصورات الوطنية المهمة والمفصلية في قانوني الانتخاب والأحزاب، وهو أمر لا يبدو أنه متحقق الآن وسط حالة غموض تجتاح أوصال المطبخ الاستشاري، الذي يحاول تمرير أفكار مفصلية ومهمة داخل اللجنة في صيغة نظام الانتخاب.
التشبيك بين قانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين لا يبدو أنه يسير في الاتجاه المطلوب حتى اللحظة على الأقل، والوقت بطبيعة الحال يمر، والساعات القليلة المقبلة حاسمة فعلاً، والإجماع والتوافق غير متوفرين، وحضانة المجتمع مشغولة بارتفاع أسعار الكهرباء وكلفة المعيشة واستئناف العام الدراسي واشتعالات الإقليم المتعددة.
في ظل المشهد، بالتوازي، أصابع غير مرصودة علناً، يبدو أنها تعبث بالمشاورات المتعلقة بقانون الأحزاب، وهو وضع طبيعي نتج عن العدد الضخم في تشكيل لجنة عريضة لم تتضح أهدافها للجمهور بعد، وإن كانت البصمات الخفية في ظل المشهد هي التي تعيد وتزيد وتكرر وتتراجع تأسيساً لحالات انفلات في التشاور يبدو اليوم أنها مقلقة.
يفترض وفي غضون ساعات قليلة أن يستدرك المطبخ الذي يقود التفاصيل، لكن ما الذي يحصل بخصوص ملف قانون الانتخاب بصورة محددة لا أحد يعلمه بعد، وإن كانت تأثيراته ملموسة وواضحة لجميع الأطراف.القدس العربي