زاد الاردن الاخباري -
منذ أن صادق الأردن العام 2014 على اتفاقية المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي رقم (102) التي ينص أحد بنودها على حق مشتركي الضمان الاجتماعي بتوفير تأمين صحي لهم، تكررت التصريحات الصحفية الصادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي عن قرب توفير التأمين الصحي لمشتركيها، لكن من دون أن يتحقق شيء ملموس على أرض الواقع.
آخر هذه التصريحات ورد على لسان مساعد مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي للشؤون الإدارية والمالية محمد عودة، عن توجه لتوفير تأمين صحي لمشتركي الضمان في القطاع الخاص سيتم إطلاقه قريباً.
وقال عودة في تصريحات صحفية إن مؤسسة الضمان تراجع حالياً مسودة نظام جديد للتأمين الصحي، وتجري اللمسات الأخيرة عليه، مبينا أن النظام سيتم رفعه إلى مجلس الوزراء بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، من أجل إقراره، وتوقع أن يتم بدء العمل به، في الأول من كانون الثاني (ديسمبر) 2022.
في المقابل، يؤكد خبراء في مجال سياسات العمل، على ضرورة عدم رفع قيمة الاقتطاعات على المنتسبين مقابل الشمول في التأمين الصحي، مع تشديدهم على ضرورة فتح مسودة التأمين الصحي للنقاش قبل إقرارها.
يشار إلى أنه لدى تعديل قانون الضمان الاجتماعي العام 2014، وعندما تم إقرار تعديلات على قانون المؤسسة تضمنت رفع قيمة الاقتطاعات بمقدار 3 %، سبقه توافق بين الحكومة وأصحاب عمل وممثلي عمال، بأن تتم الاقتطاعات تدريجيا اعتباراً من العام 2014 وبمقدار 0.75 % ولتحصّل كاملةً مع بداية العام 2017، وهو ما سيؤمن لمؤسسة الضمان الاجتماعي دخلاً جديداً يزيد عندما يحصل على 150 مليون دينار سنوياً ويزداد مع زيادة عدد المشتركين.
الأمين العام السابق لوزارة العمل حمادة أبو نجمة، وبحكم عمله آنذاك، بين لـ”الغد” انه وعند مناقشة تعديلات قانون الضمان الاجتماعي وقتها في مجلس النواب، وتحديدا في اللجنة المالية المشتركة ووزارة العمل، كان الاتفاق مع مؤسسة الضمان على إخلاء القانون من كافة الثغرات الموجودة فيه، ومنها عدم وجود تأمين صحي لمتقاعدي الضمان الاجتماعي، وعدم السماح للمتقاعدين مبكراً بالعودة إلى سوق العمل ولو بعد فترة، وعدم شمول المتقاعدين مبكراً بالزيادة السنوية حسب نسبة التضخم، وبذلك أخذ النواب “وعدا شفويا” من المؤسسة ان تعمل على إزالة هذه الثغرات مقابل ان يوافق النواب على رفع الاشتراكات.
وأضاف أنه تم بالفعل زيادة الاشتراكات على مدى ثلاث سنوات، لكن في المقابل لم تلتزم مؤسسة الضمان الاجتماعي حتى اليوم بوعودها بشمول مشتركي الضمان الاجتماعي بالتأمين الصحي.
ويؤكد أبو نجمة ضرورة عدم رفع اقتطاعات الضمان، مبينا أنها تعد سببا رئيسا لاتساع قطاع العمالة غير المنظمة، كونها تقلل من استحداث فرص عمل جديدة في القطاع المنظم نتيجة ارتفاع تكلفة استخدام العمالة، ويدفع المؤسسات الى العمل بالحد الأدنى من العمالة، بما يساهم في زيادة معدلات البطالة أيضا.
وقال إن “رفع قيمة الاقتطاعات سيدفع صغار اصحاب العمل الى التهرب من الشمول والعمل ضمن الاقتصاد غير المنظم، وبالتالي في التهرب من الالتزامات الأخرى كالضرائب والرسوم، وبالنسبة للعامل فإن ارتفاع اقتطاعات الاشتراكات يؤدي الى انخفاض قدرة العامل الشرائية واستهلاكه، ما يفضي الى انخفاض الطلب الكلي الذي يساهم في الحد من النمو الاقتصادي.
وبعكس ذلك فإن تخفيض الاشتراكات سيساهم في الزيادة على الطلب الكلي، وفي نسب التشغيل في القطاع المنظم، والتخفيف من البطالة بشكل خاص بين العمال قليلي المهارة وفئة الداخلين الجدد إلى سوق العمل، بحسب أبو نجمة.
