مهدي مبارك عبد الله - صادف يوم الخميس الماضي 16 / 9 / 2021 الذكرى الـ 39 لارتكاب جريمة مجزرة صبرا وشاتيلا التي وقعت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في 16 / 9 / 1982 والتي لم يستطيع غبار الزمن إخفاءها كما لم يستطع التاريخ طمس معالمها يوم استيقظ العالم على وقع دمويتها بعد انسحاب قوات الثورة الفلسطينية من العاصمة بيروت حيث استمرت لمدة ثلاثة أيام متواصلة شربت فيها الارض من الدماء حتى ارتوت نفذتها عصابات الكتائب اللبنانية الاجرامية بإمرة إيلي حبيقة وجيش لبنان الجنوبي بزعامة العميل سعد حداد وتحت اشراف وتخطيط ودعم القوات الاسرائيلية الغازية بعد دخولها العاصمة اللبنانية بيروت بقيادة وزير الدفاع المجرم ارئيل شارون عام 1982
استخدم في تنفيذ المذبحة التي هزت العالم آنذاك كافة الأسلحة النارية والسكاكين والخناجر والبلطات والسواطير والجنازير والحبال وزجاجات الخمر الفارغة وغيرها لقتل سكان المخيم المدنيين العزل حيث عمدت القوات الاسرائيلية الى محاصرة وتطويق المخيم بالكامل وإنارته ليلاً بالقنابل المضيئة لتسهيل المهمة ومنع هروب أي شخص وعزل المخيَمينَ جغرافيا عن العالم وبهذا سهلت مهمة عناصر القوات اللبنانية وأتاحت لهم قتل الفلسطينيين دون ان تخسر اسرائيل رصاصة واحدة
عدد القتلى لم يعرف بوضوح وتتراوح التقديرات ما بين 3500 الى 5000 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ من الفلسطينيين وبعض اللبنانيين وقد نفذت هذه المجزرة انتقاماً من الفلسطينيين ورجال المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية على الصمود البطولي والاسطوري أمام الغزاة أثناء حصار بيروت بعد العدوان الهمجي والاجرامي الذي شنه حكام اسرائيل على لبنان مطلع الثمانينات
مذابح صبرا وشاتيلا المروعة التي مثلت سادية القرن العشرين كانت من أبشع المجازر في تاريخ البشرية وقد هدفت بالأساس بث الرعب في نفوس الفلسطينيين والتأثير على معنوياتهم ودفعهم للهجرة والرحيل ومغادرة الاراضي اللبنانية وكذلك تأجيج نار الفتنة الطائفية وتسعير الخلافات المذهبية الداخلية واستكمال عمليات الغزو والاجتياح العسكري ضد الوجود الفلسطيني في لبنان فضلا عن تأليب أبناء المخيمات الفلسطينية ضد قيادتهم الشرعية والتاريخية بحجة تركها لبنان دون توفير حمايتهم
ما حدث في صبرا وشاتيلا والمحفورة في الذاكرة ابدا لم يكن مجرد حدث عابر لمغامرة جنونية دموية قامت بتنفيذها جحافل الغزو وعملائهم الكتائبيين والجيش اللبناني الجنوبي إنما هي في الواقع جريمة نكراء بحق ابناء الشعبين الفلسطيني واللبناني وضد الانسانية لأجل اجهاض مشروع الثورة والنضال التحرري الفلسطيني وتصفية القضية والقضاء على الحقوق الوطنية الفلسطينية
دم ضحايا صبرا وشاتيلا الابرياء لم يجف بعد وصرخات الشهداء لا تزال تمزق الضمائر وفي فمها أكثر من سؤال والافعى الاسرائيلية الرقطاء لا تزال عطشى للدماء وهي تطارد وتلاحق الفلسطينيين في كل مكان وترتكب بحقهم المجازر والمذابح والتشريد والدمار فما زال حتى اليوم تسمع صرخات الاطفال وانين الجرحى وهم يصارعون الموت في كل ارجاء فلسطيني المحتلة
