كم نحن كاذبون .. وكم نحن متبجحون .. وكم نحن منافقون .. نحن مجتمع قائم على بواقي التاريخ بنفس المقدار الذي ننتج فرية الحاضر ونخدع الذات بالذات ونتبجح بأن لدينا قيم وأن لدينا دولة حديثة قائمة على الدستور والمؤسسات وسيادة القانون في حين ان واقعنا منحدر ومريض بطريقة فجة والاسوأ من ذلك أننا بتنا نعتاد هذه الفجاجة الاخلاقية في منظومتنا التي نعيش وتحكمنا وتتحكم بنا ..
لدينا فشل اخلاقي عميييييق يتجاوز نطاق حتى اللاحضارة لنغدق في الهمجية والبربرية وقد ترجمنا كل مفاهيم الكذب والنفاق على الذات الوطنية وزعمنا في الدستور أن دين الدولة هو الاسلام وزعمنا أن منظومتنا الاجتماعية قائمة على الاخلاق ومارسنا الزيف والتضليل على الذات وكذبنا كذبة كبرى واسميناها عدالة ومساواة وحقوق انسان .. وفي اختبار بسيط نقف جميعنا عاجزين .. عاجزون امام حقيقة ان كل مزاعمنا القيمية والاخلاقية والنصية والتاريخية لم نستطع ترجمتها في قانون او صاحب قرار قادر على تطويع النصوص التي باتت تصنعنا بدلا من ان نصنعها .. تباً
الحكاية من البداية حيث زارني في مكتبي مجموعة من الاصدقاء والموكلين المليئين وكبار تجار البلد لمناقشتي وتوكيلي في قضية تعرضوا فيها لاجحاف حقيقي وتتمثل في قيامهم بشراء سيارات فارهة بمئات الالاف وبعد دفع ثمنها بسعر السوق والقيام بنقل ملكيتها وفق الاصول تبين ان هذه المركبات قد جرى ادخالها للاردن بطريق التهريب الجمركي فجرى حجزها وضبطها وهي في طريقها للمصادرة والبيع في المزاد العلني بعد صدور احكام قطعية بشأنها رغم ان وصفهم القانوني ( مالك حسن النية ) ..
لا يهم .. وعذرا من الاصدقاء والموكلين الاثرياء فجيوبهم وحساباتهم تتحمل جور الدولة والنظام القانوني وسنقارع المؤسسات والحكومة وظلمها بالقانون لا سيما أنه من الثابت قطعا بأن المتسبب في التهرب الجمركي وتزوير وثائق المركبات هم موظفون حكوميون بالاشتراك مع المستورد الذي ادخلها للسوق وباعها بطريقة احتيالية على الدولة والمواطنين وللمحاكم ميدانها وفرسانها ولكن ومن خلال مراجعتي للجهات ذات العلاقة فلقد وقعت على قضية مؤلمة ..
معلمة حكومة تعمل في منطقة خارج المحافظة التي تسكن بها فاضطرت تحت وطأة الحاجة والضرورة أن تشتري سيارة كيا بعشرة آلاف دينار من السوق بالاقتراض من احد البنوك وليأكل القرض ما يزيد على نصف راتبها او حتى ثلثيه حتى تستر نفسها بوسيلة نقل وتقوم بأعباء عملها فإذ هي فتقع بما وقع به كبار التجار والاثرياء وشتان ما بين ( الجي كلاس ) و ( الكيا ) وشتان ما بين معلم لا يكاد يقطب متطلبات حياته براتب متواضع وتاجر من اصحاب الملايين ..
