مهدي مبارك عبد الله - من المعلوم بان الولايات المتحدة الأمريكية قامت بغزو أفغانستان عقب احداث 11 سبتمبر 2001 التي أدت إلى مقتل 3000 أمريكي والتي تبناها تنظيم القاعدة وقد رفضت حركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان وقتها تسليم قيادات التنظيم لواشنطن
استمر الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان نحو عقدين من الزمان وكلف أكثر من تريليوني دولار وسقوط أكثر من 25 ألف قتيل من الجيش الأمريكي وأضعاف هذا العدد بين المدنيين الأفغان ومع قرار الرئيس جو بايدن الانسحاب من أفغانستان عادت طالبان للحكم والسيطرة على البلاد مرة أخرى بقوة مذهلة
بعد السرعة القياسية التي سقطت بها المدن والأقاليم الأفغانية تحت سيطرة مقاتلي طالبان وفرار واستسلام عناصر قوات الجيش الأفغاني الذي انفقت واشنطن على تدريبه وتسليحه نحو 83 مليار دولار دون أي مقاومة أمام مقاتلي الحركة كان من الطبيعي أن تثار عدة أسئلة حول مصير الأسلحة الأمريكية المتطورة التي وقعت في ايدي طالبان
لم تمر سوى ايام قليلة للغاية إلا وكانت حركة طالبان قد اكتسحت أغلب البلاد وغنمت ترسانة هائلة من الأسلحة والعتاد الأمريكي الذي خلفته القوات الأفغانية المنهارة من طائرات هجومية خفيفة من طراز ( سوبر توكانو) وأخرى من طراز هيركيوليز وعدد من مروحيات الهليكوبتر من طراز ( بلاك هوك ) ومدرعات من طراز ( هامفي ) وناقلات جنود وعربات استطلاع ورصد برمائية
ومجموعة كبيرة من البنادق الهجومية الأمريكية من طراز ( إم 4 وإم 16 ) ومعدات رؤية ليلية واتصالات عسكرية ومركبات مضادة للألغام وأطنان من الأسلحة الخفيفة والذخائر استولت عليها طالبان حيث ظهرت مؤخرا عدة تسجيلات مصورة لعناصر من طالبان أثناء تقدمهم وهم يتفقدون صفوفاً طويلة من المركبات ويفتحون صناديق ممتلئة بأسلحة نارية جديدة ومعدات اتصال متطورة
ربما يكون من الصعب جداً تحديد الأسلحة الأمريكية التي استولت عليها طالبان بشكل دقيق في ظل احتمالات تدمير بعضها أو حدوث عمليات فساد اثناء عمليات نقلها من الولايات المتحدة إلى أفغانستان عبر متعاقدين مع البنتاغون الا أنها وباعتراف مسؤولين كبار في إدارة الرئيس الأمريكي بايدن كانت كميات كبيرة جدا وكل ما لم يتم تدميره أصبح الآن غنائم في يد طالبان
وقد قدرت مصادر مطلعة في مجلة ( جين ديفنس ) ان إجمالي قطع سلاح الجو التي ورثتها طالبان من الأمريكان بـ 211 طائرة حربية منها 167 طائرة كانت في كامل جاهزيتها القتالية تركت في مهابط ومدارج 11 قاعدة جوية بعدما اجتاحت طالبان كامل افغانستان
كما سيطرت قوات طالبان من عدة مستودعات تابعة للجيش الافغاني على 250 ألف بندقية أوتوماتيكية متعددة المنشأ ( سوفيتية وأمريكية وبلجيكية ) وآلاف راجمات الصواريخ و144 دبابة تي 55 وتي 62 السوفيتية الصنع وهي بكامل صلاحيتها الميدانية بالإضافة الى 9 آلاف عربة مجنزرة تستخدم في معارك المشاة وأكثر من الف مدفع متوسط وبعيد المدى و44 صاروخ بالستي قصيرة المدى الى جانب كميات كبيرة من القذائف المضادة للدروع وعدد من طائرات الاستطلاع العسكرية الخفيفة متعددة الأغراض
ورغم عدم توافر أرقام محددة فإن التقييم الاستخباراتي الامريكي للبنتاغون يعترف في عدة تقارير بأن طالبان سيطرت فعليا على أكثر من ألفي عربة مدرعة منها ما هو من طراز هامفي الأمريكي وما يصل إلى 40 طائرة قد يكون من بينها طائرات من طراز بلاك هوك وطائرات هليكوبتر هجومية وطائرات عسكرية مسيرة من طراز ( سكان- إيجل )