فظاعة المشهد الذي لم تهتز له امريكا ودول الغرب والشرق قيد أنملة وصور أكوام الشهداء الذي قضوا وهم يحتضنون بعضهم البعض الى جانب رؤوس الاطفال واطرافهم المقطوعة واصابعهم التي كانت تتحرك في برك الدماء الحامية وبطون النساء الحوامل المبقورة والاجنة تتدلى منها ميتة وبقايا من الادمغة المتطايرة واجزاء اللحم الملتصقة على الجدران ناهيك عن روايات اغتصاب الفتيات والنساء وحتى العجائز والفتيان ونهب البيوت والمتاجر كلها مشاهد لا زالت تسكن في اعماق الذاكرة وسويداء القلب عرف فيها الابرياء معنى الموت وستبقى الجرح الغائر في تاريخ هذه الامة المتخاذلة والمهزومة الذي كتب بمداد التآمر والخزي والعار
لعل فيما شاهده الصحفي توماس فريدمان من صحيفة نيويورك تايمز الامريكية شهادة حية ومنصفة على اعدام شباب المخيمين وقتلهم بدم بارد حين قال ( رأيت في الأغلب مجموعات من الشباب في العشرينيات والثلاثينيات من اعمارهم صفوا بمحاذاة الجدران وكبلوا من أيديهم وأرجلهم ثم قتلوا بالرصاص بأيدي عصابات الاجرام )
ورغم تكرار جرائم الاحتلال الاسرائيلي ومجازره المتواصلة ضد الفلسطينيين ومحاولات ادانة مرتكبيها الا انها كانت دائما تصطدم بالفيتو الامريكي ويتم اسدال الستار عليها وتغطيتها بعد توفير الحصانة القانونية والامنية والعسكرية للمجرمين للإسرائيليين وعملائهم
في أعقاب مجزرة صبرا وشاتيلا تشكلت لجنة تحقيق من ثلاثة أعضاء في شباط 1983عرفت بـ ( لجنة كاهان ) حيث تناولت بالتفصيل الدور المباشر الذي قام به وزير الدفاع الاسرائيلي أرائيل شارون في السماح لمليشيات لبنانية بارتكاب مجزرة بحق أهالي مخيمي صبرا وشاتيلا وقد شهد فيها الجنرال رفائيل ايتان رئيس هيئة الأركان آنذاك في اطار التحقيقات بأن دخول المليشيات المسلحة الى المخيمين تم باتفاق بينه وبين شارون ورغم ان اللجنة أثارت الكثير من القضايا التي تتطلب اجراء تحقيق جنائي ضد مرتكبي المجزرة البشعة بحق المخيمين إلا انه جرى تهميشها من مضمونها واهمل عملها دون الوصول الى تقديم مرتكبي تلك الجرائم الى المحاكمة عن مسؤوليتهم المباشرة في قتل الآلاف من المدنيين الأبرياء
مجزرة صبرا وشاتيلا هي شريان الجرح النازف لشعب ما زال يجمع أشلاءه وهي ليست الاولى في سجل جرائم ومجازر العدو الاسرائيلي والتاريخ العربي والفلسطيني كما أنها لن تكون الأخيرة بحق ابناء الشعب الفلسطيني لأن مسلسل المجازر الصهيونية لم ينته ولم يتوقف لحظة منذ اغتصاب الأرض الذي مازال التي مازال المها يئن عذابا ويصرخ قهرا في دير ياسين و كفر قاسم و جنين و غزة وقلنديا وفي كل شبر من تراب فلسطين والجريمة تتلو الجريمة دون رادع دولي وما زالت اسرائيل تختبئ خلف عباءة واشنطن وحلفاءها في ظلّ التواطؤ الدولي المفضوح والعجز العربي غير المسبوق وغياب الوحدة الفلسطينية والقدرة العربية والاسلامية
فمن شارون سفاح صبرا وشاتيلا الى بيريز سفاح قانا الى نتنياهو مجرم غزة الذي كان يتحدى العالم ويصر على التمادي في جرائمه وفي سياساته العدوانية ولهذا ستبقى المجزرة متواصلة بل ومتصاعدة بأشكال عديدة مادام الجلاد الصهيوني يدوس بقدميه القانون الدولي