وتؤكد دراسة للبنك المركزي الأوروبي في العام 2007 أن أي زيادة على الضرائب والتأمينات الاجتماعية بنسبة 1 % تؤدي الى تخفيض النمو الاقتصادي بنسبة ما بين 1 الى نصف بالمائة، وبالعكس في حال تخفيض اعباء الضريبة والتأمينات الاجتماعية.
بدوره، يشرح خبير التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي أن التأمين الصحي هو التأمين الخامس في قانون الضمان الاجتماعي، وتكرّر ذكره بين التأمينات التي وردت في كافة قوانين الضمان التي صدرت حتى الآن منذ صدور القانون المؤقت رقم (30) لسنة 1978 وكان يُسمّى في هذا القانون (التأمين الصحي للعامل والمستحقين).. “لكن المؤسسة لم تُفكّر في تطبيقة إلا نادراً، وكانت كلّما عَنّ ببالها تفعيل هذا التأمين تتريّث وتفكر مليّاً خشية الإخفاق والإنفاق.. والكل يعرف أن التأمين الصحي الاجتماعي مكلف، وأنّ الأمر ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلا، بل هو ضروري ومهم”.
وبين الصبيحي ان التأمين الصحي في قانون الضمان هو تأمين صحي اجتماعي، يمكن تطبيقه بقرار من مجلس الوزراء بناءً على تنسيب من مجلس إدارة الضمان، وتوضح الفقرة (هاء/1) من المادة (3) من قانون الضمان ذلك، حيث نصّت على أنّ (لمجلس الوزراء بناءً على تنسيب المجلس تطبيق التأمين الصحي للمستفيدين منه مشتركين ومنتفعين، سواء من قبل المؤسسة منفردة أو بالاتفاق مع المؤسسات والجهات المختصة ذات العلاقة، ولهذه الغاية يُستحدث في المؤسسة صندوق خاص للتأمين الصحي).
كما أشار البند 2 من الفقرة المذكورة إلى أنه لهذه الغاية يصدر نظام خاص يحدد فئات المستفيدين من هذا التأمين وأحكامه وشروطه ونسب الاقتطاع من المنشآت والمؤمّن عليهم، كما يحدد هذا النظام كيفية إدارة الصندوق واستثمار أمواله والمنافع المترتبة على تطبيق هذا التأمين، وفق الصبيحي.
وأكد أن تكلفة التأمين الصحي بالتأكيد لن تكون قليلة، حيث أشار القانون إلى نسب اقتطاع من المنشآت والمؤمّن عليهم العاملين فيها، من دون تحديد هذه النسب، وأحال تفاصيل ذلك إلى النظام الخاص بالتأمين”، و”هذا من وجهة نظري خلل وثغرة قانونية بل وشبهة دستورية، فلا يجوز فرض رسم أو ضريبة أو اقتطاع إلا بقانون (لا تُفرَض ضريبة أو رسم إلا بقانون- المادة 111 من الدستور)، وكان الأصح أن يتم تحديد نسبة الاقتطاع الخاصة بالتأمين الصحي في القانون نفسه صراحةً كما هو حال التأمينات الأربعة الأخرى.
وأضاف: “لهذا أرى من وجهة نظري أنه إذا كانت نية المؤسسة ومجلس الوزراء تتجه فعلاً لتطبيق التأمين الصحي الاجتماعي، بأن يُصار إلى تعديل قانون الضمان وتحديد نسبة الاقتطاع عن هذا التأمين وتوزيعها بين المؤمن عليه والمنشأة، وغيرهما في حال كان التوجّه بدعم هذا التأمين من الحكومة والمؤسسة، كما أرى ضرورة أن تساهم الحكومة بجزء من تكلفة هذا التأمين لتخفيف العبء المترتب على الضمان والمؤمّن عليهم والمنشآت”.
وشدد على ضرورة دراسة وتقييم ومراجعة التطبيق، وضمان عدم تأثيره سلباً على المركز المالي للنظام التأميني للضمان الاجتماعي، و”بالتأكيد نفترض بمؤسسة الضمان أن تكون قد درست مدى قدرتها على تطبيق هذا التأمين بكفاءة ونجاعة، والأهم وضع مسودة نظام التأمين الصحي المقترح على طاولة الحوار مع كافة الأطراف المعنية، على أن يشمل الحوار الاطلاع على الدراسة التي يُفترض أن تكون المؤسسة قد أعدّتها حول هذا التأمين، وللمؤسسة تجربتان سابقتان على هذا الصعيد وحول الموضوع ذاته”.
رانيا الصرايرة - الغد