زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - لا توجد وصفة إدارية جاهزة من أي نوع يمكن الرهان عليها في فهم الواقع الإداري الأردني، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمقتضيات ومتطلبات السؤال الاستثماري العالق تحديداً.
قبل أيام فقط ولأسباب قانونية وبيروقراطية وإجرائية، تقرر تكليف القاضية المختصة والبارزة فداء الحمود بوظيفة إدارة هيئة تشجيع الاستثمار، إضافة إلى وظيفتها الأصلية التي اختبرت لسنوات الآن بتميز في رئاسة ديوان التشريع والرأي في مقر رئاسة الوزراء.
استغرب كثيرون خصوصاً في القطاع الخاص من خطوة الحكومة، حيث لم يكن من المألوف الاستعانة بقاض في مجال اختصاص محترف لا علاقة له به مثل الاستثمار، لكن يبدو أن الظروف التي تستوجب ترتيب ملف المؤسسة المختصة بتشجيع الاستثمار وتؤدي إلى تأخير تسمية مدير جديد خلفاً لمدير سابق أعفي من منصبه مؤخراً، تطلب الخطوة الجديدة؛ حيث يقال بيروقراطياً بأن بعض الملفات والقرارات ينبغي أن توقع باسم مدير للهيئة وليس باسم الأمين العام الذي تعين بدوره مؤخراً فقط إضافة إلى وظيفة أخرى.
في كل حال، سبق لهيئة تشجيع الاستثمار أن أصبحت وزارة ثم عادت إدارة ثم ألحقت بوزير، ثم استقال مديرها وتم تعيين نائبه بالوكالة خلفاً له بعد خلافات يعرفها الجميع بين وزير العمل الأسبق الدكتور معن قطامين وخبير الاستثمار البارز الدكتور خالد الوزني.
«الأردنيون لا يعرفون»
حتى الآن لا يعرف الأردنيون لماذا استعانت حكومة سابقة بالوزني أصلاً وإن كان يعمل في نطاق الاختصاص المهني وبحرفية، ولماذا غادر الوزني موقعه لاحقاً. ثم لا يعرف الجميع بعد لماذا أصلاً تتأخر الحكومة في تسمية من يتولى هذه المؤسسة المهمة، مع أن خطابات الدولة من رأسها إلى أصغر موظف فيها تتحدث طوال الوقت عن جذب الاستثمار وتعزيزه وتوفير الضمانات والحماية له.
التردد كبير في السياق البيروقراطي، وبالتأكيد حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة ورثت سلسلة هيكلية وإدارية معقدة جداً وتركة ثقيلة، مع أن الإجماع حاصل اليوم على الأهمية القصوى للإصلاح الإداري إن لم يكن قبل غيره من الإصلاحات ينبغي أن يكون بالتوازي معها.
سمعت «القدس العربي» وزراء بارزين في الحكومة يقولون بأولوية الإصلاح الإداري، ومن بينهم وزيرا المالية والصحة محمد العسعس وفراس الهواري. وقال خبراء كبار حريصون على القطاع العام طوال الوقت مراراً، بأن الحكومة يجب أن تؤسس لمقاربة مختلفة في مجال الاستثمار.
هنا تحديداً يقترح المستشار القدير محمد الرواشدة، على هامش نقاش مع «القدس العربي» مغادرة المعلبات في التخطيط والتفكير، وقبل الانصراف إلى الاهتمام بجذب أو تسييس الاستثمارات إظهار الحرص على مخاطبة واحترام وتلبية احتياجات المستثمر الأردني ورأس المال الداخلي الموجود في الميدان؛ حرصاً على وقف التسرب والتسلل إلى الخارج أو البحث عن ساحات بديلة.
وهي مقاربة لا يعارضها واحد من أبرز المشتبكين مع الواقع الاقتصادي والتجاري والاستثماري والخدماتي مثل رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، المصرّ على أن أي خطة تحفيز اقتصادي واستثماري تبدأ من المصارحة مع المصالحة بالتوازي بين الحكومة والمؤسسات الاقتصادية الأهلية، كما تبدأ من خلال شراكة حقيقية مع أصحاب الخبرة وبيوتها خارج القطاع العام.
