بقلم:حسن محمد الزبن - قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ (سورة أل عمران ـ186)،وصدق الله الذي تجلت قدرته حين قال: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ (سورة الأعراف ـ34)،
ها قد رحلت يا أبي..رحلت أيها الحبيب القريب وأوفيت حضورك.. وأوفيت غيابك.. وأديت رسالتك.. وقدّمت سماحك وشكرانك.. وخليت فينا فراغاً لا يملؤه غيرك.. أيها الأريب اللماح كعادتك.. أيها المغادر ولا تدري كم هي لوعة الرحيل فينا قد امتدت وأصابت أهل البيت لحظة الفراق الذي غيّبك.. حين غادرت الروح الطاهرة جثمانك .. محلقة إلى الله بعدما كانت أمانة من الله لديك.. محفوفة بحفظ الله في قيامك وقعودك.. وكنت وفياً صابراً محتسباً والكل فينا مثلك.. مصدقون مؤمنون لم نستهجن الموت فهو حق وسيبقى مسلكنا مسلك.. ومبتغانا مسيرتك.. وطريق الله إليك..
لكن الموت كان موتك.. فاليغفر الله لنا إن سهونا فالمحنة في فراقك موجعة مؤلمة حدّ السيف لعظيم مكانتك.. فيا ربي قد تماسكنا وبأعيننا خشيتك.. لكنه يا ربي أقرب الناس إلينا يمضي إلى جوارك.. ونعوذ بك أن نسألك.. .. فهو الذي علمنا كيف نحبك.. وكيف نخشاك ونعبدك.. وعلمنا التوسل في رحابك.. والصلاة إليك طمعاً في مغفرتك.. وعلمنا الصلاة والتقرب للحبيب صلوات الله عليه أطهر الناس وأقربهم منزلة عندك.. علمنا أن نكون أقرب لجلالك.. وأن لا نخشى الناس ما دمنا في حفظك.. فالحق يعلو ولا يُعلى عليك..
رحلت أبي وبقي لك الأثر عظيماً زاخراً نستذكره عبر سكناتك وحركاتك وغمزاتك ونجول في محطات حياتك.. كأنك بيننا منتشياً ضاحكاً فما أروعك.. حتى في أيامك الأخيرة تذكرت أهل القبور وتذكرت الموت وكأنك تفضي لنا بما في سريرتك.. تفضي لنا بسرّ الله المغيب أنه قادم إليك..فأردت أن تكون قريباً من بيتك ..فكان ما أوصيت وكان منزلك الأخير موافقاً لمقالتك.. رحلت على خير مع الله أبيضاً رغم سمرتك..
أفجعتنا نحن أهلك وأولادك وبناتك وزوجتك .. وما أنا هنا لأخبرك أو أسألك.. فأنت ضيف الرحمن ندعوه أن يغفر لك ويرحمك.. ذهبت على خير بإذن الله وفي كنف الله وداعتك.. وسماحتك.. وإيمانك.. وخاتمتك .. وأثرك الطيب ووصالك لذوي القربى ومن وصى عليهم ربك.. وأنت الآن تتوسد التراب كباقي البشر المغادرون الراحلون سكناهم إلى جوار الله فيا رب ما أرحمك.. ندعوك ربّي أكتب له جنتك..
ونحن على العهد أبي سنبقى نظلك بالدعاء الطويل على مد الذكريات من عمرك.. ونوصلها بما أمر الله ولن ننقصك بإذنه ما علينا من واجب الوصل وبرِّك.. وكتاب الله فينا نقرأه ليُنيرظُلمتك.. وسيبقى هذا فينا ما دامت الروح لم تغادرنا إلى بارئها.. وما دامت الأنفس نقية طيبة معطرة كلما جال خاطرها وهي تغدو للذكريات إليك ومعك..فالتطمئن روحك وسنبقى نستذكر قول الله في كتابه ونحن على خطوات من قبرك:
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)﴾ (سورة الفجر٢٧-٣٠)