كنت وسأبقى داعما ومؤيدا لمهرجان جرش، فهو من وجهة نظري تظاهرة ثقافية وفنية لها تأثيرات اجتماعية وسياحية واقتصادية، وهو كذلك فرصة نادرة لتقديم الأردن بوجه جديد للعالم.
عايشت هذا المهرجان منذ كنت طالبا للإعلام في جامعة اليرموك العام 1981، وشاركت متطوعا في بعض نشاطاته، ونستذكر بالخير الدور المهم للدكتور مازن العرموطي في انطلاقته، وحين قررت الحكومة قبل سنوات إلغاءه واستبداله بمهرجان الأردن كنت معارضا لهذه الخطوة، ومنددا بها، فقد أصبح المهرجان علامة فارقة، وجزءا من الذاكرة الوطنية، وجواز سفر لتسويق الأردن.
حين غاب أو عُطل مهرجان جرش بسبب “مناكفات” داخل الدولة شعرت باستياء وحزن، فيكفي أن المهرجان يقدم جرش بأبهى صورة لها، ويعيد إحياء مدينة تاريخية حافظت على هوية أثرية مختلفة، وتعد أفضل المواقع الرومانية في العالم خارج إيطاليا.
جائحة كورونا كانت سببا في توقف فعاليات المهرجان العام الماضي، ولكن هذا العام يعود المهرجان تحت شعار “جرش مزينة في الفرح”، وأوافق مدير المهرجان أيمن سماوي، أن قرار تنظيمه يعد قرارا جريئا جدا.
في كل سنة يتعرض مهرجان جرش لهجوم ومعارضة تحت مبررات وذرائع مختلفة، والأمر لا يرتبط بفيروس كورونا ومخاطره، والحرص على الصحة والسلامة العامة.
منذ سنوات طويلة لم تتوقف الحملة التي تدعو لإيقاف مهرجان جرش باعتباره يتعارض مع الدين والقيم، ولا يتردد البعض بوصفه مهرجانا للفسق والفجور، ويكيلون له التهم الجاهزة والمعلبة، ونفس هؤلاء يعارضون كل أنواع المهرجانات والحفلات سواء جرش أو غيره، وينطلقون من أيديولوجيات وقيم اجتماعية، وهم يريدون تفصيل الدولة على مقاسهم، وخاضعة لأفكارهم ومعتقداتهم.
أتفهم وأساند أن تكون هناك ملاحظات على محتوى برنامج المهرجان، أو على تنظيمه وإدارته، وحتى قدرته على تسويق الأردن وتحقيق جذب سياحي، فهذا أمر مطلوب وضروري لتطوير المهرجان، وتجويد فعالياته وصورته، ولكن لن أقف داعما ومصفقا لمن يريدون اغتيال المهرجان، وإغلاق كل مساحة لبث الفرح في البلاد.
مهرجان جرش بدأ هذا العام، ولا أعرف لماذا لم ينظم في الشهر الماضي حين كان المغتربون والسياح من الخليج متواجدين؟
مدير المهرجان أعلن أن البروتوكولات الصحية لحماية الصحة والسلامة العامة ستُطبق بحزم، وحسب التعليمات لن يدخل المهرجان إلا من تلقى المطعوم، ولن يسمح بالحضور في المدرجات أكثر من 50 % من سعتها، وسياسة التباعد سيلتزم بها، وبالممارسة العملية وبعيدا عن الكلام والشعارات، فشلت إدارة المهرجان في تطبيق ذلك، وهذا ليس اتهاما، بل كلام على لسان شهود العيان، والصور وحدها للمدرجات تكشف بالدليل القاطع تزاحما وتلاصقا غير مسبوق في المدرجات.
من حق الغاضبين أن يُذكروا الحكومة بكلامها عن البروتوكولات الصحية في مواجهة كورونا، وأن يؤنبوها لأنها أجلت الانتخابات للنقابات المهنية لزعمها أن ذلك يشكل خطرا على الصحة، وقد تصبح الانتخابات بؤرة لانتقال العدوى، ومن حق الرأي العام أيضا أن ينتقدها لأنها منعت العديد من الاعتصامات تحت نفس الذريعة، وأغلقت مطاعم ومقاه لأن أصحابها لم يتقيدوا بمتطلبات التباعد، وأكثر من ذلك أقالت وزراء لأنهم حضروا عشاء زاد عدد الحضور حول الطاولة على المسموح به.
ذاكرة الناس ليست من غبار، وإن كنت مع عودة مهرجان جرش بقوة، في المقابل الحكومة مطالبة أن تلتزم بتطبيق التعليمات، أو ترميها علنا في سلة المهملات، لا أن تطبقها بشكل انتقائي، وتطوعها لأسباب، وأجندة سياسية.
إذا كانت الدولة واثقة أن كورونا لم تعد خطرا، فلا خوف من حفلة لماجدة الرومي، أو نجوى كرم، وكذلك جورج وسوف، ولكن من الضروري تذكير الحكومة بأنه لا يجوز أن تعود بعد أسابيع لتعليق التعليم الوجاهي لأن جائحة كورونا عادت للانتشار، فهذا لا يتفق مع المنطق، ولن يقبله الناس.
بعد مهرجان جرش آن الأوان أن توقف الحكومة العمل بقانون الدفاع وأوامره، فمنذ بداية هذا الشهر وكل الإجراءات المتعلقة بفيروس كورونا ألغيت، وذلك يستتبع وقف العمل بكل التدابير الاستثنائية وفي مقدمتها القانون.
مرة أخرى كنت مع مهرجان جرش وبقيت، وساندت مهرجان القلعة ورفضت إلغاءه ووقفه، وأدعو لكرنفالات في كل وقت، وفرحت لحفل عمرو دياب في واحة آيلة في العقبة، ونفاد التذاكر في دقائق، فالمهرجانات تسويق سياحي، وتعظيم للفائدة الاقتصادية، ونافذة للأردن على العالم.