المحامي بشير المومني - في الحرب العالمية الثانية نشأت حالة غير مفهومة للأجهزة الأمنية الألمانية من كشف الجواسيس الألمان الذين سرعان ما يتم كشفهم وتصفيتهم من قبل ضباط الاستخبارات الروس بعد فترة وجيزة من زرعهم في صفوف الجيش الروسي على الجبهات المشتبكة وفي بعض الاحيان كان يجري تصفيتهم ميدانيا لحظة محاولة انضمامهم للجبهات العسكرية ويتم كشفهم بسرعة البرق !!
حاول جهاز الغستابو الالماني فهم ما يحصل دون جدوى فعمليات الزراعة كانت تتم بمنتهى الدقة والحرفية والعلمية التي تصل الى درجة الكمال الاستخباري بهامش خطأ ( صفر ) مما أثار تعجب قيادات الاجهزة الامنية الالمانية والتي حاولت معرفة كيفية كشف عملائهم بتلك السهولة وتصفيتهم بلحظات بعد جهد يستمر عدة أشهر من الإعداد للعملية وتدريب مثالي واستثنائي مكثف ولكن دون جدوى !!
احتاج الأمر للإجابة على دهشة الألمان الى عملية معقدة جدا في تجنيد عنصر من الاستخبارات الروسية استنزفت وقتا ثمينا مؤثرا في النتائج الميدانية وأموالا طائلة بملايين الروبلات والكثير من الفودكا الفاخرة والنساء لاسقاط عنصر هامشي لكنه مفيد باعتباره كان يشهد عمليات الاعدام الميدانية للعملاء الألمان .. أين الخطأ ؟؟ حتى الفوهرر كان يريد معرفة السبب وجن جنون الجميع !!
بعد ثمن باهظ جدا دفعه الألمان من سقوط خيرة العملاء المدربين والمصنفين تصنيفا عاليا تبين أن سبب لم يكن خطأ في العملية او اختراق للأجهزة الامنية الالمانية قد حققه الروس بل هو خلل بنيوي في نمط التفكير الألماني الساعي إلى الكمال والناشيء عن مدرسة نيتشة في فلسفة القوة فلقد كان ملازمة صفة الكمال للاداء الالماني هو ما يكشف العملية !!
السبب كان تافها .. بسيطا .. غريبا .. فالمصانع الألمانية تنتج دبوسا من معدن مثالي لا يعوج ولا يصدأ تجمع به الاوراق المزيفة لهوية العميل في حين ان الدبوس المعدني للهويات العسكرية الحقيقية التي تنتجها المصانع الروسية سريعا ما تصدأ لأن المدرسة الروسية كانت تؤمن بتأمين الحاجة لا فلسفة الكمال وبذلك كان العملاء الالمان سرعان ما يتم اكتشافهم بسبب الصناعة المثالية للدبوس !!
الرئيس الرفاعي اليوم يحاول أن يكون مثاليا وأن تخرج اللجنة الملكية بنتائج مثالية في محاولة احداث اختراق على المستوى الشعبي كما فعل الالمان مع الروس تماما لكن المشكلة كل المشكلة ليست في مخرجات الملف بل في الملف نفسه أما ادارة الملف فقد تكون في بعض الاحيان أهم من محتواه ومن ثم من قال ان المطلوب اساسا في الاردن حالة مثالية !!؟؟ عبر عقود من الزمن استقرت مصانع الشعب على منتجات قد تكشف مدخلات جديدة لامعة براقة انتهاء مدة صلاحية المنتج القديم لذلك تكون مرفوضة بوصفها مضادة لما اعتاده الناس .. تغيير انماط التفكير الاجتماعي مهمة تكاد تكون مستحيلة ..