حسن محمد الزبن - هناك حقيقة يجب أن تُدرك ونتعايش معها.. فليس من السهل أن تحتفظ بالعديد من الصداقات وتحمل لكل منها نفس درجة الثقة والقرب..ونفس درجة المحبة.. ونفس درجة الشعور بالحاجة إليها.. ونفس درجة الإحساس بالسؤال وتتبع أخبارها.. هناك دائماً من بينها شخص واحد تستطيع أن تعطيه كل إهتمامك ووقتك.. وأن تفضي له ما بداخلك من فرح أو وجع.. هناك شخص واحد يمكنه ان يكون أنت..أو الأقرب لصورتك الداخلية.. الأقرب إلى هاجسك.. إلى شجونك.. الأقرب إلى البال.. يقبلك بكل توافقاتك وتناقضاتك.. بكل إيناعاتك وتباريحك.. لا يقف على الحياد .. لا تكاد تلتقي به وتغادره حتى تعود إلى لقائه مرة أخرى.. الغياب بيبكما ليس طويلاً.. هذا الشخص هو الصديق والرفيق للدرب والروح.. هو من يشاطرك أشياؤك الجميلة.. وبنفس الوقت يشاركك اللحظات الصعبة والمرّة.. هو من تفعل لأجله أي شيىء..وهنا يولد الإحساس بالحياة.. والعزف على وقع الأمس الذي مضى والغد الآتي من أنفاس الأرض المسكونة بالحقيقة.. ويبقى في أفق الأيام مسافة ود.. ومسافة إختيار..
متى وجدت هذا الصديق.. فإنك بلا شعور تُهمش العديد من الصداقات .. وتسعى إلى إسقاطها من حياتك.. أو تكتفي أن يكونوا مجرد أشخاص تعرفهم وتلتقيهم متى دعت الظروف أو الصدف أو المناسبات.. ويصبحوا في خانة إسمها(معارف) أو (زملاء) أو (جيران) أو (...) أو (....)......سمها ما شئت..
ومنهم من يغادرك حكماً.. ويُسقط نفسه من حياتك لمجرد إحساسه عدم إهتمامك بالتواصل أو اللقاء أو عدم السؤال.. أما من شاركته لحظات الشدة والبلاء.. لحظات الفرح والألم.. لحظات المرح والضحك.. لحظات الهدوء والضجيج.. وكان ما كان من مواقف نبيلة فحتماً لن يتخلى عنك.. لما توطد من أواصر الصداقة الحقيقية بينكما.. ويقول ابن المقفع: " صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الندامة ".
صديقك هو الوجه المشرق من حياتك.. هو باب الفرح إذا أثقلتك الهموم.. هو السند والعون لك من الوقوع أو السقوط إذا داهمتك الحياة بخطب ما.. أو جلل ما.. أو في لحظة ضعف ما.. هو بعض منك.. وأنت بعض منه.. هو الأقرب إليك عندما يبتعد عنك أغلب من هم حولك.. هو من يفرح لفرحك.. ومن يحزن لحزنك.. ويتألم لألمك.. هو معك دائماً متى تبسّمت لك الدنيا.. وهو أيضاً معك متى عبست وتجهمت عليك الدنيا.. لا ينافقك.. ولا يخدعك.. لا يُقرب لك البعيد.. ولا يُبعد عنك القريب.. هو إحساسك النابض فيك.. هو جزء منك.. إذا غادرك ستشعر بنقص وخيبة قد تطول لتصحو من ألم فراقه أو بعده عنك.. وأنت بين خيارين إما أن تستعيد الثقة بالحياة من جديد.. ومواجهة الإنكسار.. أو توغل في الظلمة وغياهب الدروب.. دون محاولة شق الغبار والدخان الذي أصابك بالخذلان.. والقرار قرارك.. ويسبقه دائماً الرغبة.. وحب النهوض والمواجهة.. فهناك دائماً ما يوازي حب الذات .. إنه صديق.. لكن لا تيأس من مواصة الرحلة والطريق..