عدة مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون عبروا عن بالغ قلقهم ومخاوفهم من أن تستخدم تلك الأسلحة في قتل مدنيين أو ان تقع بيد جماعات متشددة أخرى مثل تنظيم الدولة الإسلامية او تستغل في مهاجمة مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة أو تسلَم لخصومها مثل الصين وروسيا ومن اجل ذلك بحثت الادارة الامريكية جملة من الخيارات حول مصير سلاحها في افغانستان من بينها ( شن ضربات جوية مركزة ) لاستهداف العتاد العسكري الأثقل مثل الطائرات الحربية المقاتلة ومروحيات الهليكوبتر لكنها تخشى ان يستعدي ذلك العمل طالبان في وقت تستهدف فيه بالأساس إجلاء الأشخاص خارج البلاد
يقول بعض الخبراء العسكريون الامريكيون ان حركة طالبان ستجد صعوبة في الاستفادة من بعض الأسلحة الأمريكية التي استولت عليها فمن الناحية العملية لا يمكن استخدام الطائرات المتطورة دون تدريب وان تشغيل العديد منها يعتبر مسألة معقدة وان أغلبها بحاجة لصيانة متكررة وان معظمها لا خطر منه لأنها غير مزود بتقنيات أمريكية حساسة جدا
لكن في المقابل فان هنالك جانباً كبيراً من تلك الأسلحة والعتاد لا يحتاج للتدريب المتخصص لاستعماله مثل نظارات الرؤية الليلية التي ستمكن عناصر طالبان من تنفيذ عمليات ليلية فضلا عن البنادق الخفيفة والقنابل وقاذفاتها وقذائف مدافع المورتر والهاوتزر وقطع المدفعية وغيرها والتي قد تعطي لقوات طالبان ميزة في مواجهة أي مقاومة مناهضة لها مثل جماعة احمد مسعود المتحصنة في وادي بنجشير شمال شرقي كابول
وبحسب التقارير الأمريكية العسكرية التي كشف عنها مؤخرا تم إرسال أسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أفغانستان بكميات ضخمة على ( ثلاث مراحل ) أولاها كانت في الفترة من 2003 حتى 2016 وخلالها تم إرسال أكثر من 75 ألف مركبة عسكرية ونحو 600 ألف قطعة سلاح متنوعة وأكثر من 162 ألف قطعة من الأجهزة الخاصة بالاتصالات العسكرية و208 طائرات حربية إضافة إلى أكثر من 16 ألف قطعة من الأجهزة الخاصة بالاستطلاع والاستخبارات والاتصالات
وقد جاءت المرحلة الثانية في الفترة من 2017 حتى 2019 وخلالها تم إرسال أكثر من 7 آلاف مدفع رشاش ونحو 5 آلاف مدرعة من طراز هامفي وأكثر من 20 ألف قنبلة يدوية و2520 قذيفة مدفع و1394 قاذف قنابل
أما المرحلة الثالثة والأخيرة فقد جاءت خلال الأشهر القليلة الماضية وخلالها حصلت قوات الجيش الأفغاني على 211 طائرة إمداد عسكري أمريكية استخدمت القوات الأفغانية 46 طائرة منها للهروب إلى أوزبكستان بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في البلاد
ما يقارب من تسعين مليار دولار انفقتها الولايات المتحدة على تدريب عناصر الجيش والشرطة الأفغانية و10 مليار دولار لمكافحة زراعة وتجارة المخدرات و24 مليار دولار على مشاريع التنمية الاقتصادية وحقيقة الأمر هي أن تلك المبالغ الضخمة دخلت معظمها ارباح الى جيوب شركات أمريكية محددة ذات نفوذ وتأثير وحظوة في الوقت الذي عجزت فيه واشنطن ان تبني دولة نستطيع ادارة مصالحها بنفسها او جيش قادر على حماية شعبه وبلاده
اميركا انهت اخيرا احتلالها لأفغانستان بهزيمة مذلة بعدما مارست فيها الكثير من القتل والنهب والاجرام لكنها رحلت وخلفت للشعب الافغاني الكثير من المشاكل والهواجس وزعزعة الامن وتركت البلاد بلا افق واضح او مستقبل معلوم تتقاذفها الاحداث المؤسفة والتي كان بداياتها الهجوم الانتحاري على بوابة المطار وما اسفر عنه من ضحايا واصابات كثيرة
ربما الاقدار الالهية وحدها شاءت لحركة طالبان ان تحرر أفغانستان من براثن الاحتلال الامريكي وعملائه الأفغان وان تستولي على ترسانة ضخمة من الأسلحة والعتاد الحربي لم تكن تحلم بامتلاكها منذ تأسيسها وهو ما سيجعل منها قوة عصرية التسليح يرهب جانبها ويحسب لها الف حساب
mahdimubarak@gmail.com
.