اكتب هذه الكلمات بألم وانا مدرك تماما لحجم الفجاجة والسقوط في منظومتنا الاخلاقية قبل القانونية واتأمل حال هذه المعلمة وقد صودرت سيارتها والبنك يقتطع مع كل قسط من راتبها جزءا من كيانها وسلطان الدولة على الوجدان لديها لتكفر بالدولة والانتماء وكل قيم العدالة ولتخلق حالة من التمرد او لا قدر الله الوصول لمرحلة اللاعودة .. اتأمل كثيرا احوال من احرقوا انفسهم او تردوا من علٍ .. شيء اكثر من مؤسف
صدقوني أنني لا أعرف هذه المعلمة ولا اعرف حتى اسمها لكنني أشعر بها وبحزنا وشعورها بالضيم والظلم وفشل المنظومة القانونية والسيادية والمؤسسية في انصافها او حتى التخفيف مما حاق بها واكتب لها ومن اجلها لعل الله يحدث بشأنها أمراً ولعل القلوب القاسية ترق لها او تتناهى هذه الكلمات لمسامع جلالة الملك فيثأر لها من سلطان الظلم بسيف هاشمي نبيل لا يضرب الا في مواضع الحق ..
دعوكم من الاثرياء واصحاب الملايين فهم قادرون على صون حقوقهم وتوكيل محامين وربما سيزعجهم هذا المقال وربما سينهي بعضهم توكيله لي وهو غاضب وربما سيعزف عني من كان يريد توكيلي .. صدقوني كل ذلك لا يهمني .. فهذه السيدة عندي أهم من قضيتهم جميعا وسأبحث عنها وسأعرفها وسأتوكل لها مجانا للدفاع عنها ان شاء الله تعالى وسأحصل حقها رغم أنف المؤسسات وقوانينها الفاشلة وسأنسف النص القانوني غير الدستوري وسأحصل لها على تعويض يعيد لها تقديرها وايمانها بالاردن وسأعلم المؤسسات درسا اجعله سابقة بالحكم بإذن الله تعالى ولكن ..
ولكن هل يستدعي أن نخوض كل هذه المعمة وبإمكان رئاسة الوزراء ان تتحلى ببعض الشجاعة وتقوم بالاعتراف بخطئها على اساس مسؤولية المتبوع ان افعال التابع وتقوم هي بنفسها باتخاذ قرار باعادة السيارة لهذه المعلمة مع اعتذار بالغ وشخصي من دولة الرئيس عن فشل المؤسسات من القيام بواجبها او حتى اعطائها سيارة بديلة عن اللزوم !!!؟؟؟
بنتيجة الدعوى اذا صدر قرار بعدم دستورية النص الذي قضى بالاعتداء على حق الملكية المصان دستوريا للمالك حسن النية فستستعيد هذه النشمية مركبتها .. وحتى لو لم يصدر مثل هكذا قرار فبالنتيجة تبقى مسؤولية الحكومة ومؤسساتها قائمة بالتعويض عن كامل ثمن المركبة التي سيتم بيعها بالمزاد العلني مع كل التعويضات المرافقة وسيتم صرف تعويضات المعلمة من خزينة الدولة وستكون تتجاوز كلف ما تعتقد مؤسسات الحكومة انها كسبته بتطبيقها للقانون دون تطويع للنصوص او شجاعة على ذلك .. وما المانع حتى من تعديل النص تحقيقا للعدالة وانصافا لمثل هكذا حالات وتحمل الحكومة لمسؤولياتها وتقوم هي بنفسها بالزام مؤسساتها بتصحيح الخطأ الذي صدر عن تابعيها وصولا لشرعنته على سبيل الاستثناء ..
لا يحتاج الامر لكثير من الشجاعة أو حتى جرة قلم .. وللأمانة والتاريخ أشهد فأقول أن الجهة الوحيدة التي حاولت ان تبحث عن مخرج قانوني للحالة اعلاه ومساعدة الناس ومالكي المركبات حسني النية لتحقيق العدالة كان القضاء الاردني الجليل وقضاتنا الذين يشعرون بوجع الناس .. لكن تبا للنص المكبل وتبا لكل مسؤول حكومي جبان غير قادر على اتخاذ القرار اذا كانت لديه سلطة تقديرية لا يستخدمها في خدمة من وضع لخدمتهم .. أما دولة الرئيس فعليه أن يعتذر شخصيا لهذه المعلمة بوصف الاعتذار من قبيل جبر الضرر النفسي على الأقل لما تسبب لها تابعيه من أذى والايعاز لوزير التربية بنقل المعلمة لمكان عمل قريب من مكان سكنها ..
المحامي بشير المومني