شهداء صبرا وشاتيلا لا يزالوا ينتظرون من يقتص لهم من القتلة ويحقق لهم بعض من العدل في واقع ميزان العدل فيه مختل ويسود منطق قوة ويعتلي سنامه الباطل ويغيب نور الحق الذي لن يسنده سوى استمرار الشعب الفلسطيني في نضاله الوطني وتمسكه بحقوقه المشروعة وعدم تنازله عن ثوابته ودعم مقاومته الباسلة وبناء نظامه السياسي الفلسطيني التعددي وتبنى استراتيجية تتساوق مع مصالحه وانهاء الانقسام الذي يكبل ايدي الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال ومستوطنيه ويحرف البوصلة الفلسطينية نحو القضايا الهامشية غير المجدية
مرتكبي المجزرة معروفين للقاصي والداني وعلى جميع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والعربية والدولية تحريك الدعاوى ضد هم وتقديمهم للعدالة لأن جريمتهم لا تسقط بالتقادم كونها جريمة حرب بامتياز ستبقى في الذاكرة الفلسطينية و في عهدة المحكمة الجنائية الدولية ودماء الشهداء والضحايا تطارد المجرمين بانتظار محاكمتهم بارتكابهم جرائم حرب ضد المدنيين الأبرياء
مجزرة صبرا وشاتيلا في ذكراها الـ 39 فضحت من جديد المشاريع والمخططات الامريكية والصهيونية والاستعمارية وكشفت وجوه بعض العرب الذين يريدون اعطاء امريكا وحلفائها صك مفتوح باستهداف الوطن العربي تحت حجج واهية لإشعال الحروب الأهلية وتمرير مشاريعهم التطبيع والسيطرة وتفتيت وتصفية القضية الفلسطينية لذا فإن التصدي ومقاومة هذا العدوان هو مسؤولية وطنية وقومية شاملة تقع على عاتق جميع القوى والشعوب التي تنتصر اليوم للوقوف الى جانب ارواح شهداء مخيمي صبرا وشاتيلا
السادس عشر من سبتمبر من عام 1982 لا زال وسيبقى ماثلا في ذاكرة كل فلسطيني وطني وعربي شريف وانسان حر رغم وجع هذه الذكرى وتراجيدية شريطها الملبد بالنكبات والنكسات والمجازر لتاريخ كيان صهيوني عنصري أسود ملطخ بالدم وحافل بالمجازر والمذابح الدموية البشعة بنى وجوده على انقاض شعب صاحب ارض وحق ابلج لا بل ان صمت المجتمع الدولي وتواطئه هو الذي شجع اسرائيل دائما على مواصلة نهجها في القتل والارهاب ولو حوكمت مرة واحدة وقدم مجرموها الى المحكمة الدولية لما تجرأوا على ارتكاب مجازرهم اللاحقة أبشع وافظع
لن ينسى ولن يغفر ابدا الفلسطينيين والعرب والمسلمين واحرار العالم دموية ووحشية تلك المجازر مهما طال الزمن أو قصر فسوف يأتي اليوم الذي يعود الحق لأصحابه وهذا أقل معاني الوفاء لمن استشهدوا وذبحوا بدم بارد وأعدموا في بيوتهم ومثل بجثثهم ولحينه ان شاء الله سيكون الشعب الفلسطيني الشقيق قادراً على الصمود وإفشال المخططات الإمبريالية والصهيونية التي تستهدف حقوقه الوطنية مهما بلغت التحديات والتضحيات فقد أثبت التاريخ أن صاحب الحق لا يموت وان الحق لا يضيع ووراءه مطالب
في الختام مجزرة صبرا وشاتيلا ستبقى اكبر من الزمن والتاريخ وهي التي كانت ولا زالت تستحق من العالم ومؤسساته وهيئاته الدولية الحقوقية والانسانية ان يقف أمامها موقفا حازما ليحاكم مرتكبيها باعتبارهم مجرمي حرب ولا شك بان ابناء الشعب الفلسطيني ومعهم احرار العالم سيلاحقون المخططون والمنفذون حتى وهم في قبورهم اموات
mahdimubarak@gmail.com