الموقف الاستثماري معقد وصعب في الأردن، ورئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز قالها بوضوح واختصار قبل رحيله عندما رفع شعار «الفطام من المساعدات» والاعتماد على الذات بعد الآن.
القيادة الأردنية تناور وتبادر وتخترق في أكثر من محور وجبهة لتعزيز الحضور الاستثماري الأردني وخدمة القطاعات المحلية، الأمر الذي يبرر الحراك القيادي الملكي النشط جداً في العراق وسوريا، وفي الملف اللبناني، وفي أسواق الضفة الغربية، أملاً في تعزيز تبادل الخبرات والصادرات الأردنية وفتح الآفاق أمام الصناعات والمنتجات الأردنية.
سؤالان
لكن الرهان على الاختراق السياسي ليس كافياً، فحتى بعض كبار المسؤولين العراقيين صدموا مؤخراً أعضاء وفد برلماني عريق زار بغداد عندما طرحوا سؤالين في غاية الأهمية لهما علاقة بتبادل المنفعة الاستثمارية.
السؤال الأول كان بالصيغة التالية: نحن لا نفهم في بغداد بعد..
لماذا يحضر الوزير أو المسؤول الأردني ويتحدث معنا بلا صلاحيات قرار؟
السؤال الثاني أكثر إحراجاً، وكان قد لامسه أمام «القدس العربي» سابقاً نقيب المهندسين الأردني أحمد سمارة الزعبي: وزراء عمان عندما يحضرون إلى بغداد، لماذا لا يرافقهم مقاولون وإنشائيون حقيقيون لتلمس السوق والتقاط الرزق؟
سؤالان صعبان برسم الكسل والخلل البيروقراطي الأردني، وعبثاً حاول قبل أسابيع إضعافهما وزير الأشغال المخضرم يحيى الكسبي، عندما اصطحب معه إلى بغداد وفداً يمثل جزءاً من المستثمرين في قطاع المقاولات. و في كل حال، يتحدث المختصون عن استثمارات أردنية تغلق أو توقف نشاطها في عمان، وتنتقل إلى جمهورية مصر.
ومع أن وزير التخطيط الأردني، أو كما يوصف رئيس الطاقم الاقتصادي في الحكومة ناصر الشريدة، زار القاهرة وتفاعل مع المصريين، إلا أنه لم يقدم وصفة تشرح تلك المفارقة المتمثلة في أن مصر، التي تطرح بعض الأسئلة بدورها، قد أصبحت محطة تغري من تتعثر استثماراتهم لأسباب بيروقراطية في عمان.
تماماً كما جذبت إسطنبول وبيروت في الماضي القريب الحصة الأكبر من زبائن القطاع الطبي الأردني الذين كانوا يدفعون في المملكة نحو 6 مليارات دولار سنوياً تلاشت الآن، لأن جهة بيروقراطية ما قررت قبل سنوات ودون تقديم أي شرح، مضايقة مستشفيات القطاع الخاص وإلزام المرضى من أربع دول عربية بتأشيرات مسبقة مفعمة بالقيود الأمنية.
همسات
حتى الآن القطاع الطبي الأردني الخاص الذي كان يدر دخلاً ضخماً، يبحث عن إجابة عن سؤال استثماري عالق. وحتى الآن لا أحد يستطيع، بيروقراطياً أو سياسياً، تفكيك أسرار التعثر الإداري في الهيئة المختصة لتشجيع الاستثمار، مع أن بعض الخبرات الأردنية تدير استثمارات ضخمة في دول أخرى. لعل المبالغات الدرامية تحت عنوان التفتيش الضريبي والسلوكيات البيروقراطية الجمهورية والجملة الموسعة ضد الفساد والفاسدين أنتجت الكثير من التشوهات، وأخافت بعض رؤوس الأموال، وأرهقت -بالتوازي- من يطرح السؤال أو من يحاول الإجابة.
رجل أعمال يهمس في أذن «القدس العربي» بمفارقة غريبة، فالمربع المالي في الحكومة يرفض تخصيص نفقات صالحة لاستدراج استثمارات للأردن والترويج للبلاد، فيما توضع ميزانية لا يستهان بها لتمويل وفد برلماني عريض يزور مصر لكي يعود ويتحدث بجمل إنشائية لا معنى لها عن العلاقات الثنائية أو عن الوضع الاستثماري هناك.
«القدس العربي»